تابع السؤال رقم 9

وبعد أن اتضح مدى تجنى الناقد وتحريفه لما قاله المفسرون حتى يحقق غرضه ... وهو هدم عقيدة الآخر ليبني فوق انقاضها عقيدته هو ... وأتضح أيضاً أن محمداً لم يساوره أي شك في الوحي ... فإن ادعاء الناقد بأن المرجع والمحك لأقوال محمد صلى الله عليه وسلم هو الكتاب المقدس لا اساس له من الصحة ... ففي هذا الصدد نقول للناقد: أرح نفسك أيضاً ... فقد أَخْبَرَنا اللهُ صراحة وبما لا يدع مجالا لأى شك ... أَنَّ القرآنَ الكريم هو المرجعُ والحَكَم، وأَنَّ الكتبَ السابقةَ كالتوراةِ والإِنجيل لا بُدَّ أَنْ تُحاكَمَ إِلى القرآن، وأَنْ تُعْرَضَ على القرآن، فما اتفقَ مع القرآنِ منها أَخَذْناهُ، وما خالفَ القرآنَ رَدَدْناه، وجَزَمْنا بوضعِه واختلاقِه، وأَنه ليسَ من كلامِ الله، وإِنما هو من كلامِ الأَحبارِ أَو الرهبان ... فقد قال الله سبحانه وتعالى:" وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ " المائدة 48


هذا وقد ادعى الناقد أن التوراة التي بين يدي يهود عصره صلى الله عليه وسلم صحيحة سليمة فيها حكم الله ... والأَوْلى أن يرجع المسلمون إليها لا أن يرجعوا اليه ... واستند السيد الناقد هذه المرة الى قوله تعالى" وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ " المائدة 43 ... وطالما استدل الناقد بتفسير الرازي في طعنه السابق ... سنذهب الى نفس التفسير أيضاً لنرى ماذا يقول في تفسير هذه الآية الكريمة ؟؟؟ يقول الرازي: " هذا تعجيب من الله تعالى لنبيّه عليه الصلاة والسلام بتحكيم اليهود إياه (أي بمحمد بالرغم من عدم ايمانهم به) بعد علمهم بما في التوراة من حد الزاني ... ثم ترْكِهم قبول ذلك الحكم ... فعدلوا عما يعتقدونه حكماً حقاً إلى ما يعتقدونه باطلاً طلباً للرخصة ... فلا جرم ظهر جهلهم وعنادهم في هذه الواقعة " ... انتهى تفسير الرازي ... فما قصة ذلك حسب ما ورد في تفسير الطنطاوي مثلاً ؟؟؟

قال الطنطاوي: " وردت أحاديث متعددة في سبب نزول هذه الآيات الكريمة بأن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة قد زنيا ... فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟؟؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون ... فقال عبد الله بن سلام: كذبتم ... إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها ... فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها ... فقال له عبد لله بن سلام: ارفع يدك ... فرفع يده فإذا آية الرجم ... فقالوا: صدق يا محمد؛ فيها آية الرجم ... فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما ... فقال عبد الله بن عمر: فرأيت الرجل يميل نحو المرأة يقيها الحجارة ... انتهى تفسير الطنطاوي

إن هذه الآية تتحدث عن حكم واحد بعينه واضح وصريح احتكم اليهود للرسول فيه ... وهو حكم الرجم للزناة كما ورد في التفاسير التي لم يتعرض لها الناقد واخفاها عن القارئ ... والآية لم تصاغ بما يعنى ان الاحتكام للرسول كان جامعاً لكل ما في التوراة ... انما الصياغة تدل على واقعة معينة وهى الخاصة بالرجم وليس كل الأحكام ... والآية لا تقول أن التوراة التي بأيدي اليهود فيها أحكام الله كلها بلا تحريف أو تغيير كما يدّعي الناقد ويُحاول المغالطة ... ولقد فضح القرآن الكريم اليهود وأكد أن حكم الرجم مازال موجوداً عندهم في التوراة بالرغم من نفى اليهودي لذلك ... مما يؤكد صدق نبوة محمد ... ويؤكد أيضاً على صدق اتهام القرآن الكريم لليهود بتحريف كتابهم وإخفائهم لكثير من أحكام الله .

إن القرآنَ الكريم لم يُقِر أَنَّ التوراة التي مع اليهودِ في عصْرِ التنزيلِ صحيحةٌ سليمةٌ، فيها حُكْمُ اللهِ الذي يَجبُ أَنْ يُتَّبَع، وإِنما جَزَمَ أَن هذه التوراة محرفةٌ مَكْذوبة ... وجاءَ هذا في عدةِ آيات، منها قولُه تعالى:" فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ " البقرة 79 ... وأيضاً قوله تعالى: " قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا " الأنعام 91 ... أما آية المائدة 43 التي استدل بها الناقد ... فقد أَنكرَ اللهُ فيها على اليهودِ احتكامَهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... لأَنهم أَرادوا بذلك التلاعبَ والتحايلَ والمكْرَ والخِداع، بهدفِ الحُصولِ على حُكْمِ مُخَفَّفٍ منه ... وقد عَرَفَ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التلاعُبَ والمكر ... فحكَمَ فيهم بَحكْمِ اللهِ في التوراة، وأَقامَ حَدَّ الرجمِ على اليهوديِّ واليهوديةِ اللَّذَيْنِ زَنَيا.

أما فيما يتعلق بأن القرآن الكريم أوصى المسيحيين أن يلازموا أحكام إنجيلهم ... وحكم بالفسق على من لا يقيم أحكام الإنجيل فقال في المائدة 47 " وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " ... فطالما أن الناقد يستشهد ويعتمد على تفسير الرازي ... بل ويأنس ويحتج بما جاء فيه ... ويعتقد أنه بمثابة حربة سيستخدمها لطعن الإسلام ... فليقرأ تفسير الرازي الذي لا يحتاج لتعقيب عليه لتلك الآية ... وهو على النحو التالي:
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ} ... جعل اللام (في كلمة: لْيَحْكُمْ) متعلقة بقوله {وآتيناه الانجيل} [ المائدة: 46 ... أي بالآية التي قبلها] ... لأن إيتاء الإنجيل إنزال ذلك عليه ، فكأن المعنى آتيناه الإنجيل ليحكم ... وفيه وجهان: الأول ... أن يكون التقدير: وقلنا ليحكم أهل الإنجيل ... فيكون هذا إخباراً عما فرض عليهم في ذلك الوقت من الحكم (أي وقت نزول الانجيل) بما تضمنه الإنجيل ... والثاني : أن يكون قوله { وَلْيَحْكُمْ } ابتداء ... أمر للنصارى بالحكم في الإنجيل ... فإن قيل : كيف جاز أن يؤمروا بالحكم بما في الإنجيل بعد نزول القرآن ؟؟؟ قلنا: الجواب عنه من وجوه: الأول: أن المراد ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه من الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ... والثاني: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ... مما لم يصر منسوخاً بالقرآن ... والثالث: المراد من قوله { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ } زجرهم عن تحريف ما في الإنجيل وتغييره مثل ما فعله اليهود من إخفاء أحكام التوراة ... فالمعنى بقوله { وَلْيَحْكُمْ } أي وليقر أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه على الوجه الذي أنزله الله فيه من غير تحريف ولا تبديل ... انتهى تفسير الرازي

ومن ناحية أخرى فإن حكم رجم الزناة ما زال مدرجاً في توراة اليهود الموجودة بين ايديهم اليوم ... " إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُل، فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي الْمَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا ... فَأَخْرِجُوهُمَا كِلَيْهِمَا إِلَى بَابِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا. " التثنية 22/ 23-24 ... هذا ومن المفروض أن يلتزم أيضاً بذلك الحكم النصارى لأنه منسوب للسيد المسيح أنه قال: " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ ... مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. " متى 5/17

ولذلك فقد تعجبنا من قضية المرأة الزانية التي رفعها اليهود للسيد المسيح ... وطلبوا منه أن يرجموها بالحجارة ... كما نصت على ذلك شريعة موسى عليه السلام ... فقال لهم المسيح: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلَا خَطِيَّةٍ ... فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ " إنجيل يوحنا 8/ 7 ... فانسحبوا من حولها فعفا المسيح عنها وقال لها " اذْهَبِي وَلَا تُخْطِئِي أَيْضاً " إنجيل يوحنا 8/11 !!! ولا ندرى لماذا نقض السيد المسيح حكم الرجم المنصوص عليه في شريعة أخيه النبي موسى عليه السلام ؟؟؟ بل ولماذا أيضاً لم يرجمها هو ... إذا كان الأمر يتوقف على أنه يشترط أن يكون من يقوم بالرجم بلا خطية كما ذكر المسيح ؟؟؟ والمعروف أن المسيح كان الوحيد بلا خطية كما يؤمن بذلك النصارى !!!

ولكن ازداد العجب عجباً عندما اطلعنا على ما ورد في تفسير القس أنطونيوس فكري بخصوص ذلك فوجدناه يقول: " حدث في القرون الأولى أن بعض النساخ لم يكتبوا هذه الآيات لأنهم ظنوها تشجع على الخطية ... ولكن هذه القصة موجودة في معظم النسخ (أي وليس في كل النسخ) وبالذات في النسخ القديمة جدًا ... " ... ولا أدرى هل كانت كتابة وحي السماء في القرون الأولى تتم بطريقة اختيارية أو انتقائية أو ظنية ؟؟؟ وهل يمكن الاعتماد على محتوى كتاب خضع لهوى وظن النساخ بالحذف والاضافة !!!

وإذا اعترف المفسرون كما رأينا بحذف النساخ نصاً ظناً منهم انه يشجع على الخطية ... فما الذى يضمن محذوفات بل واضافات أخرى في الكتاب المقدس ... لان من تجرأ وحذف مره في وحى السماء للأرض ... يحذف ويضيف الف مره ... ولذلك صدق الله العظيم فقد قال: " فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ " البقرة 79 ... وأيضا قال: " يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ " المائدة 41 ... ولذلك ننصح السيد الناقد بالتفرغ والتركيز في مراجعة وتنقية ما كتبه النساخ منذ رفع المسيح للسماء ... ولا يشغل باله ووقته الثمين في قراءة تفسير الرازي وغيره من التفاسير الأخرى لكتاب لا يؤمن به سيادته ... ونذكر سيادته بما ورد في انجيل متى 7/5 ... " يَا مُرَائِي ... أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ ... وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ !!! " ...

وإذا كان السيد المسيح ... " لم يتسامح مع الزنا بل هو حمل الخطية وأدانها بجسده " وأنه ..." أتي ليحمل خطايانا ويحرقها في جسده (على الصليب) " ...(حسب ما ورد في تفسير انطونيوس فكرى لقصة المرأة الزانية) ... فنحن نتساءل عن الحكمة في أن يتجسد الله رب العالمين خالق السماوات والأرض وما بينهما ويُهان ويُضرب ويُبصق عليه ثم يُصلب (كما يؤمن بذلك النصارى) عوضاً عمن قتل أو زنى أو سرق أو أجرم في حق البشرية ... ثم يُعفى بعد ذلك عن المجرم بل ويكافأ بالجنة ونعيمها ؟؟؟؟ وإذا كانت الإجابة بان الحكمة في ذلك أن الله يحبنا ... نقول وهل من العدل والحب ان يتساوى الجاني مع المجني عليه ... والظالم مع المظلوم ... والمعتدى مع المعتدى عليه ... ولماذا لا تطبق القاعدة العادلة ... " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ... وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " الزلزلة 6 -7



والله سبحانه أعلم وأعظم
يتبع بإذن الله وفضله