المبحث الرابع (4-2-2) :- الهيلنيين () الذين كان يتم التبشير بينهم فى العهد الجديد من بنى اسرائيل وليسوا أتقياء من الأمم ولا دخلاء
المقدمة :-
الاسرائيليين الذين تشبهوا باليونانيين فى عصر كتابة العهد الجديد كانوا على درجات مختلفة من هذا التشبه
فبعضهم استخدم اللغة اليونانية فى حياته ولم يجيد اللغة العبرية أو الآرامية ومع ذلك كان يختن حيث ألزم المكابيين فى فلسطين الجميع بالختان وهؤلاء نجد الاشارة اليهم فى الاصحاح 6 من سفر أعمال الرسل حيث لم يجد المتمسكين بالشريعة أي اشكالية فى التعامل معهم بينما ظهرت اشكالية الختان أم عدم الختان فى الاصحاح 15
والبعض الأخر تمادى وترك الشريعة فلم يختن وكان هؤلاء فى الشتات ، والبعض مزج الفلسفات اليونانية الوثنية مع المعتقدات اليهودية (للمزيد عن درجات التشبه باليونانيين والأدلة على ذلك راجع المبحث الأول - الفصل الثاني - الباب الثالث )
لذلك نجد فى أحد النصوص بالعهد الجديد أنه مسموح لهؤلاء اليونانيين بدخول الهيكل والصلاة ( يوحنا 12 :20 ) (وهم مختونين ولكنهم يتحدثون اليونانية) بينما فى نص أخر غير مسموح لليونانيين بدخول هيكل اليهود (أعمال 21 :28 ) (وهم غير مختونين )

ونقرأ من تفسير القمص تادرس يعقوب لهذا النص :-
(يرى البعض أنهم يهود، تشتتوا وارتبطوا بالثقافة الهيلينية، لهذا دُعوا يونانيين ……..ويرى آخرون أنهم أمميون، ففي العصور المتأخرة سمح اليهود لبعض الأمم الأتقياء أن يأتوا إلى الهيكل في العيد )
انتهى
لا أتفق مع من قالوا أنهم كانوا أمميون أتقياء ولا أن اليهود سمحوا فى العصور المتأخرة للأتقياء أن يأتوا الى الهيكل لأن كل نصوص العهد الجديد تناقض هذا القول ، وهذا واضح جدا فى (أعمال 21 :28 ، 21 :29 )
ولكن هؤلاء اليونانيين ( الهيلنيين ) كانوا من بنى اسرائيل الذين تشبهوا باليونانيين وحصلوا على امتيازات اليونانيين الحقيقيين و جنسيتهم يونانية مثل ما ذكر سفر أعمال الرسل (جنسيات لبنى اسرائيل قيروانين وفرتيون وغيره ) (أعمال 2 :9 )
كما سنرى ان شاء الله من خلال نقاط هذا المبحث

1- هؤلاء اليونانيين ليسوا دخلاء
الدخيل باليونانية تعنى :- وبالانجليزية Proselyte
وهو شخص ليس من بنى اسرائيل ولكنه تهود واتبع عقيدة اليهودوطبقوا عليه الطقوس اليهودية والتي من ضمنها الختان للذكور وعليه أصبح من الممكن على الاسرائيلي أن يأكل معه ويلتصق به
وهى نفسها الكلمة المستخدمة فى انجيل متى :-
مت 23 :15 ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المراؤون لانكم تطوفون البحر و البر لتكسبوا (( دخيلا )) واحدا و متى حصل تصنعونه ابنا لجهنم اكثر منكم مضاعفا


أ- نصوص العهد الجديد أوضحت أن هؤلاء اليونانيين لم يختنوا أي أنهم ليسوا دخلاء من الأمم

فنقرأ من سفر أعمال الرسل :-
16 :1 ثم وصل الى دربة و لسترة و اذا تلميذ كان هناك اسمه تيموثاوس ابن امراة يهودية مؤمنة (( و لكن اباه يوناني ))
16 :2 و كان مشهودا له من الاخوة الذين في لسترة و ايقونية
16 :3 فاراد بولس ان يخرج هذا معه (( فاخذه و ختنه )) من اجل اليهود الذين في تلك الاماكن لان الجميع (( كانوا يعرفون اباه انه يوناني ))


وأيضا نقرأ :-
21 :28 صارخين يا ايها الرجال الاسرائيليون اعينوا هذا هو الرجل الذي يعلم الجميع في كل مكان ضدا للشعب و الناموس و هذا الموضع ((حتى ادخل يونانيين ايضا الى الهيكل و دنس هذا الموضع المقدس ))

اليونانيون يدنسون الهيكل بالرغم من تطهرهم (أعمال 21 :26 ) لأنهم لم يختنوا

وأيضا من رسالة الى غلاطية :-
2 :3 لكن لم يضطر و لا تيطس الذي كان معي ((و هو يوناني ان يختتن ))

اذا فاليونانيين الذين كانوا يدخلون مجامع اليهود فى الشتات لم يختنوا أي أنهم ليسوا دخلاء من الأمم


ب- و حتى ان حدث هذا التحول الكامل فلم يكن يطلق عليهم مسمى يونانيين ولكن كان يطلق عليهم مسمى (دخلاء) وباليونانية وبالانجليزية proselutos

كما فى (أعمال 2 :10، 6 :5 ، متى 23 :15)
فنقرأ من سفر أعمال الرسل :-
2 :10 و فريجية و بمفيلية و مصر و نواحي ليبية التي نحو القيروان و الرومانيون المستوطنون يهود و (( دخلاء ))

لذلك فان كان لوقا يقصد باليونانيين الذين فى المجمع انهم من الأمم وليسوا من صلب بنى اسرائيل فكان من المفروض أن يستخدم نفس المصطلح وهو كلمة (دخلاء) فيقول (يهود ويونانيين دخلاء ) أو يقول (يهود ودخلاء)
ولكنه لم يستخدم هذا المصطلح للاشارة الى هؤلاء اليونانيين ، ولا حتى استخدمه عندما آمن هؤلاء اليونانيين بما يقوله بولس
يعنى هو لم يقل عنهم دخلاء لا قبل ايمانهم ببولس ولا بعد ايمانهم بكلام بولس لأنه فى الأصل لم يكن يتكلم عن غرباء أو دخلاء ولكنه كان يتكلم عن أشخاص من بنى اسرائيل
وهذا يعنى أن للكلمتين دلالتين مختلفتين


ج- هؤلاء الدخلاء المتحولين مقبول على الاسرائيليين التعامل معهم لأنهم اتبعوا الطقوس اليهودية والتي من ضمنها الختان (وهذا تعريفهم طبقا لقاموس سترونج )


ونرى قبول التلاميذ الجلوس مع الدخلاء
فنقرأ من سفر أعمال الرسل :-
2 :1 و لما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة
2 :2 و صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة و ملا كل البيت حيث كانوا جالسين
ثم نقرأ :-
2 :10 و فريجية و بمفيلية و مصر و نواحي ليبية التي نحو القيروان و الرومانيون المستوطنون يهود و(( دخلاء ))
وأيضا :-
6 :5 فحسن هذا القول امام كل الجمهور فاختاروا استفانوس رجلا مملوا من الايمان و الروح القدس و فيلبس و بروخورس و نيكانور و تيمون و برميناس و (( نيقولاوس دخيلا انطاكيا ))

وهؤلاء التلاميذ أنفسهم هم من اعترضوا على قيام بطرس بالأكل مع أممي لم يختن (أعمال 11 :2 ، 11 :3 )
اذا فاليهودي المتدين لا يجلس ولا يأكل مع أممي الا اذا كان من الدخلاء أي مختون كما أنه لو كان اليونانيين الذى صعدوا للهيكل للصلاة (يوحنا 12: 20 ) من الدخلاء أي من الأمم المتحولين الى اليهودية تحول كامل كان وصفهم كاتب الانجيل بأنهم دخلاء ولم يكن ليصفهم باليونانيين


د- اذا كان هؤلاء اليونانيين من الدخلاء من الأمم فسيكون من الغريب أن يصفهم لوقا دائما باليونانيين فى وجود مدن كان سكانها الأصليين ليسوا من اليونانيين الحقيقيين ؟!!!!!!!!

مثل أنطاكية فلم يكن سكانها الأصليين من اليونانيين وكان بها فئات لم تتأثر بالثقافة اليونانيةوهذا يؤكد أن كلمة (اليونانيين) لم يكن يقصد منها متهودين أو حتى أتقياء وانما كانوا اسرائيليين متأثرين بالثقافة اليونانية (ان شاء الله سوف أتناول هذه النقطة بالتفصيل فى المبحث السابع من هذا الفصل )