؛ فإذا كانت إجاباتهم كلها ب"نعم"،فهم يحبونه بالفعل،أما إن كانت الإجابة على بعض الأسئلة ب"لا" فهم محتاجون إلى أن يراجعوا أنفسهم ، وإعادة النظر في طريقة حبهم له صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت إجاباتهم كلها ب"نعم" وشعروا برغبة شديدة في رؤيته صلى الله عليه وسلم في الدنيا،فيمكن أن نروي لهم هذه القصة اللطيفة؛مع توضيح أن رؤيته- بشكل عام- فضلٌ من الله، وعطيَّة يهبها لمن يشاء من عباده المؤمنين:
( جاء تلميذ إلى أستاذه وقال:" علمت أنك ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤياك" ،فقال الأستاذ:" فماذا تريد يا بني؟" قال :" علِّمني كيف أراه"،فإني في شوق إلى رؤياه،فقال له:" فأنت مدعو لتناول العشاء معي هذه الليلة لأعلمك كيف تراه صلى الله عليه وسلم"
وذهب التلميذ لأستاذه الذي أكثر له من الملح في الطعام، ومنع عنه الماء،فطلب التلميذ الماء ،فمنعه الأستاذ ،بل أصر على أن يزيده من الطعام،ثم قال له:" نَم وإذا استيقظت قبل الفجر فسأعلمك كيف ترى النبي صلى الله عليه وسلم"،فبات التلميذ يتلوى من شدة العطش والظمأ، فقال له أستاذه حين استيقظ:"أي بني قبل أن أعلمك كيف تراه أسألك:"هل رأيت الليلة شيئا؟" قال :" نعم"،قال له" ما رأيت؟" ،فقال:" رأيت الأمطار تمطر،والأنهار تجري والبحار تسير" فقال الأستاذ:" صدقت نيتك فصدقت رؤيتك ، ولو صدقت محبتك لرأيت رسول الله!!!")(44)

ومن الأمور بالغة الأهمية أن نوضح لهم الفرق بين أن نحبه صلى الله عليه وسلم وبين أن نغالي ونتعدى الحد،فمن أراد أن يُرضي الله بحب النبي صلى الله عليه وسلم فعليه أن يحبه كما أراد الله ورسوله، وليس كما يوافق هواه !!!
(ومن منطلق أن حبه صلى الله عليه وسلم عبادة،فإن العبادة يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى ،كما يجب أن تكون على طريقة رسول الله ، وإذا خرجت عن هذين الشرطين،صارت بدعة،ومن ثم فهي مردودة على صاحبها،فقد قال تعالى" اليومَ أكملتُ لكُم دينَكم وأتممتُ عليكُم نعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلامَ دينا"،فقد تم الدين ولم يترك شيئاً لم يتحدث عنه،وما ارتضاه الله تعالى لنا لا ينبغي أن نغيره،فقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أشد حباً له ، ولكنهم لم يكونوا يفعلون محرماً من أجله صلى الله عليه وسلم؛ فكانوا لا يقومون إليه حين يأتيهم،كما يقوم الأعاجم الكفار لملوكهم ؛ وكانوا لا يبالغون في إطراءه حين نهاهم عن ذلك قائلاً :" لا تُطْروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم،فإنما أنا عبدٌ لله ، قولوا: "عبد الله ورسوله"
وحين جاءه صلى الله عليه وسلم رجل فراجعه في بعض الكلام،فقال:
" ما شاء الله وشئت"،فقال له:" أجعلتَني مع الله نداً؟‍ " بل قل:" ما شاء الله "
فلا ينبغي أن نُغضب الله سواء بالمغالاة في مدحه- صلى الله عليه وسلم- بان نرفعه فوق قدره ، أو بمجافاته صلى الله عليه وسلم بالعقل أو القلب... ولكن علينا بالوسطية، وهي التزام السنة)(45) ، (46)
ومن ثم فعلينا أن نعلم أطفالنا مثلاً أنه لا يجوز الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم،أو الاستجارة به بعد وفاته،لأنه لا يملك لنا شيئا، كما لا ينبغي أن نفعل كما يفعل البعض عند قبره الشريف من رفع الصوت لأن الله تعالى يقول:" لا ترفعوا أصواتَكم فوقَ صوتِ النبي ولا تجهروا له بالقول كجهرِ بعضكم لبعض أن تحبَط أعمالَكم وأنتم لا تشعرون"(الحجرات-2)، ولا ينبغي أن ندعو أمام قبره ونحن ننظر إلى القبر،والصحيح أن ندعو ونحن متوجهون للقبلة ،أما المباح من القول ونحن ننظر للقبر ،فالسلام عليه والإكثار من الصلاة عليه.

كما ينبغي أن نتحدث معه عن بعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة التي شاعت بين الناس،مثل" من حج ولم يزرنى فقد جفاني" و "من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى "و" رأيت ليلة أُسري بي مكتوباً على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله..."

من تجارب الأمهات:

* كانت الأم تحكي لطفلها منذ نعومة أظفاره سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف كان خَلقَه وخَلُقه،ولما بلغ العاشرة من عمره أكرمه الله تعالى بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم، ولما عاد قال لها :" إني أحب الرسول جداً وأتمنى رؤيته،ومقابلته في الجنة ؛ ولكني لا أحبه أن يكون ملتحياً؛ فأنا أفضله بدون لحية! فكان على الأم أن تتصرف بلباقة فقالت له:" أنا متأكدة يا بني أنك حين تراه ستحبه أكثر بكثير،سواء كان ملتحياً أم لا"،ولكنه أصر قائلاً:"لا، أنا أحبه بدون اللحية"،فقالت له الأم :" هل تعلم لماذا كان يربي الرسول لحيته؟" قال "لا"،فقالت له:" لأن اليهود كانوا يحلقون اللحية،ويعفون الشارب، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يخالفهم...أم أنك كنت تفضل أن نتشبه بهؤلاء القوم؟!" فرد على الفور:" لا، لا يصح أن نتشبه بهم أبداً" وانتهى الحوار، ولم يعد يتكلم في هذا الموضوع أبداً.

** وكانت أم أخرى تعاني من أن أصحاب ابنها من الجيران والزملاء لا يلتزمون بالأخلاق التي ربته عليها،مما تسبب له في إحباط وعدم ثقة في تلك الأخلاق؛ لأنه لا يريد أن يشذ عن أصدقاءه وزملاءه،فقررت الأم أن تدعو مجموعة من هؤلاء الأصحاب في الإجازة الصيفية ليلعبوا معه بمختلف الألعاب التي لديه ، وفي نهاية الجلسة كانت تقدم لهم بعض الفطائر والعصائر أو المرطبات وتجلس معهم لتحكي قصصاً عن خُلُق معين من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم مع توضيح فائدة الالتزام بهذا الخُلُق ، وكانوا هم يقاطعونها أحياناً ليكملوا حديثها،فكانت تتركهم يتكلمون- لأن ذلك يسعدهم- ثم تكمل حديثها؛ وكانت تكتفي بالحديث عن خُلُق واحد في كل مرة ...حتى شعرت في نهاية الإجازة بتطور ملحوظ في سلوكياتهم جميعاً،وفي طريقة حديثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*** وكانت أم ثالثة تحكي لأطفالها عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وطباعه، و كيف كان يفكر، وكيف كان يحل شتى أنواع المشكلات،حتى اطمأنت أنهم قد فهموا ذلك جيداً،فصارت بعد ذلك كلما مر أحدهم بمشكلة جمعتهم وسألت:" تُرى كيف كان سيحلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"
ثم تكافىء من يقدِّم الحل الصحيح...فكانت بذلك تعلمهم كيف يطبقون هَديَه صلى الله عليه وسلم في حياتهم بطريقة عملية متجددة، حتى يعتادوا ذلك في الكِبَر ، ويعتادوا أيضا مشاركة بعضهم البعض في حل مشكلاتهم.

وختاماً، فما هذه العجالة-التي أرجو أن ينفع الله تعالى بها- إلا نقطة بداية يمكن أن ينطلق منها الوالدان والمربون ليعينوا أبناءهم على محبته صلى الله عليه وسلم-بعد التأكد من صحة ما يقولون- كما يمكن اتباع نفس الطريقة لغرس محبة صحابة رسول الله - رضوان الله عليهم- في قلوب أطفالنا؛ وبالله التوفيق،وعليه التُكْلان ، والحمد لله رب العالمين.

================
المصادر
1- فضيلة الشيخ محمد حسان. الشفاعة:خطبة مكتوبة،ومتاحة على موقع www.alminbar.com
2- فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد. لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ درس مسجل على موقع www.islamway.com
3 - سعيد عبد العظيم.خير الكلام في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإسكندرية: دارالإيمان،2001 ، ص 5
4-علاء داود. كيف نعلم أبناءنا حب الرسول؟ مقال في باب"حواء وآدم"،على موقع ص1 www.islam-online.net
5- تفسير الجلالين؛ وفضيلة الشيخ عبد الله النوري في كتابه " سألوني في التفسير"، منشورات ذات السلاسل، ص 116 ،الكويت،1986
6- الداعية الإسلامي الأستاذ عمرو خالد . الرسول صلى الله عليه وسلم : محاضرة على موقعه
ضمن سلسلة"دروس أخرى" www.forislam.com
7- علاء داود.كيف نعلم أبناءنا...، والأستاذ عمرو خالد. الرسول صلى الله عليه وسلم.
8- خيرية صابر.الأم قدوة متحركة في أرجاء البيت،مقالة على الموقع:
http://islamweb.net/pls/iweb/misc1.article=12695&thelan g=A
9- فضيلة الشيخ محمد حسان.الشفاعة.
10 –الداعية الإسلامي الأستاذ عمرو خالد .محبة النبي، شريط من إنتاج شركة النور للإنتاج الإعلامي والتوزيع بالقاهرة .تليفون 7604773
11-علاء داود ، كيف نعلم أبناءنا.
12- محمد سعيد مرسي- فن تربية الأولاد في الإسلام،القاهرة، دار التوزيع والنشر الإسلامية،1998- ص47
13- فضيلة الشيخ إبراهيم الدويش. توجيهات وأفكار في تربية الصغار: مقالة متاحة على الموقع
www.islammemo.com/lessons
14- محبة الرسول صلىالله عليه وسلم مقالة متاحة على موقع: www.islamweb.net ، ص3
15- سعيد عبد العظيم،خير الكلام.. ص5
16- خيرية صابر، الأم قدوة...
17 - أ. د. عبد الغني عبود.طفلك هبة الله لك.- القاهرة: سفير،1997 .
18- من شريط كاسيت أركان الإسلام إنتاج شركة"سفير"،والكلمات للشاعر صلاح عفيفي)
19- خالد محمد خالد . إنسانيات محمد،القاهرة، دار المعارف1998 ،ص14
20- المصدر السابق،ص338،وص33-16
21-المصدر السابق ،ص 57
22- محمد سعيد مرسي . فن تربية الأولاد.. ص48
23-المصدر السابق- ص59
24-المصدر السابق-ص37
25 - المصدر السابق -ص 50-51
26 – المصدر السابق،ص69.
27- المصدر السابق،ص59
28-المصدر السابق،ص64
29- نفس المصدر السابق والصفحة.
30- أبو بكر جابر الجزائري.هذا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محب.المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم،2000 م ، ص 339
31- مقالة منشورة في باب:" لطائف" ؛ على موقع فور إسلام www.forislam.com
32- أبو بكر الجزائري.هذا الحبيب محمد ،ص340-341
33-المصدر السابق ،ص341-342
34-المصدر السابق،ص342-343
35- الداعية الإسلامي الأستاذ عمرو خالد.محمد صلى الله عليه وسلم .
36- خالد محمد خالد.إنسانيات محمد،ص15
37-المصدر السابق، ص 126-127
38-المصدر السابق،ص119
39- محمد سعيد مرسي.فن تربية الأولاد.ص402
40- أبو الحسن الندوي- سيرة خاتم النبيين للأطفال، القاهرة- دار الكلمة1998،
41- د. خالد أبو شادي. وا شوقاه رسول الله ،القاهرة: دار الراية،2002 م ،ص 13 .
42- خالد محمد خالد، إنسانيات محمد، ص 108-109
43- د.خالد أبو شادي، واشوقاه...ص13
44- المصدر السابق،ص18
45- فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد .لماذا نحب...
46- فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي . أسماء الله الحسنى :
محاضرات متاحة على قرص مضغوط من إنتاج شركة أريب: درس إسم الله "البديع"