لذا نجده في النصوص مقيد دائماً و لكن عبد النور كشأن سائر النصارى يحترفون مهنة القص و اللصق , فطرح الآيات ناقصة و قال " فلله المكر جميعاً" و كان متوجباً عليه أن يذكر النص كاملاً إذ يقول سبحانه " و قد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعاً" فنفهم من ذلك أن مكر الله جاء لرد مكر الظالمين و بياناً أنه لا يمكنهم فعل شيء في ملكه إلا بإذنه سبحانه و هو القاهر فوق عباده كما قال تعالى ((و ما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)) و كقوله عز و جل ((و كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها و ما يمكرون إلا بأنفسهم و ما يشعرون)) و أيضاً الآية الأخرى التي طرحها عبد النور مبتورة : (( و مكر الله و الله خير الماكرين)) و هي كاملة هكذا: (( و مكروا و مكر الله و الله خير الماكرين)) فالله سبحانه مكره خير و عدل يعاقب المجرمين ,و قال القس المحترم ( و في النحل 27 : 50 و مكرنا مكراً) و هذا في سورة النمل و نصه: (( و مكروا مكراً و مكرنا مكراً و هم لا يشعرون))

و كذلك الحال في صفة الكيد فالله يكيد بالظالمين فقال تعالى: (( أم يريدون كيداً , فالذين كفروا هم المكيدون )) و في النصوص التي ذكرها عبد النور نجدها هكذا: (( إن كيدي متين)) هي كالآتي : (( و الذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون, و أملى لهم إن كيدي متين)) , و كذلك ذكر عبد النور الآية الكريمة في سورة الطارق بعيداً عن سياقها فكتبها: (( أكيد كيدا ً)) بينما هي : (( إنهم يكيدون كيداً, و أكيد كيداً, فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ً)) فالجزاء هنا من جنس العمل , و الله سبحانه يمكر بالماكرين و يكيد الكائدين , و يخدع المخادعين كقوله (( يخادعون الله و هو خادعهم )) فجاء اللفظ من سبيل المقابلة كما قال عز و جل (( و جزاء سيئة مثلها ))، فمثلية العقوبة لفظاً هو من باب المجانسة و هذا أيضاً كقوله سبحانه (( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ))، و بهذا نفهم أن الصفات التي تحوى قسمين مذموم و ممدوح لا تُطلق على الله مطلقاً و لكن تقيد لأن الله سبحانه لا يصل المكر و الكيد إلا بمن يستحقه فيكون ذلك من عدله و كمال حكمته سبحانه, و قد جاء في الكتاب المقدس كيف يمكر الله تعالى باليهود ويغيظهم بإذلالهم على يد أمة بربرية أمية تغط في الظلمات - و هذا هو حال العرب قبل أن يبعث الله رسوله بالهدى ليزكيهم فغير بهم وجه الأرض- فقال ((فأنا أغيرهم بما ليس شعباً بأمة غبية أغيظهم )) التثنية21:32, و جاء في انتقام الله أيضاً ((الإله المنتقم لي و الذي يخضع الشعوب تحتي )) مزمور 47:18 أما إذا كانت الصفة مذمومة مطلقاً فلا تُنسب إلى الله بأي حال من الأحوال لذا فعندما تكلم الله تعالى عن الخائنين قال (( إن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم و الله عليم حكيم )) فقال ( فأمكن منهم) و لم يقل (فخانهم) , بينما لا يتوانى الكتاب المقدس في نسبة تلك الصفة لله تعالى فنجد في ارميا7:20 أن ارميا يتحسر على خيانة ربه له و يقول: ((قد أقنعتي يا رب فاقتنعت و ألححت على فغلبت , صرت للضحك كل النهار, كل واحد استهزأ بي )) و بينما تقول الترجمة العربية استعمال لفظاً مخففاً (لقد أقنعتني) نجد في الترجمة الإنجليزية (لقد خدعتني)
you have (deceived) me
و جاء في التثنية 10:20 : ((حين تقترب من مدينة كي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن أجابت إلى الصلح و فتحت لك فكل الشعب الوجود فيها يكون لك للتسخير و يُستعبد لك))

و أخيراً بخصوص حديثه عن صفات الغضب و الرحمة و العجب و اليدين و الوجه فقد ذكر القس المحترم لمحات من أقوال العلماء و كان ينبغي أن يتدبرها ويفهمهما لا أن يحرف مدلولاتها ليستخدمها كوسيلة لتبرير ما جاء في كتابه من سب لله تعالى! فما قاله العلماء بخصوص إثبات الصفة لله بلا كيف لا يعنى كما أسلفنا أن يُنسب لله صفات النقص و العيب ثم نقول بأن الكيف مجهول أو المعنى تقريبي !!

و كل صفات الرب في الإسلام هي صفات كمال لا تحوى أدنى انتقاص من ذاته سبحانه , و لكن الذي يُشكل على البسطاء أمثال عبد النور هو جهلهم بفقه التعامل مع أسماء الله تعالى و كيفية الإيمان بها , فذكر مثلاً صفة الغضب ثم ذكر تعليق الإمام الرازي عليها , و لكن القس لم يضرب المثال إلا جدلاً لذا سنعطيه نبذة عن أصول الإيمان عند المسلمين الموحدين لعلها تزيل الغشاوة عن قلبه :
فالمسلم يبنى اعتقاده في أسماء الله و صفاته على المبدأ التالي :
(أ) تنزيهه أن يشبه شيء من صفاته شيء من صفات المخلوقين لقوله تعالى في الآية المحكمة(( ليس كمثله شيء و هو السميع البصير)) فمن عظمة القرآن في تقرير العقيدة نجد في هذه الآية أن الله ينفى أن يكون أي شيء مثله و في نفس الآية يقول سبحانه ( و هو السميع البصير) و كأنه يقول أن سمع الله ليس كسمع مخلوقاته و بصر الله تعالى ليس كبصر المخلوقات القاصرة فهو سبحانه لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و لا يخفى عنه شيء .
(ب) الإيمان بما وصف الله تعالى به نفسه و نثبتها له كما أثبتها سبحانه لنفسه إثبات بلا تمثيل, و تنزيه بلا تعطيل , فلا يستلزم الاشتراك في الأسماء و الصفات تماثل المسميات و الموصوفات مثال: فالله يوصف بالعلم و قد يوصف الإنسان كذلك به و لكن علم الإنسان مكتسب و ناقص ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) أما علم الله فهو أزلي و كامل و هو من صفاته السرمدية جل في علاه , إذاً فلا إشكال لو طبقنا ذلك المبدأ على سائر الصفات, و يحدث الخلل حين نجد من يثبتها و لكن يمثلها بصفات المخلوقين و هم (المشبهة), و من أمثلة المشبهة ما قالوه في صفة الغضب بأن الغضب أوله غليان القلب , و هذا انحراف لأن غليان القلب هو من أثر الغضب و ليس هو الغضب, وذلك الأثر على الإنسان المخلوق لا على الله الخالق, و في المقابل نجد (المعطلة) و قد اشترك المعطلة مع المشبهة في الجهل بكيفية التعامل مع أسماء الله تعالى و صفاته فكانوا يقيسون صفة الخالق على صفة المخلوق فشعروا أن كل صفة قد تنطوي على تشبيه الله تعالى مخلوقاته يجب نفيها , فأولوا صفات كالولاية و الحب و البغض و الفرح و اليدين و القدم , و هذا انحراف أيضاً ومنشأه أن نقول أن سمع الله ليس بسمع و بصر الله ليس ببصر و حياة الله ليست بحياة و وجود الله ليس بوجود بهذا يصل إلى نفى وجود الله و العياذ بالله , فكقاعدة عامة يجب على كل من ينفى صفة من صفات الله لامتناع ذلك على المخلوق أن يثبت شيئاً لله تعالى على خلاف ما يعهده و حينها لن يصل العاقل إلا إلى منهج الوسطية منهج أهل السنة و الجماعة الذين كما قلنا يثبتون الصفات إثبات بلا تمثيل , و تنزيه بلا تعطيل تحت قاعدة (ليس كمثله شيء) فنحن نثبت الصفة للعبد بما يليق به و نثبت الصفة للرب بما يليق به فالله موجود و العبد موجود و لكن وجود الله تعالى من صفاته التي لم تزل و لا تزال و يستحيل عليه العدم , أما وجود العبد فهو مخلوق لا يستحيل عليه العدم , و الله يغضب و يرحم و العبد كذلك و لكن صفة الغضب عند الله تعالى لا تشبهها عند العبد بل لو قلنا صفة الغضب عند الملاك فهذا لا يلزم تشبيهها بالغضب عند الإنسان لأن الملائكة ليسوا من الأخلاط الأربعة حتى يغلى دم قلوبهم فكيف بالله سبحانه و تعالى؟!
حتى أن الله تعالى قد يغضب غضباً شديداً على إنسان ما في مكان ما و في نفس الوقت يفرح فرحاً شديداً بإنسان أخر في مكان أخر,و بهذا نفهم أن صفات اليد و الوجه والقدم و الرحمة و الغضب ليست صفات نقص أبداً و لا يحدث الخلل إلا بالتشبيه الباطل للمخلوق بالخالق سبحانه و تعالى .
بينما نجد أن إثبات تلك الصفات عند النصارى يتبعه تشبيه حقيقي للرب بالبشر فبالغوا في الصفات وأضافوا إليها ما ليس منها و شبهوا ما كان حق منها بما يقابله عند الإنسان، ففضلاً عن انحرافهم في الاعتقاد في صفات كالوجه و العين و القدم و اليد , أضافوا إليها الشعر و النفس و الشم و الأحشاء و البطن و القلب و الظهر و الفرج و الدم و الشفة و اللسان (تكوين 26:1-27) (اشعيا 17:59) (دانيال9:7) (الخروج 23:33) (دانيال 17:19) (مزمور 6:17-15) (اشعيا 27:30) (ارميا 19:4) (خروج 31 : 18) (مزمور2 :7) (أعمال الرسل 28:20) بل و شبهوا الرب تعالى بالحيوانات فجعلوه كالخروف والثور يزأر كالأسود و يخرج الدخان من خياشيمه و النار من فمه كالتنين إذا غضب و يركض كاللبؤة (العدد 9:24, صموئيل2 9:22, ارميا 30:25, رؤيا 17 :14 ، عدد8:24) .

كتبه الأخ/ ساري .