آية (158):

* ما هو تفسير قوله تعالى في سورة البقرة (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)) ؟(د.حسام النعيمى)


هنا ننظر في قوله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) البقرة) الصفا والمروة من شعائر الله فهل معنى الآية أنه يمكن أن يفعلوها ويمكن أن لا يفعلوها؟ كلا، بل كانوا يريدون أن يتركوها لأنهم كانوا يحسون أنها من أعمال الجاهلية.
*ما الفرق بين لا جناح عليكم وليس علكم جناح؟(د.فاضل السامرائى)

(لا جناح عليكم) جملة إسمية، (لا) النافية للجنس وجناح إسمها، وإسمها وخبرها جار ومجرور (عليكم). ليس عليكم جناح جملة فعلية (ليس فعل ماضي ناقص من أخوات كان) وقاعدة عامة الجملة الإسمية أقوى من الفعلية لأنها دالة على الثبوت الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد والوصف بالإسم أقوى وأدوم من الوصف بالفعل. إذن لا جناح عليك أقوى بالإضافة إلى أن لا جناح عليكم مؤكدة. (لا رجل) فيها توكيد وجملة إسمية فستكون أقوى. (لا) أقوى في النفي من (ليس) والنفي درجات. اللغة العربية سهلة ولكنها واسعة تعبر عن أمور كثيرة لا يمكن للغات أخرى أن تعبر عنها (كيف تعبر بالانجليزية بين لن يذهب ولم يذهب ولما يذهب وليس يذهب، لا رجل حاضراً، ليس رجل حاضراً، ما رجل حاضراً) أدوات النفي لها دلالاتها.
لا جناح عليه:
تستعمل فيما يتعلق بالعبادات وتنظيم الأسرة وشؤونها والحقوق والواجبات الزوجية والأمور المهمة:
(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا (158) هذه عبادة، ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ (229)، (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ (230)، (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ (233) ، (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (234) ، (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ (235) ، (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً (236) (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ (240)) هذه الآيات كلها في الحقوق وفي شؤون الأسرة.
ليس عليكم جناح:
تستعمل فيما دون ذلك من أمور المعيشة اليومية كالبيع والشراء والتجارة وغيرها مما هو دون العبادات في الأهمية. بينما (لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِن رَبِّكُمْ ) هذه في التجارة ليست فى العبادة. حتى لو الدلالة واحدة وهي النفي لا بد أن يغاير بين الأدوات الموجودة العربي كان يفهم هذا الكلام وأكثر من هذا وكانوا يتكلمون بها لكنهم لا يضعوها في مكانها في كلامهم يأتوا بجمل لكن لا يمكن أن يرتبوا كلاماً بمستوى القرآن لذلك هم قالوا أي كلام بمقدار أقصر سورة في القرآن (الكوثر) هو مُعجِز لأنه كيف يجمع كل هذه الأمور وهذا الحشد البياني الهائل في هذا؟! ذكرنا سابقاً أنني أذكر أستاذاً في الأدب العربي في جامعة بغداد سأل لماذا القرآن كلام معجز مع أن العرب فهموه وهو كلامهم؟ أستاذ آخر يُدرِّس اللغة قال ألا يفهم أستاذ الأدب كلام المتنبي ويشرح مفرداته للطلاب؟ فلماذا لم يفعل مثله؟
* لم عبّر السياق بكلمة (يطوّف) بالتشديد ولم يقل يطوف؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في ذلك دليل على مزيد اعتناء بهذه الشعيرة من شعائر الحج وحثٌ على الازدياد من السعي بين الصفا والمروة والازدياد من هذا الخير كلٌ بقدر طاقته واستطاعته.
* ما الفرق بين الفاء والواو في بعض آيات القرآن العاطفة (البقرة: 262، 274، 152،184)؟( د.فاضل السامرائى)
الفاء كما هو معلوم للتعقيب مع السبب، التعقيب أي يأتي بعدها مباشرة، في عقب الشيء. أما الواو فهي لمطلق الجمع ولا يدل على ترتيب أو تعقيب . الفاء تفيد التعقيب وتأتي للسبب، سببية درس فنجح، الواو ليس فيها سبب. هذه أحد الأسباب درس فنجح.
قال تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) البقرة) (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) البقرة) لماذا قال في الأولى ومن تطوع خيراً وفي الثانية فمن تطوع؟. الأولى في الحج والعمرة ومن تطوع خيراً أي من جاء بعبادة أخرى بطواف، بحج ، بعمرة، بعبادة أخرى وليس نفس العبادة. في الآية الثانية في الصيام قال (فمن تطوع) كيف يتطوع؟ يزيد في الفدية في نفس المسألة وفي نفس الطاعة ليست طاعة مستحدثة لأن هذه فدية. كيف يتطوع أكثر؟ مكان مسكين مسكينان. تلك عبادة أخرى مستحدثة أما هذه فنفس العبادة لذا جاءت واحدة بالواو والثانية بالفاء.

الآية الأخرى (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (262) البقرة) (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (274) البقرة) لماذا جاء بالفاء في الثانية دون الأولى؟ الفاء واقعة في جواب إسم الموصول وهنا الإسم الموصول مشبّه بالشرط وإسم الموصول أحياناً يشبّه بالشرط بضوابط فتقترن الفاء في جوابه كما تقترن بجواب الشرط وكل واحدة لها معنى. مثال: الذي يدخل الدار له مكافأة والذي يدخل الدار فله مكافأة. الأولى فيها احتمالان إما أنه له مكافأة بسبب دخوله الدار كأن الدار مقفلة وهو يفتحها أي أن المكافأة مترتبة على دخول الدار وإما أن يكون للشخص الذي يدخل الدار له مكافأة بسبب آخر. إذن فيها احتمالان عندما لا تذكر الفاء. إذا ذكرت الفاء فلا بد أن المكافأة مترتبة على الدخول قطعاً وليس لأي سبب آخر وهذا تشبيه بالشرط أي أن المكافأة شرط الدخول في الدار. أيضاً هناك ملاحظة أنه في تشبيه الموصول بالشرط أحياناً يكون الغرض من ذكر الفاء هو التوكيد أي أن ما يُذكر فيه الفاء آكد مما لم يذكر كقوله تعالى (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) بدون فاء والثانية (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) زاد بالليل والنهار وسراً وعلانية أيها آكد؟ التي فيها الفاء، الآية الأولى قال فقط (ينفقون أموالهم في سبيل الله) أما الثانية فقال (بالليل والنهار سراً وعلانية) حدد أكثر. في جواب اسم الموصول احتمالين تشبيه جواب الموصول بالشرط إما أن يكون السبب بمعنى أداة الشرط وإما لزيادة التوكيد.