لمعرفة المزيد من التفاصيل كيف أن تأقلم الفريسيين مع عبادة الآلهة (1) ميثرا Mithra كان له التأثير الواضح على بولس في إعادة صياغة دين عيسى، أرجو قراءة كتاب (محمد نبوءة قد تحققت - Mohammed A Prophesy Fulfilled) للمؤلف H. Abdul Al-Dahir. كما أحثّ على قراءة كتاب (الإسلام و المسيحية في العالم الحديث - Islam and Christianity in the modern world) للمؤلف الدكتور محمد الأنصاري، و كتاب (أساطير الكتاب المقدس و ما يماثلها في الديانات الأخرى - Bible myths and their parallels in other religions) للمؤلف دوان T. W. Doane، و كتاب (تاريخ المسيحية في ضوء المعرفة الحديثة، عمل جماعي - The history of Christianity in the Light of Modern Knowledge; a collective work) للمؤلف Blackie & son limited, 1929.

ألا يبدوا كل هذا مؤلوفاً؟ هل ذلك مجرد مصادفة عجيبة في أن ينتهي المطاف بعد ثلاثة قرون بالعهد الجديد الذي كتبه بولس، و الذي بشّر به الوثنيين من غير اليهود، في هيئة تماثل إلى حد بعيد المعتقدات الوثنية الراسخة؟ أم أن الله قد أعاد صياغة دينه عمداً بعد رحيل عيسى (عليه السلام) ليكون قريباً إلى حد كبير للديانة الوثنية للأممين؟ تذكر الكلمات التي قالها بولس نفسه:
كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي، ولكِن لَيسَ كُلُّ شَيءٍ يَنفَع. كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي، ولكِنِّي لن أَدَعَ شَيئًا يَتَسَلَّطُ عليَّ.(2)
الكتاب المقدس – الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 12
فَصِرتُ لليَهودِ يَهودِيّاً لأربَحَ اليَهودَ، وصِرتُ لأهلِ الشَّريعةِ مِنْ أهلِ الشَّريعةِ وإنْ كُنتُ لا أخضَعُ للشَّريعةِ لأربَحَ أهلَ الشَّريعةِ، وصِرتُ للَّذينَ بِلا شريعةٍ كالّذي بِلا شريعةٍ لأربَحَ الّذينَ هُمْ بِلا شريعةٍ ... وصِرْتُ لِلضُّعفاءِ ضَعيفًا لأربَحَ الضُّعَفاءَ، وصِرتُ لِلنّاسِ كُلِّهم كُلَّ شيءٍ لأُخلِّصَ بَعضَهُم بِكُلِّ وسيلَةٍ.
الكتاب المقدس – الأولى إلى أهل كورنثوس 9: 20-22
سنتكلم عن ذلك فيما بعد.

================================
(1) ميثرا: إله الضوء و الصفقات و الصداقة عند الفرس القدماء.
(2) عن الترجمة الكاثوليكية. نرى ترجمة مختلفة للعدد في الترجمة العربية المشتركة حيث يقول العدد [هُناكَ مَنْ يَقولُ: ((كُلُّ شَيءٍ يحِلُّ لي))، ولكِنْ ما كُلُّ شَيءٍ يَنفَعُ. ((كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي)) ، ولكِنِّي لا أرضى بأنْ يَستَعبِدَني أيُّ شيءٍ] و الفرق واضح بين المعنيين.
=================================

و مع أن "الثالوث المقدس" قد تم صياغته في مجمع نيقية، إلا أن الفكرة القائلة بأن "عيسى هو الله" أو أنه "تجسد الله" (كما ذكر السيد جيه) لم يتم صياغتها إلا لاحقاً في مجامع إفسس Ephesus سنة /431/ و مجمع كالسيدون Chalcedone سنة /451/:
"... لقد وقف المسيحيون الكاثوليك على حرف الهاوية يرتجفون، فلم يكن بمقدورهم التراجع، ولا الوقوف حيث هم لخطورة ذلك، و لا السقوط المفزع. و تفاقم مذهبهم بالمزيد من عدم الملائمة من خلال نظامهم اللاهوتي الرهيب. لقد ترددوا في أن يقولوا بأن الله نفسه – الأقنوم الثاني للثالوث المقدس الذي هو من نفس الجوهر و مساوٍ له – قد ظهر في الجسد، ترددوا أن يقولوا بأن الكينونة التي تعمّ الكون كانت محصورة في رحم مريم، أن استمراه الخالد قد تم تحديده بالأيام و الشهور و السنين الخاصة بالبشر، أن الله العلي قد تم جلده و صلبه، أن جوهره الذي لا يمكن تجاوزه قد شعر بالأوجاع و الآلام، أن علمه المطلق لم يكن خالياً من الجهل، و أن مصدر الحياة و الخلود قد نفذ على جبل الجمجمة Mount Calvary. تم التأكيد ببساطة على هذه العواقب التي تحمل الخطر في طياتها دونما حياء من قبل أبولينانس Apollinans أسقف كنيسة لاوديسيا Laodicia أحد أعلام الكنيسة البارزين."
إنحدار و سقوط الإمبراطورية الرومانية – المجلد السادس، جيبون ص 10
“Decline and Fall of the Roman Empire,” VI, Gibbon, p. 10.

تخبرنا موسوعة جروليرز Groliers encyclopedia تحت عنوان "التجسد":
"يرمز التجسد إلى اتخاذ الآلهة جسداً على هيئة البشر. هذه الفكرة تتكرر بشكل مستمر في علم الأساطير. ففي العصور القديمة كان يُعتقد أن بعض الناس هم آلهة – و خاصةً الملوك و الكهنة. يعتقد في الهندوسية أن فيشنو Vishnu قد اتخذ تسعة أجساد أو تجسدات. و بالنسبة للمسيحيين فإن التجسد عقيدة أساسية تشير للإيمان بأن ابن الله الخالد – الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس – أصبح بشراً في شخص يسوع المسيح. لم يُعترف بالتجسد كعقيدة إلا بعد نضال طويل عن طريق مجامع الكنيسة الأولى. ففي مجمع نيقية Council of Nicea /325/ تم الاعتراف بألوهية المسيح على حساب الأريوسية Arianism (الأفكار التي نادى بها أريوس)، و في مجمع القسطنطينية Council of Constantinople /381/ تم الاعتراف بالبشرية التامة للمسيح المتجسد على حساب الأبولينانسية Apollinarianism (الأفكار التي نادى بها أبولينانس)، و في مجمع إفسس Council of Ephesus /431/ تم الاعتراف على وحدة شخص المسيح على حساب النيستوريانسية Nestorianism (الأفكار التي نادى بها نستوريان)، وفي مجمع كالسيدون Council of Chalcedon /451/ تم تحديد طبيعتين طبيعتين للمسيح: طبيعة بشرية و طبيعة إلهية، و ذلك على حساب إيوتيش Eutyches."

لاحظ أن الكنيسة احتاجت لقرابة /500/ سنة بعد رحيل عيسى لبناء و تبرير و من ثم المصادقة على فكرة "التجسد". لاحظ أيضاً أن الحواريين و أبناءهم و أبناء أبنائهم لعشرة أجيال كانوا على جهل أيضاً بأي وجود لفكرة "التجسد". كما كان أقرب الأتباع لعيسى (عليه السلام) على جهل أيضاً من هذه "الحقيقة".
(للمزيد أرجو قراءة القسم 5-11)

في من العجب عندها ألا نجد ذكراً لأي عقيدة تجسد في العهد الجديد. و من ناحية أخرى فإن العدد الوحيد الذي يصادق على هذا الزعم هو [الأولى إلى تيموثاوس 3: 16] و مرة أخرى فإن هذا العدد قد تم التعرف عليه على أنه تزوير لاحق ألصق بعيسى (عليه السلام) بعد ست قرون كاملة من رحيله.

فيما يتعلق بهذا العدد فإن سير إسحاق نيوتنSir Isaac Newton يقول:
"لم يظهر (العدد) على المسرح أبداً في جميع أوقات الخلاف المستمر مع الأريوسيين Arian .. فإن كل من يقرأ (الله ظهر في الجسد) لابد أن يقول بأنه من أوضح و أوثق النصوص في هذا المجال"
عيسى رسول الإسلام – محمد عطاء الرحيم، ص 157
Jesus, Prophet of Islam, Muhammad Ata’ Ur-Rahim, P. 157

"قد يكون هذا التعبير القوي مبرَّراً في لغة القديس بولس [الأولى إلى تيموثاوس 3: 16]، إلا أنه تم خداعنا في أناجيلنا العصرية. إن كلمة ((الذي - “o”)) قد تم استبدالها بكلمة ((الله - theos)) في مجمع القسطنتينية في بداية القرن السادس للميلاد. تلك القراءة الصحيحة للعدد، و التي نجدها في النسخ اللاتينية و السريانية، لازالت موجودة في حجج اليونانيين بالإضافة إلى آباء الكنيسة اللاتينيين. و هذا الخداع، بالإضافة إلى الشهود الثلاثة في رسالة القديس يوحنا، قد تم تتبعه بشكل رائع من قبل سير إسحق نيوتن Sir Isaac Newton"
إنحدار و سقوط الإمبراطورية الرومانية – المجلد السادس، جيبون ص 10
“Decline and Fall of the Roman Empire,” VI, Gibbon, p. 10.

لاحظ كيف أنه بعد وقت قصير من القبول الرسمي "للتجسد"، لوحظ أن الكتاب المقدس بحاجة لـ"التصحيح" و "التوضيح" ليصبح بمقدور القارئ أن يرى بوضوح ما يدل على "التجسد". كل ما وجب عمله هو تغيير كلمة واحدة في العدد [الأولى إلى تيموثاوس 3: 16] كالتالي:
- قبل "التصحيح" الملهم به في القرن السادس:
ولا خِلافَ أنَّ سِرَّ التَّقوى عَظيمٌ ((الّذي ظهَرَ في الجَسَدِ وتَبَرَّرَ في الرُّوحِ، شاهدَتْهُ المَلائِكَةُ، كانَ بِشارَةً للأُمَمِ، آمَنَ بِه العالَمُ ورفَعَهُ الله في المَجدِ)).(1)
- بعد "التصحيح" الملهم به في القرن السادس:
وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ.(2)
و لحسن الحظ فإن نسخاً حديثة من الكتاب المقدس أكثر أمانة كالنسخة القياسية المنقحة (RSV) قد بدأت باستبعاد مثل هذه الإضافات. لازلنا نتوق إلى المزيد، و على كل حال تلك مجرد بداية. (للمزيد أرجو قراءة القسم 2-1)

==========================
(1) عن الترجمة العربية المشتركة و موافقاً للترجمة الكاثوليكية في حذف كلمة "الله" من العدد و إرجاعها إلى أصلها كما هو في النسخ اللاتينية و السريانية.
(2) عن ترجمة فاندياك.
==========================

حتى يوم الفصح إنما هو بدعة وثنية لم يكن عيسى (عليه السلام) على علم بها ولا الحواريين. إن كلمة (الفصح – Easter) مشتقة من مهرجان الربيع الوثني للآلهة الأنثى الأنجلوساكسون Anglo-Saxon آلهة النور و الربيع (Eostre) [Eastre, Ishtar, Astarte] و التي أُهدي لها شهر نيسان (أبريل). كثيرةٌ تلك التقاليد الشعبية الملازمة لعيد الفصح كالبيض الملون (الذي يرمز إلى ضوء شمس الربيع في مهرجان الآلهة)، و الأرنب (رمز الخصوبة) و جميعها من أصل وثني أيضاً. كان مهرجان الآلهة يقام في اليوم الذي يصادف يوم الاعتدال الربيعي (21 آذار – مارس)، و كذلك كان "عيد الفصح" المسيحي. كان الاحتفال إحياءً لذكرى قدوم الربيع و استعادة الشمس قوتها. ونرى مرةً أخرى أن "الإبن" عيسى (عليه السلام) قد استعاد قوته و عاد للحياة في نفس التوقيت. (للمزيد أنظر الفصل الثالث)

بعد مجمع نيقية سنة /325/ للميلاد صدر البيان التالي:
"كما أننا نبعث لكم أخباراً طيبة بالقبول الجماعي فيما يخص الاحتفال بعيد الفصح أكثر الأعياد قداسة، فقد تم أيضاً تسوية الاختلافات بفضل صلواتكم. لذا فإن إخواننا في الشرق - و الذين يحتفلون رسمياً بهذا العيد في نفس اليوم الذي يحتفل في اليهود – سيقتدون بنا و بالرومانيين (من حيث التوقيت) و بكل من حذا حذونا في طريقة الاحتفال بعيد الفصح."