
-
الكافر يعزم على الكفر مهما طالت به حياته الدنيا فاستحق العذاب في حياة الآخرة
الكافر يعزم على الكفر مهما طالت به حياته الدنيا فاستحق العذاب في حياة الآخرة جزاءا وفاقا و المؤمن نيته دوام الإيمان بالله وطاعته مهما طالت به حياته الدنيا فاستحق الخلود في الجنة فضلا من الله وكرما .
وسر خلود أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، أن كلا من الفريقين كان مصرًا على ما هو عليه، فأهل الجنة كانوا مريدين الإيمان والطاعة مهما طالت بهم الحياة وامتد بهم العمر، وأهل النار كانوا مصرين على الكفر والعصيان ولو عاشوا ملايين السنين، فكان الجزاء للفريقين على الإرادة والنية، وبمقتضى هذه الإرادة والتصميم، كان الخلود، إذ أن الإيمان والكفر وما يستتبعانه من أعمال ، قد تمكن من النفس تمكنًا لا يزول .
ولقد صور القرآن هذا التمكن، فذكر أن الكفار لو رجعوا إلى الدنيا بعد معاينتهم العذاب لعادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وسوء العمل .
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ ( الأنعام : 27- 28 )
والأصل في كون الجزاء على الإرادة والنية، قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى »[1] [2].
من مات كافرًا فإنّه يستمر كافرًا أبدًا
من مات كافرًا فإنّه يستمر كافرًا أبدًا، بمعنى أنّه يبقى حتى في البرزخ والقيامة والنار جاحدًا لبعض الأشياء الذي يُعدّ جَحْدها كفرًا، ومصمِّمًا على الخلاف والمعصية لو وجد إليها سبيلًا، ولا يتوب أبدًا، وإن قال بلسانه فهو معتقد بقلبه خلاف ذلك فلذلك - والله أعلم - يخلَّد في النار... ويظهر لك هذا مما حكاه الله - عزَّ وجلَّ -عن أهل النار من دعائهم، ولا سيّما إذا قرنته بما حكاه عن أهل الجنة ،وقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ ( الأنعام: 28) ليس ذلك - والله أعلم - من باب الإخبار بالغيب فقط، بل المعنى - والله أعلم - أنهم في نفوسهم مُزْمِعون على ذلك، أي أنهم عازمون في أنفسهم أن لو رُدّوا إلى الدنيا لاستمروا على كفرهم وعنادهم. والله أعلم[3] .
ملازمة الكفر للكفار سبب في ملازمة العذاب لهم
الخلود في النار سببه الكفر ،و الحكم يدور مع سببه و علته وجوداً و عدماً ،والكفار يخلدون في النار لأن صفة الكفر ملازمة لهم فلو رجعوا للدنيا لعادوا لكفرهم فمسألة الكفر والإيمان ليست متعلقة بقضية أنهم رأوا الحق أو لم يروا الحق؛ بل هي مسألة استكبار وعناد في نفوس الكفار قال تعالى : ﴿ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُون ﴾ أي : بل ظهر لهم يوم القيامة ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءت به الرسل في الدنيا, وإن كانوا يظهرون لأتباعه خلافه. ولو فرض أن أعيدوا إلى الدنيا فأمهلوا لرجعوا إلى العناد بالكفر والتكذيب. وإنهم لكاذبون في قولهم: لو رددنا إلى الدنيا لم نكذب بآيات ربنا , وكنا من المؤمنين[4] فالله يعلم أن هؤلاء المكذبين الذين يتمنون في يوم القيامة الرجعة إلى الدنيا أنهم لو عادوا إليها لرجعوا إلى تكذيبهم وضلالهم[5] .
و قال المراغي – رحمه الله - : ( لو ردوا – أي الكفار - لعادوا لما كانوا فيه لفقد استعدادهم للإيمان، وأن حالهم بلغ مبلغا لا يؤثّر فيه كشف الغطاء و رؤية الفزع و الأهوال )[6] ، و قال أيضا : ( ﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ من الكفر والنفاق والكيد والمكر والمعاصي فإن ذلك من أنفسهم، ثابت فيها لخبث طينتهم وسوء استعدادهم، ومن ثم لا ينفعهم مشاهدة ما شاهدوا ولا سوء ما رأوا )[7] .
و قال الحجازي – رحمه الله - : ( ولو ردوا – أي الكفار - إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر والعناد وعدم الإيمان، وإنهم لقوم طبعهم الكذب وديدنهم العناد، ولو ردوا إلى الدنيا لقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا فقط وليست لنا حياة أخروية أبدا، وما نحن بمبعوثين وهكذا القوم الماديون لا يؤمنون بالغيب، ولا يرجى منهم خير أبدا )[8].
و قال الشنقيطي – رحمه الله - في شأن استمرار الكافر في النار : ( سبب هذا الاستمرار هو ملازمة الخبث لذلك الكافر دائما ، وعدم مفارقته له في أيّ حال من الأحوال ؛ فهو منطو عليه لا يزول، وباستمرار السبب الذي هو الخبث استمر المسبب الذي هو العذاب. والدليل على استمرار خبثه: قوله تعالى : ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ ؛ فبديمومة السبب الذي هو الكفر دام المسبب الذي هو العذاب )[9] .
وقال ابن القيم – رحمه الله - : ( سبب التعذيب لا يزول إلا إذا كان السبب عارضا كمعاصي الموحدين أما إذا كان لازما كالكفر والشرك فان أثره لا يزول كما لا يزول السبب وقد أشار سبحانه إلى هذه المعنى بعينه في مواضع من كتابه منها قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ فهذا إخبار بأن نفوسهم وطبائعهم لا تقتضي غير الكفر والشرك وإنها غير قابلة للإيمان أصلا ومنها قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ فأخبر سبحانه أن ضلالهم وعماهم عن الهدى دائم لا يزول حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل وإذا كان العمى والضلال لا يفارقهم فإن موجبه وأثره ومقتضاه لا يفارقهم ومنها قوله تعالى : ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ وهذا يدل على أنه ليس فيهم خير يقتضي الرحمة ولو كان فيهم خير لما ضيع عليهم أثره )[10].
هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
مراجع المقال :
آثَار الشّيخ العَلّامَة عَبْد الرّحمن بْن يحْيَي المُعَلّمِيّ اليَماني
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
التفسير الميسر
العقائد الإسلامية لسيد سابق
القضاء والقدر لعمر الأشقر
تفسير السعدي
تفسير المراغي
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم
رسالة التوحيد المسمى بـ تقوية الإيمان للدهلوي
زهرة التفاسير
غاية المرام في علم الكلام للآمدي
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود للشنقيطي
[1]- رواه البخاري في صحيحه رقم 1
[2] - العقائد الإسلامية لسيد سابق ص 307-308
[3] - آثَار الشّيخ العَلّامَة عَبْد الرّحمن بْن يحْيَي المُعَلّمِيّ اليَماني 24/98
[4] - التفسير الميسر
[5] - القضاء والقدر لعمر الأشقر ص 27
[6] - تفسير المراغي 7/100
[7] - تفسير المراغي 7/102
[8] - التفسير الواضح للدكتور محمد محمود حجازي ص 602
[9] - معارج الصعود إلى تفسير سورة هود للشنقيطي ص 258
[10] - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم ص 368-369
طبيب
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة يا رب اهدنى في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 18
آخر مشاركة: 17-02-2018, 11:50 AM
-
بواسطة صاحب القرآن في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 12-09-2014, 11:55 PM
-
بواسطة بن حلبية في المنتدى دراسات حول الكتاب المقدس والنصرانية للأستاذ بن حلبية
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 23-01-2012, 08:50 PM
-
بواسطة شهاب الدين من أجل نصر الرسول في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 15-11-2009, 05:55 PM
-
بواسطة wela في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 24-08-2007, 06:26 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات