غزوة بنى النضير
كان يهود بني النضير هم السابقون إلى نقض العهد والغدر بالمسلمين والوعد بالقضاء عليهم ولو عن طريق القوة وسفك الدم والاغتيال أو حتى إعلان الحرب ، شجعهم على ذلك – بالإضافة إلى ما أصيبت به القوات الإسلامية المسلحة من خسائر فادحة في أُحُدٍ والرجيع وبئر المعونة أن النبي القائد e كان يواجه أخطارا خارجية كبيرة.
استغل يهود بنى النضير الموقف
1- بعد غزوة أُحُدٍ تجرأ أعراب البادية على المدينة وعلى المسلمين – وجاهر اليهود بسخريتهم من الدين الجديد ووجدوا في الهزيمة التي حاقت بالمسلمين ما جعلهم يثيرون النعرات العرقية ، ويعاملون المسلمين معاملة قاسية مؤكدين على أنهم تابعون لهم ( موالى لهم ) وليسوا أصحاب دين جديد.وهم كاذبون لأنهم عقدوا معاهدة مواطنه مع الرسول عند دخوله المدينة.
2- بعد غزوة أُحُدٍ وما حاق بالمسلمين فيها اتبع النبي e سياسة الهجوم على القبائل التي تجرأت على الدولة الجديدة فأرسل السرايا لبنى أسد وهُذيل وكانت غزو بن النضير في إطار هذه الغزوات.
3- يهوديان بلغوا أعداء المسلمين إلى مواطن الضعف في المدينة كما حدث في غزوة السويق بعد غزوة بدر حيث ساعدوا (كفار قريش) في الاعتداء على المدينة .
4- تغير اليهود بعد مأساة الرجيع وبئر المعونة تجاه المسلمين الذي قتل منهم غدراً ثمانون سفيراً.وهذا شجعهم على أن ينقضوا العهد.
5- رفضهم مساعدة المسلمين في غزوة أُحُدٍ والمشاركة في دفع دية قتيلين قتلهما "عمرو بن أمية الضمري" خطاء عند رجوعه من بئر معونة لأن القتيلين من بنى عامر حلفاء بن النضير.وهم في حالة دفاع مشترك بينهم .
النبي في ديار بني النضير
كما هي عادة النبي e في الوفاء وتنفيذ العهود والمواثيق نصا وروحا لم يترك دم هذين العامريين اللذين قتلا خطأً يذهب هدرا ، فقد قرر بناء ًعلى أصول المعاهدات في مثل هذه الحالة أن يبعث بديتها إلى أهليهما في ديار بني عامر الذين اشتركوا في قتل سبعين من الصحابة وهم في جوار سيدهم "ملاعب الأسنة "[1]وقد شاء الله ( لهذه المناسبة ) أن يحضر النبي e في قلة من أصحابه إلى ديار يهود بني النضير التي تبعد عن المدينة عدة أميال ... جاء إليهم غير مسلح ولا مستعد لحرب ، لأن بينه وبينهم معاهدة عدم اعتداء ، بل معاهدة دفاع مشترك عن المدينة ، لذلك جاء إليهم وهو مطمئن لا يفكر في أنهم سيتجرؤن على إيصال إي شر إليه [2]وكان هؤلاء اليهود يتحينون الفرص ويتصيدون الأوقات المناسبة التي تمكنهم من إغتيال النبي e والتخلص منه شخصيا دونما اللجوء إلى شن حرب سافرة ، لأنهم ؟ أحقر من أن يخوضوا مثل هذه الحرب ضد المسلمين في يثرب ، ولهذا فقد كان وصول الرسول القائد e إلى ديار هؤلاء اليهود منفردا في قلة من أصحابه أكبر فرصة تسنح لهؤلاء اليهود المجرمين لقتل النبي e وقد شرعوا فوراً في اغتنام هذه الفرصة في الحال ، فعندما فاتحهم النبي e بشأن دية العامريين لم يترددوا في إعلان الاستجابة إلى طلبه حيث قالوا " نَعَمْ يَا ابَا الْقَاسِمِ نُعِينُك عَلَى مَا احْبَبْت ، مِمّا اسْتَعَنْت بِنَا عليه " [3]ولقد عقدوا اجتماعا فيما بينهم بمجرد وصول النبي e وبحثوا في هذا الاجتماع موضوع اغتيال النبي e والتخلص منه ، مغتنمين فرصة انفراده بعيداً عن المدينة ، وقد قال قائلهم ومقدم اقتراح القيام بالاغتيال في الحال ، ولا أظنه إلا "حيي بن الأخطب ": إنّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ [4]فقد أسندوا مهمة الاغتيال "لعمرو بن جحاش" بأن يصعد إلى أعلى الجدار الذي كان الرسول e يستظل تحته فيلقى عليه صخره تقضى عليه في الحال. إلا أن الله تعالى أخبر نبيه إذ بلغه نبأ هذه المؤامرة الدنيئة قبل تنفيذها بقليل ، فغادر مكانه قبل الشروع في تنفيذ المرحلة الأخيرة من هذه المؤامرة[5] فقام من فوره وغادر المكان قبل إتمام المؤامرة لقتله.
المحاصرة ثم الجلاء:
وبعد أن كشف النبي e هذه المؤامرة عاد لتوه إلى المدينة ، ثم وجه إنذارا إلى يهود بني النضير بأن يجلوا عن يثرب ، وأعطاهم مهلة مدتها عشرة أيام ، إذ استدعى الصحابي الشهير "محمد بن مسلمة الأنصاري "[6] وقال له : "اذهب إلى يهود بني النضير وقل لهم: إن رسول الله أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلادي، لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم بما هممتم به من الغدر بي، وقد أجّلتكم عشرًا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه" [7]وقد رفض اليهود الإنذار النبوي ، وأعلنوا أنهم سيقاومون حتى النهاية ، فضرب النبي e عليهم الحصار فلم يصمدوا ، فبعد مرور حوالي عشرين يوما فقط على محاصرتهم شرعوا في مفاوضة النبي للتسليم ، وقد انتهت المفاوضة بالاتفاق على أن يجلوا يهود بنى النضير عن يثرب جلاءً تاماً ، ولهم أن يحملوا من أموالهم ما يقدرون على حمله ماعدا السلاح ، وقد ضمن النبي القائد لهؤلاء اليهود عند الجلاء سلامة أرواحهم وأموالهم حتى يجتازوا المنطقة الخاضعة لسلطان المسلمين – وفعلاً تم إجلاء هؤلاء اليهود إلى منطقة خيبر ، والقليل منهم ذهب إلى الشام ، للعمل التجاري وأن يهود بنى قريظة حاربوا المسلمين إلى جانب بنى النضير ، إلا أن النبي e نفاهم في الوقت الذي أجلى فيه يهود بني النضير عن المدينة [8] لقد كانوا سعداء إذ إنهم تخلصوا من الموت ، لذا فإن الاحتفال الذي احتفلوا به قبيل مغادرتهم المدينة كان حفلاً لم ير َ أهل المدينة مثيلا له ، وإن الإنسان ليستغرب من ذلة الناس الذين يحتفلون وهم على أعتاب مفارقة موطنهم ومساكنهم ، بدلا من الإحساس بالحزن والأسى .[9]
( [1] ) هو: أبو براء عامر بن مالك بن جعفر، المشهور بملاعب الأسنّة. انظر: ابن هشام (2/ 184).
قال السهيلي: "سمي ملاعب الأسنّة في يوم (سُوبان) وهو يوم كانت فيه وقيعة في أيام جبلة، وهي أيام حرب كانت بين قيس وتميم، وكان سبب تسميته في يوم سوبان ملاعب الأسنة أنَّ أخاه الذي يقال له: فارس قرزل، وهو طفيل بن مالك كان أسلمه في ذلك اليوم، وفر، فقال عامر:فررت وأسلمت ابن أمك عامراً يلاعب أطراف الوشيج المزعزع فسمي ملاعب الأسنة". الروض (3/ 238).[مرويات الإمام الزهري في المغازي 1/ 420]
( [2] ) غزوة بني قريظة محمد احمد باشميل ص139
( [3] ) سيرة ابن هشام جـ2 صـ190 الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء [2 /93] الروض الأنف [3 /386] دلائل النبوة للبيهقي [3 /428] مرويات غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع [ص 164] تاريخ الرسل والملوك - تاريخ الطبري [2 /83]
( [4] ) سيرة ابن هشام ح2 صـ190 الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء [2 /93] الروض الأنف [3 /386] 1248دلائل النبوة للبيهقي [3 /428] مع المصطفي [ص 267] إمتاع الأسماع بما للنبى من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع [8 /359] مناورات الأشقياء لقتل خاتم الأنبياء [ص 43] البداية والنهاية [4 /86]
( [5] ) سيرة ابن هشام ح2 ضـ190
( [6] ) محمد بْن مسلمة الأَنْصَارِيّ الحارثي، يكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ. ويقال: بل يكنى أَبَا عَبْد اللَّهِ. وهو مُحَمَّد بْن مسلمة [بْن سَلَمَة] بْن خَالِد بن عدي ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بْن عَمْرو بْن مَالِك بْن الأوس، حليف لبني عبد الأشهل، شهد بدرا والمشاهد كلها، ومات بالمدينة، ولم يستوطن غيرها، وكانت وفاته بها فِي صفر سنة ثلاث وأربعين. وقيل: سنة ست وأربعين. وقيل: سنة سبع وأربعين، وَهُوَ ابْن سبع وسبعين سنة، وصلى عَلَيْهِ مَرَوَان بْن الحكم، وَهُوَ يومئذ أمير على المدينة. يقال: كَانَ أسمر شديد السمرة، طويلا أصلع ذا جثة. وكان مُحَمَّد بْن مسلمة من فضلاء الصحابة. وهو أحد الذين قتلوا كَعْب بْن الأشرف، واستخلفه رَسُول اللَّهِ eعلى المدينة فِي بعض غزواته. وقيل: استخلفه فِي غزوة قرقرة الكدر، وقيل: إنه استخلفه عام تبوك. واعتزل الفتنة واتخذ سيفا من خشب، وجعله فِي جفن، وذكر أن رَسُول اللَّهِ e أمره بذلك، ولم يشهد الجمل ولا صفين، وأقام بالربذة. يقال: إنه كَانَ لمحمد بْن مسلمة من الولد عشرة ذكور وست بنات. (الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1377) (2344)
( [7] ) طبقات ابن سعد ح2 صـ57 القول المبين في سيرة سيد المرسلين [ص 290] سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد [4 /319] السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث [3 /252] حياة محمد e [1 /418] إمتاع الأسماع بما للنبى من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع [1 /188] القول المبين في سيرة سيد المرسلين [ص 290]
( [8] ) غزوة بني قريظة ص142 – 143 محمد احمد باشميل.
( [9] ) السيرة النبوية لابن هشام ح3 ص190 وما بعدها (محمدe النور الخالد . / محمد فتح الله كولن ص90 ص2
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة الناصح في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 05-09-2014, 10:59 AM
-
بواسطة الناصح في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 23-01-2013, 04:48 PM
-
بواسطة نعيم الزايدي في المنتدى المنتدى الطبي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 11-06-2011, 03:00 AM
-
بواسطة امه مسلمة في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 06-11-2010, 11:17 AM
-
بواسطة muad في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 09-12-2007, 01:44 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات