وهكذا أثّرت أعمال فلاسفة كبار، مثل ابن سينا وابن رشد، بعد ترجمتها إلى اللغة اللاتينية، بالمعارف الغربية؛ بل إن الفيلسوف الأندلسي ابن رشد وجد طريقه إلى "الكوميديا الإلهية" لدانتي، والذي حمل فيها اسم" الشارح الأكبر"، وبلغة أخرى لقد أنجز أعمالا حول آرسطو الذي كان تعتبره القرون الوسطى أكبر فيلسوف عرفته الإنسانية.
ولم تشارك في عمليات الاستقبال هذه لغات متعددة ولكن أيضا أشكال الكتابة الأربعة، اليورو ـ شرقية: اليونانية واللاتينية والعبرية والعربية؛ بل إن هذا التاريخ الشديد التعقيد والمتعلق بأشكال التأثير والاستقبال الثقافيين، يمكن النظر إليه كتاريخ للمخطوطات وعلميات نقلها، كما أن أبرز العارفين بها يعملون في أقسام المخطوطات للمكتبات الكبرى وليس في المراكز العلمية أو الأقسام الفلسفية.
انتقال العلم من الغرب إلى الشرق ومن الشرق إلى الغرب: في القرن التاسع عرفت دار الحكمة في بغداد العباسيين تأسيس أكاديمية للترجمة، قامت بترجمة الأعمال الطبية اليونانية إلى العربية. ومن بغداد عرفت تلك المؤلفات طريقها إلى إسبانيا الإسلامية ومن هناك إلى الممالك المسيحية وبالضبط إلى طوليدو.
يقدم المتحف البرليني مارتين غروبيوس باو معرضاً يضم مخطوطات وكتباً ظهرت في الألفية الفاصلة بين العامين: 500 وَ 1500، وتضم كتباً في الطب وعلم الفلك. وتعود ملكية هذه المعروضات التي تمتلك أهمية كبيرة إلى المكتبة الوطنية في فيينا، حيث تم عرضها قبل عقد من الزمن بالطريقة نفسها.
ويحظى موضوع المعرض بأهمية سياسية أيضا، لم يكن بالإمكان إدراكها قبل عشر سنوات. لأنها تتناقض، بالنسبة لكل من يستطيع القراءة والرؤية، مع فكرة غرب منسجم أو حتى مسيحي. فالمرحلة الزمنية الوثنية تنتمي أيضا إلى هذا الغرب، ولربما تمثل المكون الأساسي في مجال العلوم.
كما أنه لا يمكن أن ننكر البتة بأن الفلسفة والعلوم اليونانية تمت المحافظة عليها وخلال قرون في المدارس العربية بشكل أفضل مما كان الأمر عليه في الأديرة والمدارس الكاتدرائية. ويقف المعرض منذ البداية على النقيض من أطروحة "أوروبا اليهودية ـ المسيحية"، عبر تقديم أربعة أنظمة للكتابة، من خلال مخطوطات مبهرة ولكن أيضا من خلال كتب تعليمية، تم تصويرها منذ بداية الطباعة. إذ تظهر كاليغرافيا قرآنية بالقرب من توراة عبرية وإنجيل بيزنطي وكتابات كارولنغية.
ولو ركز المعرض على الفلسفة فقط، لتمكن من تقديم الجزء الأكثر تأثيرا حتى اليوم للسياق اللغوي والكتابي الشرقي ـ الغربي، ولكن بالمقابل لم يكن ليسمح ذلك بعرض سوى صور قليلة. لكن التركيز على الطب وعلم الفلك يسمح بالمقابل بالقيام بجولة عبر رسومات الكتب العظيمة خلال ألف سنة قبل ظهور الطباعة. ولم تكن الروسومات فقط ملونة وجميلة ولكنها امتلكت دورا مساعدا أيضا.
ويظهر مخطوط عربي من بدايات القرن الثالث عشر، وفيه: كيف يمكن تشتيت انتباه الثعابين بدمى محشوة والقبض عليها. ويُظهِر مخطوط آخر ترجمة إيطالية -تعود بالتقريب إلى عام 1300- لكتاب حول علم الجراحة للأندلسي أبو القاسم، وليس هذا فقط، بل يسلط الضوء أيضا عبر الصور على أدوات الجراحة المستعملة يومذاك.
كتب الأعشاب والأدوية السائلة تزخر بالرسوم الملونة للنباتات والحيوانات الصغيرة. أما طب الولادات فيستدعي استعمال منمنمات حادة لرسم الأعضاء التناسلية للمرأة في الحروف القوطية الصغيرة.
كلمات عربية شقت طريقها إلى الألمانية عبر لغات لاتينية
البحث في أصول الكلمات وطرق انتقالها بين الحضارات من الأمور المثيرة لاهتمام الباحثين. الكلمات الألمانية التي تعود لأصول عربية كانت موضوع العديد من الكتب والقواميس. نستعرض في صور نماذج لبعض تلك الكلمات.
12345678910
share0
tweet
+10
هناك أيضا أسماء لحيوانات انتقلت من اللغة العربية إلى الألمانية. ومنها كلمة "زرافة" التي نُقِلَت أولاً إلى اللغة الإيطالية، ثم إلى الألمانية، وفقا للباحثين.
ولا تنعدم الألوان في مجال الفلك، وتنضاف إلى ذلك الدقة الرياضية للأسطرلابات وتلك الأنظمة الفلكية البطلمية أو المتعلقة بمركز الأرض، والتي ظلت تسود أوروبا من العصور القديمة المتأخرة وحتى عصر كوبرنيك.
وإلى جانب اللوحات الجدارية يوجد في المعرض البرليني أيضا كتالوغ يشرح -عبر أبحاث قيمة- مختلف المجالات العلمية التي يتناولها، ولكن دون أن يتم تنظيم ذلك بأرقام تربط بين النصوص والمعروضات. وهو ما يتطلب من الزائر -الذي لا يريد أن يكتفي بالإغراء الذي تمارسه عليه المخطوطات والصور- أن يبذل جهدا شخصيا. ومن يطلب اطلاعا أكبر يمكنه الاطلاع على العمل الرائع [باللغة الألمانية] لبيتر أدامسون عن تاريخ الفلسفة: Podcast von Peter Adamson zur Geschichte der Philosophie، الذي يسلط الضوء على العلاقات القائمة بين مختلف السياقات العلمية التي يتناولها المعرض.
المفضلات