
-
كما يوجد أيضاً دليل قاطع على أن أغلب الذين وقعوا على هذا القرار لم يؤمنوا به حقيقةً أو يفهموه، بل ظنوا أنه من المناسب سياسياً فعل ذلك. كانت الفلسفة الأفلاطونية الحديثة هي الوسيلة التي تم بها صياغة هذا المعتقد المعرّف حديثاً - "الثالوث". كتب أبيليوس Apuleius و هو أحد الحضور قائلاً: [لقد قمت بتمرير الورقة بهدوء] شارحاً السبب: [تلك المعتقدات الدينية الأفلاطونية الرهيبة فهمها القليل فقط من التقاة، أما المدنسين فقد كانوا على جهل تام بها] إن الغالبية العظمى ممن وقّع كانوا تحت ضغط سياسي مواسين أنفسهم بكلمات مثل [إن الروح أغلى من قليل الحبر]. روي أنه من بين /2030/ من الحضور فقط /318/ قد قبلوا هذا المذهب عن طيب خاطر (السيرة النبوية – أبو الحسّان الندوي، ص 306). بعد ذلك تمت المصادقة على معتقد (homoiousios) و الذي يعني (المجد المتساوي Co-Equality، الجلال الأبدي Co-Eternity، من نفس الجوهر Consubstantiality) * للأقنوم الثاني من الثالوث المقدس مع الآب. هذا المعتقد أصبح معروفاً فيما بعد بقانون الإيمان النيقوي.
بعد العودة إلى منازلهم، قام بعض الحضور - أمثال يوسيبيوس Eusebius of Nicomedia و ماريس Maris of Chaledon و ثيوغنيس Theognis of Nicaea – باستجماع شجاعتهم و عبّروا بالكتابة لقسطنتين عن مدى ندمهم على إدراج تواقيعهم في الصيغة النيقوية: [أيها الأمير، لقد قمنا بعمل لا ينّم عن التقوى] كتب يوسيبيوس Eusebius of Nicomedia [و ذلك باشتراكنا في الهرطقة خوفاً منك].
إلا أن الضرر قد وقع ولا مفرّ منه. يذكر أنه تم عقد ثلاثة عشر مؤتمراً في القرن الرابع الميلادي تم من خلالها إدانة أريوس Arius و معتقداته، بينما عقد خمسة عشر مؤتمراً لتأييده. و عقد سبعة عشر مؤتمراً مصدرين قرارات تساند ما نادى به أتباع أريوس – الأريوسيين Arians (السيرة النبوية – أبو الحسّان الندوي، ص 306).
أحد ثمار هذا المجمع كان التأليه الواضح لعيسى (عليه السلام). بعد ذلك بقليل منحت والدته مريم (عليها السلام) لقب (العذراء الوحيدة Ever Virgin). و لم يمض وقت طويل حتى دمجت هذه المفاهيم سنة 431 للميلاد لمنحها لقب (منجبة الله Theotokos). و بهذا أصبحت معروفة لنا باسم (والدة الله).
عندها وصل اضطهاد اليهود أوجه بالإضافة إلى الازدراء و التعصب الشديدين ضد جميع المسيحيين الذين لم يعتنقوا المذهب الجديد. أعطي الأمر بإحراق جميع كتب أريوس Arius و كل من تعاطف معه، و ساد عهد من الرعب على كل من لم يتماشى مع الإيمان المسيحي "الرسمي" الجديد. أحد المنشورات التي وزعت على العوام في هذا الخصوص:
"من الآن فصاعداً إفهموا و عوا من خلال هذا القانون يا أتباع نوفاتيوس(1) و فالنتاين(2) و مارشون(3) و بولس(4) يا من تدعون بالكاتافريجيين(5)... كم من كذب و تكبر و سموم و أخطاء مشينة لزمكم لحياكة عقيدتكم الباطلة! إنّا نحذركم... لا تفكروا من الآن فصاعداً أن تلتقوا في تجمعات. و لكي نمنع حدوث ذلك، نأمر بتجريدكم من كل البيوت التي اعتدتم التجمع فيها... و تلك البيوت سيتم نقل ملكيتها مباشرةً للكنيسة الكاثوليكية (أي الكنيسة الرسمية)."
بعد المؤتمر الذي عُقد في نيقية بقيت مسألة "الثالوث" بعيدة كل البعد عن الاستقرار أو الثبات. فعلى الرغم من الآمال الكبيرة التي علّقت على دور قسطنتين Constantine، إلا أن أريوس Arius و الأسقف الجديد لكنيسة الاسكندرية (أثانسيوس Athanasius) بدؤوا جدالاً جديداً حول الموضوع على الرغم من توقيع قانون الإيمان النيقوي، فأصبحت كلمة ( الأريوسية Arianism) تضم من ذلك الوقت كل شخص لم يتمسك بالمذهب المعرّف حديثاً "الثالوث المقدس". لم يستطع أتباع أثانسيوس Athanasians أن يدحضوا من خلال المخطوطات ما قاله أريوس Arius و الأساقفة الشرقيين بأن المسيح هو مخلوق. لم يكن جميع أعضاء تلك الجماعة (ما سمّي بالأريوسيين) من أتباع أريوس Arians بل ضمت كافة الجماعات التي لم تمتثل للتعريف الثالوثي الجديد و التي وضعت جميعها تحت سقف "الأريوسيين Arians"، و ذلك لتعطي الانطباع بأن طبيعة الإله الذي يعبده هؤلاء الناس كان أمراً مستحدثاً ظهر مع شخص "أريوس Arius"إلا أن ذلك كان بعيداً كل البعد عن الواقع. لقد تلقى أريوس Arius تدريبه من لدن لوسيان Lucian of Antioch – العالم المسيحي الأكثر شهرةً في القرن الرابع و آخر ضحايا ظلم ديوكليتيان Diocletian. كما ضمت مدرسته كلاً من:
- يوسيبيوس Eusebius of Nicomedia
- منبوبهانتوس Menpophantus of Ephesus
- ثيوجنيس النيقوي Theognis of Nicæa
- ماريس Maris of Chaledon
- ليونتيوس Leontius of Antioch
- أثانسيوس Athanasius of Anarzabus
- أستيريوس Asterius the Sophist
تاريخ العقيدة، الإصدار الرابع – المؤلف هارناك ص 3
History of Dogma, Vol. iv, Harnack, p. 3
اعترف أثانسيوس Athanasius – الأسقف الذي أعيل إليه صياغة هذا المعتقد – بأنه كلما كتب أكثر هذا الموضوع انقلبت أفكاره عليه خاسئةً و أصبح أكثر عجزاً في التعبير عن ما يجول في ذهنه بوضوح. و بعد مجمع كاليدونيا 451 بعد الميلاد، لم يتم التساهل في أي جدال حول هذا الخصوص: فقد اعتبر التحدث على الملأ ضد الثالوث هرطقة تستوجب حكماً صارماً يتراوح بين التشويه الجسدي و الموت. فانقلب المسيحيون على بعضهم يشوهون و يذبحون الآلاف بسبب اختلافٍ في المعتقدات.
البعض قد يعترض على عدم صحة كلاً من أقوال هؤلاء العلماء البارزين و المراجع التي حظت على كامل الاحترام. يزعم هؤلاء بأن عيسى (عليه السلام) قد علّم تلاميذه فعلاً عقيدة "الثالوث المقدس" سراً و حصراً لهم، ثم قام التلاميذ بتعليم الآخرين سراً. و بعد قرنين من الزمن تم الإفصاح عنه للعامة. إلا أن هذه النظرية إضافة إلى كونها مبنية بلا دليل من الكتاب المقدس، فإنها تناقض قول عيسى نفسه:
فأجابَهُ يَسوعُ: ((كَلَّمْتُ النّـاسَ عَلانيةً، وعَلَّمتُ دائِمًا في المَجامِـعِ وفي الهَيكَلِ حَيثُ يَجتَمِـعُ اليَهودُ كلُّهُم، وما قُلتُ شيئًا واحدًا في الخِفيَةِ.))
الكتاب المقدس – يوحنا 18: 20
---------------------------
* عن قانون الإيمان النيقوي مترجماً باللغة العربية من قبل الكنيسة.
(1) Novatians: followers of Novatius.
(2) Valantinians: followers of Valentine.
(3) Marcionites: followers of Marcion.
(4) Paulinians: followers of Paul.
(5) Cataphrygians: Montanism, a second century heresy from Phrygia, was also known as the Cataphrygian heresy. The chief source on it are Esebius and Tertullian. (المترجم)
---- يتبع
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة الأندلسى في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
مشاركات: 8
آخر مشاركة: 02-06-2015, 05:28 PM
-
بواسطة karam_144 في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 12
آخر مشاركة: 16-02-2011, 05:44 PM
-
بواسطة khaled faried في المنتدى العقيدة والتوحيد
مشاركات: 14
آخر مشاركة: 24-12-2006, 10:31 PM
-
بواسطة wela في المنتدى حقائق حول الكتاب المقدس
مشاركات: 10
آخر مشاركة: 27-07-2005, 12:20 AM
-
بواسطة الفلاسي في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 25-06-2005, 11:48 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات