تبلغ مساحة حديقة فيلا دوريا بامبيلي قرابة التسعة كيلو مترات مربعة.. كانت مساحة خضراء واسعة تبعث البهجة والارتياح.. وتحط فيها أنواع كثيرة من الطيور التي سعد مايكل وسالي بمراقبتها..

اختيار رائع يا أمي، هذا اليوم من أروع الأيام. المكان رائع وجميل جدا، هل أعجبك يا سالي؟ نعم أعجبني كثيرًا. وسيكمل جمال الرحلة بذهابنا للقداس اليوم في الكنيسة.
تذمر مايكل قائلًا:

لا أود الذهاب إلى الكنيسة.
هز جورج كتفيه، ونظر إلى كاترينا..

هذا اختيار أمك، اسألها. بعد السياحة الطبيعية لا بد من السياحة الدينية والروحية. عذرا أمي، أنا لا أحبّ الكنيسة! ألا تحب أن تعبد وتشكر إلهك الذي خلقك ورزقك ورحمك؟ أحب أن أعبد ربي، ولكن بدون الذهاب للكنيسة. ما لم يتجه الإنسان إلى ربه ويعبده ويشكره فستضيق عليه الدنيا. هل أنتِ مصرة على الذهاب إلى الكنيسة؟
أراد جورج تلطيف النقاش..

إن لم تعبد ربك وتشكره شقيت، ولا أظن أن العبادة مرتبطة بالذهاب إلى الكنيسة. سنذهب بعد أن ننتهي من الحديقة الرائعة، فاستمتع بها، ولكن إياك أن تترك عبادة وشكر ربك يا حبيبي. شكرا أمي شكرا أبي، لكن لماذا العبادة مرتبطة بالكنيسة فقط؟!
أرادت كاترينا أن تنهي النقاش..

سالي تعالي وانظري إلى الطائر البعيد هناك.. هيا نذهب إليه..
ذهب مايكل وسالي يركضان خلق الطائر..

كلام مايكل جميل جدًّا. نعم، لكن لمَ تجعلني سببا فيما لا يحبّه الأطفال؟ أليس الذهاب للقداس طلبك أنت؟! للحديث بقية أيها الفيلسوف البريء.
قضت العائلة ساعات الصباح في الحديقة، ثم تناولوا فيها وجبة الغداء.. وبعدما انتهوا التفتت كاترينا إلى أبنائها:

سنذهب الآن إلى القداس، وأريدكم أن تؤدوا الصلاة بخشوع، وأن تنتبهوا لأنفسكم. من أيّ شيء ننتبه لأنفسنا؟ من أي شيء، أو شخص أو عمل يؤذيكم أو يضايقكم. مثل ماذا؟ مثل أي شيء يؤذيكم أو يضايقكم، هل الكلام واضح يا سالي ويا مايكل؟! واضح جداّ ولا أدري لماذا تقوليه لنا؟! هل نحن سنذهب إلى الكنيسة أو إلى حديقة الوحوش المفترسة؟!
ما إن اقتربوا من الكنيسة، دنت كاترينا من جورج وهمست له..

لقد جعلتني موسوسة، انتبه أنت لمايكل، وسأنتبه أنا لسالي. ليس لهذه الدرجة، يبدو أنك موسوسة بشدة.. ولكن حاضر.
دخل الجميع الكنيسة، وقد بدأ القداس المهيب.. غير أنّ جورج لم يكن مكترثًا له، فيما كانت كاترينا متأثّرة، لكنّها قلقة غير مرتاحة.. وما إن خرجوا حتى تعلق مايكل بأمّه..

شكرا ماما، لقد كان قداسًا رائعًا، كم أحب اليسوع! لقد كان سببًا لخلاصنا، بل وخلاص البشرية من الخطيئة.
بطفولة وبراءة سألت سالي..

ماما.. أليس هناك طريقة ليخلصنا الرب الرحيم من خطايانا دون أن يقتل اليسوع، لقد آلمني موت الابن اليسوع كثيرًا، فأنا أحبه؛ فبسببه تأتيني الهدايا في رأس كل سنة.
مايكل..

وأنا مثلك يا سالي.. ربما لأجل هذا لا أحب الذهاب للكنيسة، أو ربما لأني لا أحب القساوسة والرهبان. حبك لليسوع هو المنقذ والمخلص. ولا تنس يا مايكل العمل؛ فالإيمان وحده لا يكفي كما يعلمنا اليسوع.
عادت العائلة إلى الفندق بعدما انقضى القداس، وانصرف الأبناء لغرفتهم.. وعندها قال جورج لكاترينا بابتسامة ماكرة:

كنت متوترة في الكنيسة! وكان واضحًا عليك عدم الاكتراث. نعم، كيف تريدينني أن أكترث بما لست مقتنعًا به؟ المهم سفرنا بعد غد، وأود أن نستمتع بما بقي من الرحلة، كما استمتعنا بالأيام الفائتة. أنا متعبة جدا، فقد تأخرت البارحة في النوم، وسأنام الآن. أنا سأرى بريدي الإلكتروني ثم أنام، هل من الممكن أن تعطيني الكتاب الذي أعطاك المسلم. هل ستقرأه؟! ربما، وما الإشكال في أن أقرأه؟ لا شيء، تفضل.. تصبح على خير.
تناول جورج حاسوبه، وفتح بريده الإلكتروني؛ ليجد تعليق زملائه على رسالته:

حبيب: تعبت لأُفهم طلابي في الجامعة التثليث مع التوحيد فلم أستطع، ربما لأني لم أفهمه أنا نفسي، يوجد ما ذكرت عموما في نسخ قديمة جدا من الإنجيل. توم: تقول الرياضيات 3 ≠ 1، ويقول علماء المنطق: إن الجزء من الكل تابع في حكمه للكل، ويقول أبي: لا تتحدث فيما لا تفهم، وأقول أنا: حدثني بما يمكن أن أفهم لأرد عليك، هههه. آدم: إن قلنا إن عيسى عبد الله وليس شريكا لله أو ابنه؛ فهذا لا يعني انتقاص عيسى عليه السلام. ليفي: هذا مثل من يقول لدينا في اليهودية «إن عزيرا ابن الله»، أعتقد كلاهما كلام لا يفهم.
فأعاد إرسال التعليقات لهم جميعًا دون ذكر أسمائهم، ثم كتب الرسالة التالية:

«الحلقة الثالثة: هل يمكن أن يكون بولس هو محرف العهد الجديد؟ جورج»
وبينما هو يقرأ بقية الرسائل وجد رسالة من كاخ كالتالي:

«عزيزي جورج..آمل أن تكون بصحة جيدة، جميع الموظفين في انتظارك، نتمنى أن نراك قريبًا». كاخ» ' alt='www.aroadtohappiness.com' /> ملاحظة، لقد تغيبت عن العمل أكثر من أسبوع حتى الآن».
همّ بأن يغلق جهازه، لكنّه تذكر صفحة آدم على الفيس بوك، وأنّه لم يزرها منذ فترة طويلة، فدخلها فوجده كتب مقالًا جديدًا عنه: (دروس من صديقي الباحث عن السعادة 3):

«واجه صديقي الباحث عن السعادة في هذه الفترة مشكلة صحية غريبة، وقبل أن أذكر ما تعلمته منه، أود أن أضع ملاحظات على ما حدث أثناء مرضه: المرض عادة ما يصاحبه ضعف، وحصل ذلك مع صديقي، وكنت خائفًا ألا يكمل الطريق، لكن صدقه وإصراره جعله يتجاوز ذلك، ولذا ينبغي للعاقل ألا يتخذ قرارًا مصيريًّا في فترة الضعف. كدت في فترة من الفترات أن أتجاوز، وأن أقول له طريق السعادة هو كذا.. لما رأيت ضعفه، ولكن الله سلم. تأكد لي أن الفترة القادمة على صديقي هي أصعب الفترات، ولعلي أوافيكم بالأخبار أولا بأول.
ونعود للدروس مرة أخرى، فلا يزال صديقي مصرًّا على أن يتعرف على طريق السعادة، وقد تعلمت منه الدروس التالية: أن الذين يحيطون بك إما أن يتأثروا بك أو تتأثر بهم أو تتصارع معهم، وما يحدد ذلك هو الصراعات الفكرية والعقدية، فكثير ممن حوله بدأوا يتأثرون به، وهذا يدل على قوة إصراره وصدقه، وعموما أظن أنه أصبح هناك أكثر من باحث، لعلي أبشركم قريبا بتعرفهم جميعا على طريق السعادة. الاتزان النفسي وعدم الحدية في التعامل مع الأفكار مهم جدا في السير إلى طريق السعادة، وهذا ما يمتلكه صديقي، وإن كان يفقده أحيانا تحت الضغوطات. أهمية التعلم، ويجب التعلم حتى لما تظن أنك تعرفه، فربما ما تعرفه يكون غير صحيح، فقد أعجبني في صديقي إصراره على التعلم لأشياء هو عليها من طفولته وبعقلية منفتحة. لدى صاحبي ـ للأسف ـ قدرة محدودة على الربط بين الحوادث والقراءات والمناقشات، وهي مهمة جدا للمقارنة بين الأفكار؛ للوصول إلى طريق السعادة. أعتقد أن صاحبي في الخطوات الأخيرة في طريق البحث عن طريق السعادة، وإجابة تساؤلات الحياة الكبرى، وسأوافيكم بالدروس القادمة قريبا. آدم»
قرأ جورج تعليقات القراء، ولفت انتباهه تعليق أحد القراء قال فيه: «يبدو أنك تحب صاحبك كثيرا؛ ولذا تضعه في صورة مثالية». وكان رد آدم: «نعم أحب له الخير كما أحب لكل الناس؛ فالله يأمرنا بمحبة الخير للناس». ثم قرأ مقالا آخر لآدم يتحدث فيه عن تحولات فكرية، وكتب فيه التالي:

«رغم صعوبة التحولات الفكرية إلا أني رأيت اليوم تجربة غريبة، فقد جلست اليوم مع طبيب نفسي ذكي جدا، وفيلسوف عبقري، لكنه يتقلب ويدور ما بين العقائد والأفكار، كان مسيحيًا ثم ألحد، وأصبح سيء الأدب والدين، درس البوذية والهندوسية واليهودية والمسيحية، ويريد أن يدرس الإسلام، لديه مشكلتان؛ الأولى: أنه يجعل الفلسفة حاكمة على كل شيء، قلت له: العلم حاكم، وليس أصولك الفلسفية الحديثة،لم يقتنع، وإن كان وعدني بأن يفكر في كلامي مرة أخرى، مشكلته الثانية: أنه يفكر في كل دين برواسب من كره كل الأديان، حملها من إلحاده ومن معرفته العميقة بتحريف الأديان التي درسها، فبماذا تنصحونني في التعامل معه؟ آدم»
عرف جورج أن المقصود توم، فتح صفحة توم فلم يجد فيها جديدًا، بل الغريب أن توم لم يدخل صفحته منذ قرابة الخمسة أيام، وهذا ليس من عادته.. أغلق جهازه، وتناول الكتاب فتصفحه سريعًا؛ إذ كان يشعر برغبة في النوم، لكنّ مقطعًا استوقفه بشدّة، فقرأه بتمعن شديد ولا يدري لماذا كان بالنسبة له صدمة، رغم أنه يبدو كلامًا عاديًّا؟ هل لأنه يفتقده في المسيحية؟ حيث هناك فصل شبه تام بين العبادة وطلب الخلاص والحياة، أم فقط بسبب أن قائله مسيحي؟ «يقول عنه الكاتب الأمريكي مايكل هارت، بعد أن وضعه على أساس القائمة في كتابه: «إن محمدًا ﷺ كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى، برز في كلا المستويين الديني والدنيوي.. وإن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له يخول محمدًا ليكون أعظم شخصية مؤثرة في تاريخ البشرية"" استلقى جورج واستسلم لأفكاره، ولم يشعر بنفسه إلا وفي الصباح وكاترينا تقول له:

استيقظ استيقظ، ههه، كل هذا من الكتاب. أوه.. يبدو أنك خائفة علي، اطمئني، لم أقرأ الكتاب. هههه، كل هذا وأنت لم تقرأه، فكيف لو قرأته! هيا استيقظ.