الخلاصة:
روح الإسلام ومبادئه ومنهجه في التربية ترمي جميعا إلى إقرار السلام والإخاء الإنساني، وتعميق حبه في ضمير المسلم، وسيادته في المجتمع، لذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربي المسلمين على إيثار السلام واستنفاد الحيلة في دفع العدوان بالحسنى، وعدم القتال: "لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية "، وعلى هذا الأساس يعتبر الإسلام السلام هو الأصل، ويعتبر الحرب استثناء وضرورة، لا يلجأ إليها إلا لمقاومة الظلم ودفعا للعدوان، وأما الحروب العدوانية أو الهجومية بالمفهوم الحديث، فهي حروب لا يعرفها الإسلام ولا يقرها،والدليل على ذلك المغازي الكبرى في العهد النبوي، كان المسلمون هم المعتدى عليهم فيها، وكذلك حروب التتار والصليبيين، كان المسلمون يردون الظلم والعدوان عن أرضهم ومقدساتهم، ومن ثم كان الإسلام بحق دين السلام العادل الذي يحرم الظلم والعدوان.
إن المتتبع لنصوص القرآن وأحكام السنة النبوية في الحروب يرى أن الباعث على القتال هو دفع الاعتداء، وليس فرض رأي أو دين بالقوة، فالأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي السلم حتى يقع الاعتداء، فإن وقع الاعتداء عليهم كانت الحرب أمرا لا بد منه، ردا للشر بمثله، ولتحمي الفضيلة نفسها من الرذيلة، وإن ذلك الأصل ثابت بالنصوص القرآنية، وثابت بالوقائع التاريخية في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصر الخلفاء من بعده.
للقتال في الإسلام ضوابط عديدة، قبله وفي أثنائه وبعده تلزم المقاتل المسلم، ولا يجوز له أن يتعداها، منها - على سبيل المثال - عدم قتل رجال الدين و الشيوخ والأطفال والنساء والعمال، وعدم التخريب.
شهد المستشرقون وغيرهم من غير المسلمين بالسماحة الإسلامية وعدالة الفتح الإسلامى، وقد حفل الواقع التاريخي للأمة الإسلامية في مختلف عصورها وشتى أقطارها بأروع مظاهر التسامح الذي لا يزال الناس يتطلعون إليه إلى اليوم في معظم بقاع الأرض، فلا يجدونه، وقد رأينا صورا ناصعة من هذا التاريخ المشرق الصفحات، ورأينا روح هذه السماحة والأساس الفكري والعقائدي الذي تقوم عليه على مر العصور، وخصوصا بعد عصر الراشدين في العصرين الأموي والعباسي، وبهذا يبطل الزعم بأن الإسلام دين قتال وسفك للدماء، لا دين سلام واحترام للآخرين، وقد ثبتت عدالة الإسلام وإنصافه للآخرين من القرآن والسنة والتاريخ وشهادة الأعداء أنفسهم؛ فبأي حديث بعده يؤمنون.





(*) السلام والحرب في الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة، محمود محمد طنطاوي، مصر، ط1، 1416هـ/ 1996م. المستشرقون والقرآن، د. إسماعيل سالم عبد العال، سلسلة دعوة الحق، تصدرها رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، السنة التاسعة، العدد 104، 1410هـ/1990م.
[1]. الجهاد في الإسلام، محمد شديد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1405هـ/ 1985م، ص119: 126.
[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم (3341)، وفي موضع آخر بطريق آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب ذكر كونه خاتم النبيين (6101).
[3]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب من قيام لجنازة يهودي (1250)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة (2269).
[4]. ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق، حرف العين، عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف (39/396)، والذهبي في تاريخ الإسلام (3/453).
[5]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب هل يقول: إني صائم إذا شتم (1805)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل الصيام (2762).
[6]. الجهاد في الإسلام: دراسة فقهية مقارنة، د. أحمد محمود كريمة، الدار الهندسية، مصر، ط1، 2003م ، ص26:22.
[7]. لسان العرب، محمد بن منظور المصري، دار الفكر، بيروت، مادة "سلم".
[8]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب لا تمنوا لقاء لعدو (2861)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كراهية تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء (4640).
[9]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8456)، والنسائي في المجتبى، كتاب تحريم الدم، باب ما يفعل من تعرض لماله (4082)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (4082).
[10]. نظرية الحرب في الإسلام، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكرالعربي، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص12: 17.
[11]. نظرية الحرب في الإسلام، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكرالعربي، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص15.
[12]. نظرية الحرب في الإسلام، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكرالعربي، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص20: 23.
[13]. ذكره الواقدي في المغازي، سرية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ إلى اليمن (1/1079).
[14]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو (4619).
[15]. الغلول: الخيانة، ومعنى لا تغلوا أي لا تخونوا.
[16]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الجهاد، باب وصية الإمام (2858)، والنسائي في سننه الكبرى، كتاب السير، باب عدد السرية (8837)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (2858).
[17]. العسيف: العامل المنصرف للزراعة أو نحوها، وكذلك العامل المنصرف لأي عمل.
[18]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث حنظلة الكاتب الأسيدي رضي الله عنه (17647)، وابن ماجه في سننه، كتاب الجهاد، باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان (2842)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (2842).
[19]. أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل النساء والوالدان في الغزو (1627)، وعبد الرزاق في المصنف، كتاب الجهاد، باب عقر الشجر بأرض العدو (9375).
[20]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث حنظلة الكاتب الأسيدي رضي الله عنه (17647)، وابن ماجه في سننه، كتاب الجهاد، باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان (2842)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (2842).
[21]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكيين، حديث الأسود بن سريع رضي الله عنه (15627)، والدارمي في سننه، كتاب السير، باب النهي عن قتل النساء والصبيان (2463)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (402).
[22]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الذبائح والصيد، باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة (5197)، وفي موضع آخر.
[23]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الذبائح والصيد، باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمحثمة (5197)، وفي موضع آخر.
[24]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة (5167).
[25]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث عمران بن حصين رضي الله عنه (20001)، والترمذي في سننه، كتاب النكاح، باب النهي عن نكاح الشغار (1123)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الترمذي (1123).
[26]. إسناده حسن: أخرجه الطبراني في الكبير، مسند من يعرف بالكنى من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ممن لم ينقل، أبو عزيز بن عمير بن هاشم بن عبد مناف (977)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب المغازي والسير، باب ما جاء في الأسرى (10007)، وقال: رواه الطبراني في الصغير والكبير، وإسناده حسن.
[27]. أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب المغازي، باب أين ركز النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الراية يوم الفتح (4030).
[28]. حسن: أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب التفسير، سورة الإسراء (11298) بلفظ: فإني أقول كما قال أخي يوسف، والبيهقي في سننه الكبرى، كتاب السير، باب فتح مكة حرسها الله تعالى (1854) بنحوه، وحسنه الألباني في فقه السيرة (1/376).
[29]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الديات، باب إن المسلمين تتكافأ دماؤهم (27969)، وابن ماجه في سننه، كتاب الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم (2683)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (2683).
[30]. العلج: هو الرجل من أهل فارس، ولا يعارض قول عمر هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: « الحرب خدعة »، فإن القائد يخادع المحاربين له ـ وهم في قوتهم ـ بالخطط، فيوهمهم أنه سيجيئهم من جانب، وهو يريد جانبا آخر، فإن ذلك جائز بالاتفاق، أما هنا فالمراد القتل في أثناء الحرب بخداع الفارين، أو بتغريرهم لقتلهم؛ ولأن قول المسلم: لا تخف، أمان، والأمان لا يصح النكث فيه، ولقد اعتبروا من الأمان أن يرفع المسلمون وجوههم إلى السماء مشيرين إلى السلام، فيقول عمر: "لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى مشرك، ثم نزل إليه على ذلك، ثم قتله، لقتلته به".
[31]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الديات، باب إن المسلمين تتكافأ دماؤهم (27969)، وابن ماجه في سننه، كتاب الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم (2683)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (2683).
[32]. نظرية الحرب في الإسلام، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكرالعربي، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص26: 63 بتصرف.
[33]. سماحة الإسلام، د. عمر بن عبد العزيز قريشي، مكتبة الأديب، السعودية، المكتبة الذهبية للنشر والترجمة، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص167، 168 بتصرف، ولا يصح قوله: مؤسس، إنما هو رسول فحسب.
[34]. سماحة الإسلام، د. عمر بن عبد العزيز قريشي، مكتبة الأديب، السعودية، المكتبة الذهبية للنشر والترجمة، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص173،172 بتصرف.

منقول ( بيان الإسلام )
___________________
موضوع ذو صلة
الإسلام دين السلام