س5/ كنت مسافرا فأردت أن أجمع بين الظهر والعصر فصليت مع جماعة خلف إمام، فعلمت بعد أن قام إلى الركعة الثالثة أنه مقيم؛ لكني لم أقم معه إلى الثالثة فجلست ثم سلمت، بعدها دخلت معه مرة أخرى بنية صلاة العصر، فما حكم ذلك؟
ج/ يجب عليك أن تعيد الظهر والعصر؛ لأنك صليت خلف إمام مقيم، الواجب عليك، الفرض عليك أن تصلي صلاة المقيم، قد صحّ عن ابن عباس ( أنه قال: من السنة إذا ائتم المسافر بالمقيم أن يصلي صلاة المقيم. هذا هو الواجب عليك، فلو صلى صلاة المسافر فإنه يؤمر بالإعادة؛ لأن الواجب عليه أن يصلي صلاة مقيم، هذا سلم ثم دخل أيضا صارت صلاته الثانية من أصلها ومفارقته ليست واقعة موقعها، فلذلك يجب عليه أن يعيد الظهر والعصر.
س6/ ما الفرق بين الهداية والتوفيق عند أهل السنة وهل بينهما عموم وخصوص بيّنوا لنا ذلك؟
ج/ الهداية لفظ يشمل الدلالة على ما فيه أو ما الحاجة إليه أنت محتاج إلى طريق تحتاج إلى من يهديك الطريق، تحتاج في مسألة إلى إيضاح تحتاج من يهديك في هذه المسألة فأصل الهداية الدلالة بها دلالة وإيضاح.
في القرآن العظيم
...[النوع الأول الهداية الغريزية] (113) وهي هداية المخلوق إلى ما فيه بقاؤه وحسن معاشه، والدليل على هذه المرتبة قوله جل وعلا ?الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى?[طه:50]، يعني هداه إلى ما فيه مصلحته في دنياه، إلى آخر ذلك.
فالله جل وعلا هدى الرضيع كيف يلتقم الثدي ويحتاج إليه، وهدى الطائر لمصلحته، وهدى الحيوان إلى مصلحته، إلى آخر ذلك.
النوع الثاني الهداية بمعنى الدلالة والإرشاد؛ دلالة وإرشاد من آخر لما فيه المصلحة مصلحة العبد في دنياه أو في آخرته أو فيهما معا، وهذه هي الأكثر في القرآن الهداية بهذا المعنى، وهي هداية الدّلالة والإرشاد، وهي التي جاءت في مثل قوله جل وعلا ?وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ?[الرعد:7]، يعني دال يدلّهم على الطريق.
الثالث هداية التوفيق وهي أخص من الأولى؛ يعني أخصّ من التي قبلها، هداية التوفيق وهذه خاصة بالله جل وعلا، وهو الذي يوفّق ويُلْهِم، فالرسل هداة بمعنى أنهم يدلون ويرشدون؛ لكن هداية التوفيق هذه من الله جل جلاله، ?وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ?[هود:88]، هذا حصر التوفيق من الله جل وعلا دون ما سواه، لهذا نفاها ربنا جل وعلا عن نبيه ( بقوله تعالى ?إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ?[القصص:56]، فنفى عنه الهداية في هذه الآية وجعلها لله جل وعلا مع إثباتها لنبيه عليه الصلاة والسلام في قوله جل وعلا في آخر سورة الشورى ?وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52)صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ?[الشورى:52-53].
فالنبي ( يهدي ولا يهدي، يهدي بمعنى أنه يدل ويرشد ويعلم إلى آخر هذه المعاني، ولا يهدي بمعنى هداية التوفيق لا يوفّق بل الذي يوفق ويعين العبد ويصرف عنه السوء، ويعينه على الطاعة ويصرف عنه الشياطين حتى يهتدي؛ بمعنى حتى يستقيم على أمر الل، هذا رب العالمين جل جلاله وتقدست أسماؤه.
الهداية الرابعة التي في القرآن هي التي جاءت في سورة محمد وهي هداية أهل النار للنار وهداية أهل الجنة للجنة، فهداية أهل الجنة للجنة في قوله جل جلاله ?وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ(4)سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ?[محمد:4-5]، هذه الهداية وقعت بعد القتل، وما بعد القتل الهداية إلى أيّ شيء؟ هداية إلى الجنة لهذا قال بعدها ?سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ(5)وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ?[محمد:5-6]، قال العلماء: يهديهم يعني إلى صراط وإلى طريق الجنة، وهداية أهل النار إلى النار كقوله في سورة الصافات ?فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ(23)وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ?[الصافات:23-24].
إذن تبين من هذا أن التوفيق مرتبة من مراتب الهداية، والذّي يتصل بالإيمان بالقضاء والقدر وفعل العبد من هذه المراتب المرتبتان الثانية والثالثة -هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والإلهام-، ولذلك شاع عند العلماء أن الهداية قسمان:
* هداية دلالة وإرشاد.
* وهداية توفيق وإلهام.
لأن هذين النوعين هما اللذان نحتاج إليها في أعظم المسائل المتعلقة بالهداية وهي مسألة القضاء والقدر والهداية والضلال، أما الهداية العامة، وهداية أهل الجنة للجنة وهداية أهل النار للنار هذه متفق عليها معلومة عند الجميع.
نكتفي بهذا القدر. اقرأ...
??(??

[الأسئلة] فنجيب على بعض الأسئلة.
س1/ ما ضابط المحسن الذي يدخل في قوله تعالى ?مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ?[التوبة:91]؟
ج/ الإحسان أولا المحسن أو قبل ذلك المحسنون هو جمع المحسن، والمحسن هو فاعل الإحسان يعني من قام به الإحسان فعلا له أحسن يحسن إحسانا فهو محسن.
والإحسان ضد الإساءة، وأصل الإحسان هو فعل المرء ما عليه من العمل على وجه الكمال، أو أن يَتَفضَّل بزيادة عما عليه، ولهذا يدخل من فعل الواجبات في اسم المحسن باعتبار أنه أدّى ما وجب عليه، ويدخل من أتى بالنوافل في اسم المحسن لأنه زاد على ذلك، ولهذا سمّى الله جل وعلا عبادته كأن العبد يرى ربه بالإحسان، فجعل الابتلاء بالإحسان ?لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا?(115)، وجعل معيّته الخاصة لأهل الإحسان ?وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ?[العنكبوت:69]، ?إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ?[النحل:128]، ونحو ذلك.
فإذن المحسن هو مَن فعل الإحسان وهو أنه فعل ما يجب عليه فِعله أو ما له فعله شرعا ولم يسئ ولم يتعدّى، وقد يزيد على ذلك بأن يفعل ما فيه المصلحة.
لهذا أدخل العلماء في الآية ?مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ? أدخلوا فيها المعذور، كما هو ظاهر الآية المعذور عن الجهاد لمرض أو عرج أو نحو ذلك، هذا محسن ما أساء وما تعدى.
وكذلك أدخل فيه طائفة من العلماء من علماء العصر وأهل الإفتاء والقضاء أدخلوا فيها مسألة مهمة وهي مسائل قتل الخطأ إذا كان الإنسان يقود سيارة وانقلبت مثلا قد حصل لمن معه جروح أو كسور أو نحو ذلك فهنا: هل يخاطب بأنه متسبب بالقتل أم ليس بمتسبب؟
هنا يُنظر هل فعل ما يجب عليه فعله من أخذ الحيطة مع عدم السرعة ومن تفقد السيارة ونحو ذلك، فإذا فعل ما جيب عليه فعله من أخذ الحيطة وسلامة الأرواح وعدم السرعة فإنه محسن؛ لأنه فعل ما يجب عليه.
وإذا تعدّى ذلك وأساء إما في زيادة سرعة أو في قيادة وهو به النوم أو ما تفقّد أدوات السيارة وأدوات السّلامة من الفرامل ونحو ذلك، فهذا لا يدخلونه في اسم المحسن لأنه قصر في أداء ما وجب عليه.
إذن كلمة المحسن في الشرع يضبطها هذا الضابط الذي ذكرتُ لك، ومن نقص فقد أساء، من نقص ما يجب عليه أو فرّط أو تعدى فقد أساء، ومن أساء في هذا فقد ظلم ولا يدخل في اسم المحسن.
فإذن ظاهر الآية ?مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ?[التوبة:91]، أن الله جل وعلا لتمام رحمته ومغفرته ولطفه ورأفته لعباده فإنه لا يؤاخِذ المحسن ولو كان تخلّف عن بعض ما ذهب إليه غيره مثل الجهاد أو [...] أو النصرة إذا كان ليس عنده قدرة أو فعل ما يجب عليه واتّقى الله ما استطاع فإنه محسن وما على المحسنين من سبيل.
هذا بعض ما يدخل في هذه الجملة من الآية، مع أنّ كلمة الإحسان والمحسن فيها تفصيل كبير من حيث مراتب الإحسان في الشّرع، ومن هو المحسن وجزاء المحسنين مما يراجع في كتب التفسير.
س2/ هل صحيح أنّ النبي ( بنى مسجده فوق مقبرة؟ إن كان نعم فكيف يُجمع بين نهيه ( الذين اتخذوا القبور مساجد.
ج/ النبي ( لما بركت النّاقة في موضع مسجده الآن كان فيها مواضع قبور للمشركين، فأمر النبي ( يعني بجزءٍ منه أمر بالقبور فنبشت واتُّخذ هذا المكان مسجدا.
والمقبرة إذا كانت موجودة وبُني على القبر مسجدا فهذا هو الذي جاء فيه النهي.
نبش القبور للمصلحة الشرعية هذا جائز، ولهذا النبي ( امتثل الأمر وبنى في ذلك المكان مسجدا.
وإن كان يَعني بُني مسجدا فوق مقبرة كان يعني بُني المسجد على قبر النبي ( فإن آخر السؤال يدل عليه، وإن كان لها حكم المبرِّئ إيش القائل بذلك وإلى آخره.
إذا كان المقصود أن النبي ( بني مسجده على قبره فهذا غلط كبير، النبي ( بُني مسجده في حياته، وهو لما توفي عليه الصلاة والسلام دفن في حجرة عائشة كانت ملاصقة للمسجد وليست من المسجد.
ولما احتاج المسلمون إلى توسعة المسجد لضيقه بالناس وُسِّع من الجهة الجنوبية ومن الجهة الشمالية ومن الجهة الغربية، وأما الجهة الشرقية التي فيها حجرات أزواجه عليه الصلاة والسلام ومنها حجرة عائشة بالخصوص، فما كان يؤخذ منها إلا لما احتيج، وبقيت حجرة عائشة التي فيها القبور على ما هي عليه، فكانت حجرة عائشة ليست من المسجد وإنما المسجد من جهاتها الثلاث وليست حجرة عائشة بالوسط.
وبقي المسلمون على ذلك زمانا طويلا حتى أُدخل في عصور متأخرة -أظن في الدولة العثمانية أو قبلها- أُدخل الممر الشرقي وذلك بعد شيوع الطواف بالقبور، أدخل الممر الشرقي يعني وُسِّع يعني جهل الحائط يدور على جهة الغرفة الشرقية، صار فيه هذا الممر الذي يمشي معه من يريد الطواف.
وهذا الممر وإن كان السور سور المسجد من تلك الجهة خلفه لكن ليس له حكم المسجد ولا يقال القبر في المسجد إلى الآن، ولا يقال الحجرة الآن في المسجد وإن كان ظاهرها من حيث العين أنها في المسجد؛ لكنها حكما شرعا ليست بمسجد؛ لأن الجهة الشرقية هذه الممر لا يصحّ أن يكون مسجدا شرعا، فلذلك إدخاله في المسجد باطل، ولذلك الصلاة في الجزء ذاك لا تصح، ولهذا يعمل في كثير من الأحيان أنها تسدّ وقت الصلاة، سد الجهة من ذلك الممر حتى ما يصلي المصلون من جميع الجهات.
ولذلك لما جاء في التوسعة الأخيرة توسعة الملك فهد لم يبتدأ في التوسعة من أول المسجد الأصلي وإنما ابتدئ بعد نهاية القبر؛ يعني من نهاية الحجرة بكثير وبعد الباب وصار الامتداد هناك.
فإذن الواقع الآن يعني من حيث التاريخ ليس المسجد مبني على القبر، هذا أولا.
الثاني أن القبر لم يدخل في المسجد وإنما اكتنفه المسجد من الجهات الثلاثة جميعا.
الأمر الثالث الجهة الرابعة الشرقية من الحجر هذه أدخلت في عصور متأخرة لما شارع الطواف بالقبور، ولما قامت الدعوة ووصلت الدولة السعودية إلى ذاك المكان، واستفتي أئمة الدعوة في ذلك فلم يروا تغيير السور وتقطيع المسجد حتى ما تثار أشياء وإنما قالوا الوقف الجزء هذا الصلاة فيه باطلة فيمنع الناس من أن يصلوا فيه الذي هو الممر الشرقي للقبر.
فإذن من كل جهة لا ينطبق عليه أن القبر هذا في المسجد، ولا أن المسجد بني على القبر، وإنما هذا ( دفن في حجرة عائشة لا في المسجد، وحجرة عائشة رضي الله عنها منفصلة عن المسجد وليست في داخل المسجد.
بقي أيضا أنه لما وُسِّع المسجد من الجهة الشمالية واشتُريت بعض حجرات النبي (؛ يعني التي هي من جهة دكة الآغوات وما هو شمال منها، كانت الحجرة حجرة النبي عليه الصلاة والسلام حجرة عائشة جُعل عليها جداران:
الجدار الأول الذي هو يفصل حجرة عائشة عن بقية الحجر هذا الجدار الأول، وهذا الجدار له صفته، يمكن تشوفونها في الخرائط موجودة.
وجعل جدار آخر أيضا مثلث؛ جعل جدار آخر بعد هذا الجدار من الجهة الشمالية صار زاوية في اتجاه السهم كأنه يتجه إلى الجهة الشمالية، فعل ذلك من فعل من العلماء في ذاك الزمان من التابعين وغيرهم حتى لا يَظن أحد أنه يمكن أن يستقبل القبر، لا يُتصور أن القبر أمامه وأنه الآن هو يستقبله، يصير فيه الآن جدران محرفة ويبعد النظر أنه يستقبل القبر.
ثم بعد ذلك عُمِل جدار ثالث، والجدار الثالث هذا طويل يعني طوله في السماء يعني ارتفاعه نحو ستة أمتار ونحو ذلك، فهو غير مسقوف أيضا.
فهذه الجدران الثلاثة فعلها المسلمون ما كون الحجرة ليست في المسجد حتى لا يظن الظان أنه إن صلى في الجهة الشمالية أنه يستقبل القبر؛ لأنه إنْ صح ذلك يقال لا نستقبل القبر مع وجود هذه الجدران الثلاث بينه وبين القبر فمعناه كل إنسان بينه وبين المقبرة جدران فإنه يستقبل القبور، وهذا لا قائل به من أهل العلم، فلهذا جعلوا هذه الجدران الثلاثة حتى لا يُتّخذ قبره مسجدا يصلى فيه ولا يصلى إليه، وحتى لا تتعلق القلوب به، ولا يوصل إلى قبره، ولا يمكن لأحد أن يخلص إلى قبره، ليس هناك أبواب وليس هناك طريق أبدا أن يخلص واحد أن يخلص إلى قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد أزمان جُعل هذا السياج الحديدي الموجود الآن، فهو الرابع الآن، هذا الياج الحديد الرابع بينه وبين الجدار الثالث ممر، والجدار الثالث هذا هو الذي ترون عليه السترة الخضراء أظن أو شيء، وبعده جدار ثاني وبعد الجدار الثاني الجدار الأول.
وهذه الثلاثة الجدران هي التي ذكرها ابن القيم في النونية بقوله:
فأجاب رب العالمين دعاءه وأحاطه به ثلاثة الجدران
يعني بدعاء النبي ( «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد».
المقصود من هذه المسألة من مهمات المسائل أن تكون واضحة عند طالب العلم تماما؛ لأن الشبهة بها كبيرة، والذين يرددون مثل هذا الكلام كثير.
فلهذا نقول: إن القبر ليس في المسجد، ولا يمكن لأحد أن يستقبل القبر، وإنّما قد يتّخذ بعض الجهلة أو بعض المشركين في قلبه صورة القبر ويستقبل شيئا في قلبه ويأخذ شيئا في قلبه، أما القبر فإنّه ليس وثنا ولا يمكن أن يُتّخذ وثنا وأنه محاط بإحاطات تامة إلى آخر ذلك.
والقبة الموجودة فوق سطح مسجد النبي عليه الصلاة والسلام هذه ليست على القبر بالمسامتة إنما هي على جزء كبير تشمل الجدران الأربعة كلها، ولذلك لأن قطرها كبير جدا والقبر في الداخل، وهذه القبة كانت في زمن مضى من الخشب بلون الخشب أول ما صنعها أظن المماليك، ثم بعد ذلك جعلت باللون الأبيض، ثم جعلت باللون الأزرق، وهي التي كانت في وقت الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونحوه كان لونها أزرق، ثم في آخر عهد الدولة العثمانية جُعل لونها أخضر واستمر هذا اللون.
فلما قيل للشيخ محمد بن عبد الوهاب أنك تقول: لو أني أقدر على قبة النبي عليه الصلاة والسلام القبة التي على قبر النبي ( لهدمتها؟ قال: سبحانك هذا بهتان عظيم فما قلت هذا ولا أقوله. لأنه ما يترتب من المفاسد على إزالة هذا المنكر أكثر من المصالح، فالواجب التنبيه وتعليم الناس ودعوتهم إلى التوحيد وعدم تمكين الشرك، والنّهي عن بناء القباب على المساجد نُهي عنه سدا للذريعة، وللعلماء في ذلك كلام يعني في مسألة بقاء القبة.
المقصود أنّ هذا الذي سار عليه أئمة الدعوة رحمهم الله في هذا الشأن فرأوا أن إبقاء القبة أن هذا أمر لازم، وذلك لما أشاعه الأعداء من بُغض أئمة الدعوة وبُغض أتباع دعوة الشيخ رحمه الله للنبي (؛ بل عظّموا النبي عليه الصلاة والسلام وسدّوا كل طريق يمكن أن يؤصل ما قالوه في هذا الباب؛ يعني ما قاله الأعداء.
... إذا كان القبر في مقبرة مستقلة عن المسجد فإن الصلاة في المسجد جائزة إذا كان في القبلة، بمعنى أنه يكون للقبر سور مستقل عن سور المسجد، فإذا قال القائل لا القبر في المسجد أو هذا السور محيط، أو أن القبر واضح أنه في جهة من المسجد فهذا يدلّ على أن المسجد بُني على القبر فلذلك لا تجوز الصّلاة فيه، والصلاة فيه باطلة.
وأما إذا كان المسجد وجد أولا ثم القبر أدخل فيه، هذا يفرّق فيه ما بين إذا كان القبر في قبلة المسجد أو في مؤخرة المسجد، فإذا كان في مؤخرة المسجد فطائفة من العلماء والمشايخ يقولون: إن الصلاة فيه جائزة. وأما إذا كان في القبلة فإنّه لا تجوز الصلاة إليه؛ لأن النبي ( نهى عن الصلاة إلى القبور.
فإذن هنا يفرّق في هذه الحال ما بين إذا كان المسجد جُعل على القبر؛ يعني إذا كان المسجد متأخرا والقبر أولا فيكون هذا حكم المقبرة يعني المسجد وضع على قبر فهذا الصلاة فيه لا تجوز؛ لأن هذا منهي عنه والنهي يقتضي الفساد ولعن النبي ( من فعل ذلك.
وأما إذا كان المسجد موجودا ثم جُعل في طائفة منه القبر:
فأولا نقول إذا كان القبر في الأول في مقدمة المسجد فإن الصلاة محرمة ولا تجوز باطلة لأن النبي ( قال «لا تصلوا إلى القبور» الصلاة إلى القبر جعل القبر قبلة باطلة.
وإذا كان القبر في مؤخرة المسجد والمسجد مبني أولا فطائفة من العلماء يقولون بصحة الصلاة فيه، يعني من علمائنا.
س3/ هذا سبق الإجابة عليه يقول: قال بعض نفاة الصفات أن قوله تعالى ?تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ?[المائدة:116]، أن هذا من باب المشاكلة فما معنى قولهم هذا؟
ج/ هذا سبق الجواب عليه أظن مفصلا في أحد الأجوبة في هذا الباب.
س4/ هل من علامات خاتمة الموت في الأزمان الفاضلة كرمضان والجمعة جزاكم الله خيرا؟
ج/ ما فهمت السؤال، حسن الخاتمة! أما الجمعة، يوم الجمعة وليلة الجمعة فقد جاء فيها الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن النبي ( ذكر ممن يأمن فتنة القبر من مات يوم الجمعة؛ يعني ليلة الجمعة أو مات مرابطا إلى آخره، أما رمضان فما أحفظ أن له مزية على غيره. الحديث إسناده جيد، يأمن يعني يجيب الجواب الجيد، فلا تكون في حقه فتنة.
س5/ الرقية الشرعية سبب من أسباب الشفاء بإذن الله، وقد كثر القراء في هذه الأزمان وعليهم مخالفات كبيرة، وبعضهم يستعمل الكهرباء لإخراج... إلى آخره.
ج/ هؤلاء يجب منعهم وتعزيرهم، القرآن ما أنزل ليتخذ حرفة من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل، بالقرآن يقرأ القرآن مباشرة أما اتخاذها حرفة هذا من بدع هذا الزمن، بعضهم الآن دخلوا في أمور منكرة كبيرة إما في السلوك أو أو وضع ما مع النساء أو في استعمال القراءة بطرق مختلفة أو استعمال الكهرباء، بعضهم يقول مثل الورقة كانت معي منسوبة إلى أحد القراء هؤلاء يقول أنك تأخذ من الماء المقري فيه ثلاث مرات بعد الأكل ونحو ذلك من الأمور المنكرة، وإذا أحسست أول يوم ستحس بكذا وإذا أحسست بكذا فخفف الجرعة وأشياء من هذا القبيل الذي هو من المنكرات الكبيرة.
ومن العجائب في التاريخ أن ابن بشر رحمه الله ذكر في أول تاريخه -تاريخ نجد لابن بشر لابد تقرؤوه؛ لأن فيه من الفوائد في البلاد هذه وأحوال أهلها وتصنيف الناس إلى آخره مما لابد لطالب العلم أن يقرأه-، ذكر في أوله أن أهل نجد لم يكن الشرك موجودا عندهم ولا البدع، وإنما شاع عندهم البدع من قبل متطببة البادية هذا كلامه من قبل متطببة البادية كانوا يجاورون أهل النخيل إذا كان وقد الجذاذ ويأتون ببعض الأدوية، فتعلق بهم أهل القرى حتى أرشدوهم إلى أشياء أو أمروهم بأشياء من قبيل البدع، ثم أمروهم بالذبح لغير الله، ثم أمروهم بتعظيم الأموات إلى آخر ذلك حتى وجد الشرك في هذه البلاد فيجب منع هؤلاء سدا للذريعة، وما يعطى أحد من هؤلاء فرصة إلا في حالات نادرة ممن إذا كان العالم يعرف هذا الشخص إلى آخره؛ لكن الأصل العام لا يُفتح لمن أراد أن يتّخذ القراءة حرفة أن لا يفتح له المجال؛ لأن هذا ذريعة للشرك والبدع، نسأل الله السلامة والعافية. اقرأ..
??(??

الأسئلة] نأخذ بعض الأسئلة.
س1/ ما هو تعريف الشّرك الأصغر؟ وما هي الضوابط التي منها يمكن الحكم على القول أو الفعل أنه شرك أصغر؟
ج/ الشرك بجميع أنواعه سواء الشّرك الأكبر أم الأصغر أم الخفي يشترك في كونه تنديدا مع الله جل وعلا، وهذا التنديد يعني أن يُجعل لله ندا فيما هو له جل وعلا يختلف من جهة الدليل، فمنه ما هو شرك أكبر، ومنه ما جاء في الدّليل أنه شرك؛ لكن لم يُجعل شركا أكبر، وجاء في بعض الأحاديث تسمية بعض أنواعه الشرك الخفي، وسَمّاه العلماء الشرك الأصغر تمييزا بينه وبين الأكبر.
اختلفوا في ضابطه مع اتفاقهم على أنّ الشرك الأكبر هو دعوة غير الله معه هو عبادة غير الله جل جلاله أو أن يجعل لله نِدًّا لله سبحانه وتعالى فيما هو من خصائصه جل وعلا وأعظمها العبادة؛ يعني استحقاق العبادة.
اختلفوا في الشرك الأصغر في تعريفه على أقوال عند أهل العلم وفي ضبطه:
ومنهم من قال إن الشرك الأصغر هو كل شرك أو عمل يكون وسيلة للشرك الأكبر، فما كان وسيلة وطريقا إلى الشّرك الأكبر فيكون شركا أصغر، وقد نحا إلى ذلك عدد من أهل العلم منهم الشيخ عبد الرحمن السعدي في حاشيته على كتاب التوحيد.(117)
والقول الثاني وهو قول عامة أئمة الدعوة، وكذلك يفهم من كلام ابن القيم وابن تيمية رحمهم الله أنه يذهبون إليه، هو أن الشرك الأصغر كل ذنب سماه الشارع شركا ولم يبلغ درجة عبادة غير الله جل وعلا؛ يعني لم يبلغ درجة الشرك الأكبر.
والفرق بين الأول والثاني يعني بين التعريف الأول والثاني أنه هناك أعمال تكون وسيلة للشرك الأكبر ولم يطلق عليه الشارع أنها شرك ولم يتفق العلماء على أنها شرك، فوسائل الشرك الأكبر كثيرة.
مثلا بناء القباب على القبور هذا وسيلة إلى الشرك ووسيلة إلى تعظيم الأموات وإلى أن يُعتقد فيهم وأن يتقرب إليهم أو أن يتعبد عند قبورهم ونحو ذلك؛ يعني أن يعبدوا عند قبورهم ونحو ذلك، فبناء القباب على القبور من هذه الجهة هو وسيلة إلى الشرك الأكبر لكن لم يسمّه أحد من أهل العلم المتقدمين لم يعدوه شركا أصغر مع كونه وسيلة.
فالأضبط هو ما ذكرته لك من أن الشرك الأصغر هو كل ذنب أو معصية سمّاها الشارع شركا في الدليل ولم تبلغ درجة الشرك الأكبر؛ يعني درجة عبادة غير الله معه سبحانه وتعالى.
مثال آخر الذنوب، الذنب يطلق عليه بعض العلماء أنه لا يصدر ذنب يعني كبيرة من الكبائر أو ذنب من الذنوب إلا وثَم نوع تشريك؛ لأنه جعل طاعة الهوى مع طاعة الله جل وعلا فحصلت المعصية، وطاعة الهوى وسيلة للشرك الشرك الأكبر، والذنوب عدد كبير منها وسيلة إلى الشرك الأكبر، ومع ذلك لم تسمَّ شركا أصغر وإن دخلت في مسمى مطلق التشريك، لا التشريك المطلق، مطلق التشريك، لا الشرك، فلهذا لا يصدق عليه هنا أنها شرك أصغر مع كونها وسيلة في عدد من الذنوب والآثام إلى الشرك الأكبر.
إذن لا يستقيم التعريف الأول في عدد من الصّور، والأقرب والأولى هو الثاني وهو أن يقال الشرك الأصغر هو كل ذنب أو معصية سماها الشارع شركا ولم تبلغ درجة عبادة غير الله معه.
س2/ لماذا لا تجعلون كلمة بعد الصلاة في هذا المسجد كل شهر تقريبا وتكون بدل الأسئلة قبل الدّرس.
ج/ هذا رأي مبارك إن شاء الله نعمل به بإذن الله.
س3/ هل هناك فرق بين الحلق بالموسى والحلق بالمكينة؛ لأن هنالك من يفرق فيقول أن حلق الرأس بالمكينة يعتبر تقصيرا فلابد من الموسى لحديث المحلقين والمقصرين.
ج/ التحليق المعروف الذي أمر به بعد آداء النسك العمرة أو الحج وجعل أفضل من التقصير وجاء في قول الله جل وعلا ?لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ?[الفتح:27] فقدم التحليق لفضله وجاء في الحديث «رحم الله المحلقين، رحم الله المحلقين، رحم الله المحلقين» حقيقته المعروفة في عهد النبي ( هو الحلق بالحديدة، بالموس المعروف بحيث أنه يستأصل الشعر من أصله، أما المكينة فهي تختلف درجاتها يسمونها درجة خمسة وستة وثلاثة وإلى آخره، فما كان منها أقصر كان أقرب إلى الحلق؛ لأنّ المعنى في التعبد بحلق الشعر وإزالته هو أن يزال الشعر الذي هو مظهر من مظاهر الجمال عند العرب، العرب تتجمل بالشعر في الرجال، والنبي ( كان له شعر وفرة، وربما كانت له غدائر أربع يجعل ثنتين عن يمينه وثنتين عن يساره للخلف ونحو ذلك مما جاء في وصف العرب، والنبي ( أمر بإكرام الشعر «من كان له شعر فليكرمه» والعناية به مظهر من مظاهر الجمال هذا له صلة أيضا بالديات فيما إذا جنى جناية على شعره..(118) ترك أنواع التوسط والبعد عن الركون لملذات الأرض والقرب من الله جل وعلا، هذا كلما كان أبلغ كان أفضل فإذن الحلق هو أفضله لأن فيه المبالغة في ترك التزين بالشعر.
الحلق بالمكينة هو كلما كان أقرب إلى الحلق بالموسى فهو أفضل، وكلما كان أقل فهو يداني التقصير، حقيقة التقصير عند العرب يعني في الزمن الأول هو أن يُؤخذ من جميع الشعر من جميع جهاته، يؤخذ ويقصّر الشعر وإذا كان الشعلا من خلف يمكن جمعه فيؤخذ بما لا يقل عن ما يلف على اليد يعني مثل المرأة في أقله إذا يجمع.
المقصود أن المكينة هذه تختلف، فكلما كان العبد أبعد إبقاء الشعر يعني كان أخذه للشعر أكثر كلما كان أفضل.
س4/ هل أراد ابن الزبير ( أن يحرق أهل البيت أو أن يضيق عليهم؟
ج/ حاشا وكلا ابن الزبير ( من جلة الصحابة، وهو ممن يعظم آل البيت كغيره، وأما التأويل لبعض أفعاله لما حصل في مكة خاصة مع ابن عباس وغيره فهذا لا يدل على ما قال.
س5/ ما ذا يقال في تفسير ?يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ?[الرجمن:33]، الآية في قوله ?إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ?[الصافات:6]، أي أن الفضاء الذي وصل إليه البشر إنما هو في السماء الدنيا.
ج/ الآية ?يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ?[الرجمن:33] الآيات، هذه الراجح من أقوال المفسرين أنها يوم القيامة وليست في الدنيا، وأن هذا التعجيز للجن والإنس أن يستطيعوا النفاذ من أمر الله جل علا في الساعة يوم تنزل الملائكة وتصف صفوفا وتحيط بأهل الموقف، فلا أحد يستطيع أن يفلت من الحساب، كقوله جل وعلا ? يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ?[القيامة:10]، وهذا أولى من جعلها في الدنيا، وبعض أهل العلم رأى أن هذا يمكن أن تكون في الدنيا لقوله ?لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ? وإذا وجد السلطان فإنه يمكن أن ينفذوا؛ ولكن هذا ليس بجيد لأننا نعلم أن الجن بنصوص الأحاديث والآيات أنها تنفذ إلى السماء وتبعد وتسترق السمع، يركب بعضهم بعضا حتى يبلغون السماء بحيث يسمعون الوحي، فتارة يسمعون ويلقيها إلى من تحته قبل الشهاب، وتارة يأخذه الشهاب قبل ذلك وفق حكمة الله جل وعلا، والشهب ما تأخذ الجن في السماء يعني في الغلاف الجوي في الأرض إنما تأخذه في أعلى السماء يعني في السماء الدنيا أو ما هو أعلى الله أعلم بحقيقة ذلك.
فإذن ظاهر قوله ?يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا? لما كان الخطاب دخل فيه الجن ونعلم من النصوص أن الجن يركب بعضهم بعض ويبعدون وفي السماء حتى ملئت السماء وحرسا شديدا وشهبا لما نزل الوحي على النبي (، فيكون الراجح فيها تفسير جمهور أهل العلم في أن المراد يوم القيامة وسياق الآيات يدل عليها قال جل وعلا ?يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ?[الرحمن:29]، ثم قال ?يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ? ثم قال ?يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ?[الرحمن:35]، ثم قال ?فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ?[الرحمن:37]، إلى أن ذكر مصير أهل النار ومصير أهل الجنة، وترجعون إلى تفسير الآية في تفسير ابن كثير أو غيره.
س6/ ما هي الأفعال الجبلية التي فعلها الرسول ( وليس علينا اتباعُها، هل يدخل فيها مشيته وأكله بثلاث أصابع (؟
ج/ هذا سؤال جيّد، أفعال النبي ( عند العلماء من الأصوليين والفقهاء والمجتهدين منقسمة:
* إلى أفعال يجب الاقتداء به فيها.
* وإلى أفعال يُستحبّ الاقتداء به فيها؛ يعني أن يستنّ به فيها عليه الصلاة والسلام.
* والقسم الثالث أفعال جبلية فعلها النبي ( بمقتضى ما جبله الله جل وعلا عليه من الرّغبات وما يحبّ وما يكره بمقتضى جبلته واختياره عليه الصلاة والسلام لا بمقتضى الوحي.
فهذه الأفعال الجبلية التي يدخل فيها طريقة نومه أو هيئته في في المشيء كان إذا مشى كأنّما ينحدر من صبب، ونحو ذلك من صفاته عليه الصلاة والسلام التي هي بمقتضى الجبلة، ما يحب من الأكل يحب مثلا الحلوى، يحب أن يخلط الرطب بالبقثاء ونحو ذلك، هذه ضابطها:
* أنها لا تدخل في العبادة بنوع من العبادة.
* والثاني أنه لم يأمر بها النبي ( ولا حضّ عليها.
فإذا فعلها فعلا مجردا وهي من الأفعال الجبلية، ولم يأمر بها، وليست من أمور العبادة، فهذه هي ضابط الأفعال الجبليّة، فهذه لا يتعبّد بفعلها.
لكن من فعلها اقتداء بالنبي ( فيُثاب على نيته التأسي برسول الله (، يعني لا على نفس الفعل ولكن على نية التأسي.
أما الأفعال العبادية أو ما أمر به أو ما فعله النبي ( من الأفعال العبادية هذه يؤجر العبد على التأسي به، يؤجر على الفعل نفسه وعلى نية التأسي جميعا.
أما الأفعال الجبلية فمن فعل كفعله عليه الصلاة والسلام مما لا دخل له في العبادة ولم يأمر به عليه الصلاة والسلام وإنما كان مقتضى ما يحب وما يكره كان يشرب الماء مصا عليه الصلاة والسلام، كان إذا مشى كأنه ينحدر من صبب عليه الصلاة والسلام، كان يحب من الأكل كذا، كان يحب الدباق يتتبعها في الإناء ونحو ذلك، مما هو من مقتضى الطبيعة، فتركه عليه الصلاة والسلام للضب ولم يحرّمه عليه الصلاة والسلام وقال «إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه»، ونحو ذلك من الأفعال الجبلية، فهذه لا يُشرع التأسي به عليه الصلاة والسلام فيها، لكن من تأسّى فيثاب على اقتدائه على نية اقتدائه ومحبته للنبي ( ومتابعته له في شأنه كله لا على الفعل نفسه لأن الفعل ليس محل التعبد.
س7/هل صحت قصة أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس (؟
ج/ أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس ( لا توجد مجموعة في كتاب من كتب الحديث، وإنما هي متفرقة، هي أسئلة كثيرة في الاستدلال على صحة التفسير بشعر العرب، هذه روى منها الطّبراني في الكبير جملة كبيرة، وروى منها أيضا ابن الأنباري في الوقف والابتداء في أوله جملة كبيرة، وروى منها عدد من أهل العلم كابن جرير وغيره متفرّق في كتابه جمل كثيرة، فجمعها السيوطي في الإتقان جمعا حسنا، وأُفردت أيضا في مؤلف معروف، ومنها ما هو صحيح ومنها ما هو دونه من حيث الإسناد؛ لكنها قصة مشهورة عند أهل العلم وعند أهل التفسير، ولا يوجد سؤال من الأسئلة ولا وجوابه والاستدلال عليه بالشعر إلا وتجده في كتب التفسير عناية منهم بذلك.
س8/ هل ابتياع الطِّيب بثمن كثير من التبذير؟
ج/ التبذير شرعا غير الإسراف، لو قال من الاسراف هذا فيه بحث، لكنه من التبذير؟ ليس من التبذير؛ لأنّ التبذير هو إنفاق المال مع عدم توخّي الوجه الشّرعي فيه، مأخوذ من رمي البذر، رمي البذور يعني الذي يبذر، يرمي البذور يمينا ويسارا ويمشي، دون أن يتوخى مكانا معينا مثل الغرس، يأخذ البذرة ويحفر لها فإنما يرميها رميا، لذلك سمي من ينفق ماله مع عدم توخي الوجه الشرعي في إنفاقه مبذرا، ولهذا ناسب أن يكون أخا للشيطان لأن الشيطان ليس بمتحري للوجه الشرعي في أفعاله قال جل وعلا ?وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا(26)إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا?[الإسراء:26-27] الذي يرعى نعمة الله جل وعلا يتحرّى الحلال في إنفاقه يتحرى ما أذن الله به جل وعلا في إنفاقه.
فالطيب من الطيبات من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وأمر به عليه الصلاة والسلام والاستنان به من السنة، واشتراؤه بثمن كثير أو قليل أو غيره هذا ليس من التبذير؛ لأنه مباح أو مسنون.
لكن هل هو من الإسراف أم لا؟ يختلف البحث بحسب الأشخاص وبحسب الحالات، فالنبي ( كما رواه الإمام أحمد في المسند ورواه غيره لما خطب علي ( فاطمة بنت محمد عليه الصلاة والسلام وأرسل مهرها وكان نحو أربعة مائة درهم أو شيء من ذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام «اجعلي ثلثيه طيبا والثلث فيما تشتهيه» يعني من اللباس إلى آخره فالطيب يدخل في الإسراف إذا جاوز ما يستطيعه الإنسان؛ لأنه إذا أرهق نفسه أو تجاوز به ما هو عليه من الواجبات فإنه يدخل في الإسراف.
فإذن لا يستوي الناس في مثل هذه المسائل في الإسراف أو عدم الإسراف، هذا بحسب الحال؛ يعني مثلا واحد يشتري كيلو طيب بألفين ريال يعتبر في حقه معتدلا، وآخر يشتري بألفين ريال ويعتبر في حقه أرهق نفسه وأسرف وزاد، يعني عليه واجبات وليس له أن يتمتع بهذا المستوى، مثل أيضا الدهونات والأطياب المختلفة بثلاثمائة أربعمائة ريال وهو ما عنده إلا ما يكفيه هو وأولاده، فيدخل في الإسراف.
أما من وسّع الله جل وعلا عليه ورزقه النبي ( كان يتطيب بأخلاط مختلفة من العود والعنبر والكافور، وكان له سكة يخلط فيها المسك مع العنبر مع أدهان مختلفة عليه الصلاة والسلام.
نكتفي بهذا، اقرأ...
??(??