هو ثالث الأناجيل وأطولها ، ويتكون من أربعة وعشرين إصحاحاً , وأما كتابة هذا الإنجيل فتختلف المصادر في تحديد زمنها بين 70-85م. ( كما يقول فريدريك جرانت – صاحب كتاب " الأناجيل وتطورها " أستاذ الدراسات اللاهوتية للكتاب المقدس بمعهد اللاهوت الإتحادي بنيويورك ص 127 , 128 ) .
وقد اعتمد الكاتب في مصادره على مرقس ، كما نقل عن متَّى وعن مصدر أخر مشترك بينه وبين متَّى .
وتنسب الكنيسة هذا الإنجيل إلى القديس لوقا ، ولا تذكر المصادر النصرانية الكثير عن ترجمته ، لكنها تتفق على أنه لم يكن من تلاميذ المسيح , وكل ما كتبه كان عبارة عن نقل وتنقيح وترتيب كتابات وأفكار من سبقه من المؤلفين بعيدًا عن مفهوم الوحي , وهذا ما يتضح من مقدمته لإنجيله إذ يقول : " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا ،كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة "( لوقا 1/1 ) , فليس هنا أي إدعاء من قِبَل لوقا أن ما همَّ بكتابته كان بإلهام أو مسوقًا من الروح القدس , بل إنه يقرر صراحة أن معلوماته جاءت نتيجة لاجتهاده الشخصي لأنه تتبع كل شيء بتدقيق , كما يقرر لوقا أن كثيرين قد أخذوا بتأليف أناجيل !
وكان قد لاحظ ذلك أيضاً عدد من محققي النصرانية ، فقد أنكر إلهامية هذا الإنجيل عدد من النصارى منهم مستر كدل في كتابه " رسالة الإلهام " ومثله واتسن ، ونسب هذا القول للقدماء من العلماء ، وقال القديس أغسطينوس : ( إني لم أكن أؤمن بالإنجيل لو لم تسلمني إياه الكنيسة المقدسة) ( سلسلة " الهدى والنور " د/منقذ السقار ) .
وتتفق المصادر أيضاً في أنه لم يكن يهودياً ، وأنه رفيق بولس المذكور في كولوسي 4/14 وغيرها ، وأنه كتب إنجيله من أجل صديقه ثاوفيلس : " أكتب على التوالي وإليك أيها العزيز ثاوفيلس ، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به " ( لوقا 1/3 – 4 ) .
وتختلف المصادر في تحديد شخصية ثاوفيلس ، فقال بعضهم : كان من كبار الموظفين الرومان , وقال آخرون : من اليونان , وقال آخرون : بل كان مصرياً من أهل الإسكندرية , ويقول فردريك جرانت : ( لم نخطر بمن ثاوفيلس هذا , قد يمكن افتراضه موظفًا رومانيًا , كذلك لم نخطر بمن أولئك الكثيرين الذين أخذوا فى تأليف قصص مماثلة ) (الأناجيل وتطورها ص 121 ) .
وتقول الترجمة الكاثوليكية في مقدمتها لإنجيل لوقا ص 179 : ( إنجيل لوقا هو الإنجيل الوحيد الذي له مقدمة مثل كثير من المؤلفات اليونانية في تلك الأيام , وهذه المقدمة موجهة إلى رجل اسمه تاوفيلس يبدوا أنه امرؤ ذو شأن ) .
وتكاد تتفق المصادر على أن لوقا قد كتب لـ ( لثاوفيلس المجهول ) باليونانية ، وأما لوقا ، فقيل بأنه كان رومانياً . وقيل إنطاكياً ، وقيل غير ذلك .
وتقول مقدمة الكاثوليك أيضًا ص 185: ( ويبدو أيضًا أن المؤلف ينتمى إلى العالم الهلنستي بلغته وبعدد من المميزات التي سبق ذكرها . وغالبا ما تبين للنقاد عدم معرفته لجغرافية فلسطين ولكثير من عادات هذا البلد ) .
وعن مكان الكتابة يقول فريدريك جرانت في كتابه " الأناجيل وتطورها " ص 127 : ( إنجيل لوقا قد جمع مادته في فلسطين أو سوريا ) .
وعن مهنة لوقا : فقد قيل بأنه كان طبيباً وهذا هو المشهور . ( المصدر السابق ) .
الأناجيل الإزائية
تعرف أناجيل متَّى ومرقس ولوقا بالأناجيل الإزائية , أي أنه يمكن وضع نصوصها في ثلاثة أعمدة متوازية تساعد على المقارنة بينهم , وذلك يعود إلى أن متَّى ولوقا إعتمدا على مرقس في نقل أناجيلهم مع مصدر أخر مشترك بينهما ( مجهول ) وبجانب وثيقتين( مجهولتين )خاصتين بكل منهما , والمخطط الآتي يختصر ذلك الرأي ( نقلاً عن الترجمة الكاثوليكية ص 29) :
( هذا الرأي يُعرض اليوم بدقة أوفر كثيرًا مما كان له عند نشأته , ومن أكبر فوائده أنه يُسهل البحث في عمل متَّى ولوقا التحريري , فإن عمل التحرير الأدبي يُبين أسباب ما يُرى في الأناجيل الإزائية من إضافات وإغفال وتفسير , ولكن يحسن أن نذكر أن النقاد في أيامنا لا يجرؤون على الجزم هل الوثيقة المشتركة بين متَّى ولوقا هى وثيقة خطية أو مصدر شفهي ولا يجزمون هل كان نص مرقس الذي استعمله متَّى ولوقا النص الذي بين أيدينا أو نصًا أخر ) ( الترجمة الكاثوليكية ص 29 ) .
إن التشابه الكبير بين أقوال المسيح الواردة في إنجيلي متَّى ولوقا يجعل الباحثين النقاد يستنتجون أنهم اعتمدوا على مصدر واحد .
(Irene Allen: The Early Church And The New Testament ( London,1951),pp.133-143)
لكن لا أحد يعرف صفة هذا المصدر وحقيقته التاريخية , ومدى صحة الإعتماد عليه , كما أن أحدًا لا يضمن أن كلاً من مؤلفي إنجيل متَّى ولوقا استعمل هذا المصدر الأساسي بكل أمانة دون تحريف , وإن كانت الإختلافات الموجودة في الإنجيلين تدل على تحريفهما .
فعدم معرفة هذا المصدر معرفة تامة , وكون مؤلفه أو صاحبه مجهولاً أدى إلى إطلاق العلامة " Q " عليه ( Q=Quelle ) أي " ميم " التي تعني " المصدر " .
(H.A.Guy: A Critical Introduction to The Gosppels ( London,1973 ),p.54)
وبالنسبة للمواد , فإليك بيانًا تقريبيًا بعدد الآيات المشتركة بين إنجيلين أو ثلاثة :
الآيات متَّى مرقس لوقا
المشتركة بين الثلاثة 330 330 330المشتركة بين متَّى ومرقس 187 187 ــ
المشتركة بين مرقس ولوقا 100 100
المشتركة بين متَّى ولوقا 230 ــ 230
الخاصة بكل منهما 330 35 500
( نقلاً عن الترجمة الكاثوليكية ص 28 ) .
وقد قام علماء الكتاب المقدس بالتفريق بين تلك الأناجيل الإزائية من ناحية , وإنجيل يوحنا من ناحية أخرى , نظرًا لشدة التضارب الصارخ بينه وبين الأناجيل الإزائية كما تقول دائرة المعارف الأمريكية, وذلك عند مطالعة الأناجيل الأربعة معًا , وذلك فضلاً عن تناقض الأناجيل الإزائية مع بعضها البعض! ( " مدخل إلى الإنجيل كما رواه يوحنا " الترجمة الكاثوليكية ص 280-288 , وانظر دائرة المعارف الأمريكية ج16-ص159 ) .
المفضلات