المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سجاد المدني
ليلة النصف من شعبان المعظم
ليلة مباركة:
إنّ ليلةَ النِّصفِ مِن شعبانَ هي ليلةٌ مباركة مُهِمَّةٌ جدًّا ، قال الله تبارك وتعالى:
اِنَّا اَنۡزَلْنٰہُ فِیۡ لَیۡلَۃٍ مُّبٰرَکَۃٍ اِنَّا کُنَّا مُنۡذِرِیۡنَ ﴿۳﴾ فِیۡہَا یُفْرَقُ کُلُّ اَمْرٍ حَکِیۡمٍ ۙ﴿۴﴾
ليلة النصف من شعبان في الأحاديث:
عن سيِّدتِنا عائشةَ الصِّدِّيقةِ رضي الله تعالى عنها أنّ سيِّدَ الْخَلقِ الرسولَ الكريم صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم قال: «أتَاني جبرِيلُ عليه السلام فقال: هذه اللَّيلةُ ليلةُ النِّصفِ مِن شعبانَ، ولله عزّ وجلّ فيها عُتَقاء من النَّارِ بعَدَدِ شُعُورِ غَنَمِ كَلب، لا يَنظُرُ اللهُ عزّ وجلّ فيها إلى مُشرِكٍ، ولا إلى مُشاحِنٍ، ولا إلى قاطِعِ رَحِمٍ، ولا إلى مُسبِلٍ، ولا إلى عَاقٍّ لِوالِدَيه، ولا إلى مُدمِنِ خَمْرٍ»(
[1])
وفي رِوايَةٍ للإمام أحمَد بنِ حنبَلٍ عن سيِّدِنا عبدِ الله بنِ عمرٍو رضي الله تعالى عنه: «وقاتِلِ نفسٍ»(
[2])، وعن سيِّدِنا كثيرِ بنِ مُرَّةَ رضي الله تعالى عنه: أنّ النَّبيَّ الكريمَ صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم قال: «في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ يَغفِرُ اللهُ عزّ وجلّ لأهلِ الأرضِ إلاّ لِمُشرِكٍ أو مُشاحِنٍ»(
[3]).
الغفلة عن ليلة النصف من شعبان:
في بعضِ الأحيانِ يكون العبدُ مُتغافِلاً ويقُدَّرُ له ما يكون، وجاء في "غُنيَةِ الطالِبين": كَم مِن كَفَنٍ مغسولٌ، وصاحِبُه في السُّوق مشغولٌ، وكَم مِن قبرٍ محفورٌ، وصاحِبُه بالسُّرورِ مغرورٌ وكَم مِن فَمٍ ضاحِكٌ وهو عن قريبٍ هالِكٌ، وكَم مِن مَنـزِلٍ كَمَلَ بناؤُه وصاحِبُه قد أَزِفَ، يعني: قَرُبَ فناؤُه(
[4]).
الناس المحرومون من الرحمة والمغفرة:
إنّ ليلةَ النِّصفِ مِن شعبانَ ليلةٌ عظِيمةٌ جدًّا فلا ينبغِي التَّغافُلُ عنها فإنّ الرَّحماتِ تتَنَزّلُ فيها، وإنّ اللهَ تعالى يُعتِقُ فيها مِن النار أكثرَ مِن عددِ شَعر غنَمِ كَلب، وجاء في الكتب: أنّ قبيلةَ بني كَلب مِن أكثرِ قَبائِل العَرب في تربِيةِ الأغنامِ، ولكن ولِلأسَفِ هناك بعضُ النَّاسِ سَيِّئُوا الحظِّ لا يُغفَرُ لهم في ليلةِ العِتق مِن النارِ، فقد نقل الإمامُ البَيهقِيُّ الشافِعيُّ رحمه الله تعالى في كتابه "فضائِل الأوقات" عن رسولِ الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم أنّه اسْتَثنَى مِن عُتَقاء النَّار ستَّةَ نَفرٍ وهم مُدمِنُ خمرٍ وعاقٌّ لِوالِدَيه والْمُصِرُّ على الزِّنا، والْمُصارِمُ والْمُصوِّرُ والقَتَّاتُ(
[5])، ومثلُهم أيضًا الكاهِنُ والساحِرُ والْمُسبِلُ ثوبَه أو إزارَه تحتَ الكعبَين على سبيل الْخُيَلاء والكِبر والْمُتباغِض والْمُتحاقِدُ لا يُغفَرُ لهم في هذه الليلةِ، فعلى الجميعِ أن يُسارِعُوا بالتَّوبةِ الصادِقةِ قبل مجيء هذه الليلةِ مِن جميع الذنوب بعامَّةٍ، ومِن هذه الخِصال السَّيئَةِ بخاصّةٍ، وإذا كان شخصٌ ما ضَيَّعَ حقوقَ العِبادِ فعليه أن يتَحَلَّلَ منها برَدِّها إليهم ويَطلُبَ العَفوَ منهم مع التَّوبةِ.
زيارة القبور ليلة النصف من شعبان:
عن أمِّ المؤمِنين سيِّدتِنا عائشةَ الصِّدِّيقةِ رضي الله تعالى عنها قالت: فَقَدتُ رسولَ الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم ليلةً فخَرَجتُ فإذا هو بالبَقِيعِ فقال: «أكُنْتِ تَخافِينَ أن يَحِيفَ اللهُ عليكِ ورَسُوْلُه»، قلتُ: يا رسولَ الله، ظَنَنتُ أنّكَ أَتَيتَ بعضَ نسائِكَ، فقال صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم: «إنّ اللهَ تعالى يَنزِلُ ليلةَ النِّصفِ مِن شعبانَ إلى سَماء الدُّنيَا فيَغفِرُ لأكثرَ مِن عَدَدِ شَعرِ غَنَمِ كَلب»(
[6]).
صوم النصف من شعبان:
عن سيِّدِنا أمير المؤمِنين عليِّ بنِ أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم: «إذا كانتْ ليلةُ النِّصفِ مِن شعبانَ فقُومُوا ليلَها وصُومُوا نَهارَها، فإنّ اللهَ يَنـزِلُ فيها لِغُرُوب الشَّمسِ إلى سَماء الدُّنيَا فيقول: ألا مِن مُستَغفِرٍ لي فأَغفِرَ له، ألا مُستَرزِقٌ فأَرزُقَه، ألا مُبتَلًى فأُعافِيَه، ألا كذا، ألا كذا، حتَّى يَطلُعَ الفَجرُ»(
[7]).
إنّ ليلةَ النِّصفِ من شَعبانَ تُرفَعُ فيها الأعمالُ ويُقدَّرُ فيها ما يكون، لذا ينبغي لِلمُسلِمِ أن يَصُومَ يومَ الرابع عشَر مِن شعبان ويَعتَكِفَ في المسجد بعد صلاةِ العَصرِ بقَصدِ انتِظار صَلاةِ المغرب كي يُرفَعَ عَمَلُه وهو صائِمٌ وجالِسٌ في المسجدِ بنيَّةِ الاعتكافِ وانتِظار الصَّلاةِ، والأفضَلُ قِيامُ اللَّيلِ كلِّه.
([1]
) ذكره البيهقي في "شعب الإيمان"، باب في الصيام، ٣/٣٨٤، (٣٨٣٧).
([2]
) ذكره أحمد بن حنبل في "مسنده"، ٢/٥٨٩، (٦٦٥٣).
([3]
) ذكره البيهقي في "شعب الإيمان"، ٣/٣٨١، (٣٨٣١).
([4]
) "الغنية لطالبي طريق الحق عزّ وجلّ"، ١/٣٤٨.
([5]
) ذكره البيهقي في "فضائل الأوقات"، صـ١٣٠، (٢٧).
([6]
) أخرجه الترمذي في "سننه"، كتاب الصوم، ٢/١٨٣، (٧٣٩).
([7]
) أخرجه ابن ماجه في "سننه"، ٢/١٦٠، (١٣٨٨).
المفضلات