-
وأما صوم عاشوراء فهو لم يفعله توددا إليهم، وإلا ما قال إن المسلمين أحق بصيامه منهم، وإن موسى لو كان حيًّا ماوسعه إلا اتباعه، وهو كلام يعبر بكل وضوح وحسم عن لامبالاته بهم: "لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيما له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أولى بموسى منكم. ثم أمر بصومه"، "والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا اتباعي". كذلك فالقرآن يعجّ فى المرحلة المكية بالهجوم على اليهود ويفضح خزيهم، فكيف يقول الكاتب إن الرسول بدأ حياته فى يثرب بالتودد إليهم؟ ترى ما الذى كان يمثله اليهود للنبى عليه الصلاة والسلام حتى يقال إنه كان يتودد إليهم؟
كذلك فالزعم بأنه صلى الله عليه وسلم جرى فى إثرهم وحرّم لحم الخنزير كما يحرمونه هو كذب مفضوح، إذ إن تحريم الخنزير يرجع إلى ما قبل الهجرة، أى قبل اتصاله عليه السلام باليهود كما يدَّعِى الكاتب. وها هى ذى آيات سورتى "الأنعام" و"النحل" على التوالى تقول ذلك بلسان واضح لا يحتمل لبسا ولا شرحا، وهى من الوحى المكى: "قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آَبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148)"، "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)". وغنىٌّ عن البيان أن القرآن قد أعلن أنه لا يوافق على ما يحرّمه اليهود على أنفسهم مما لم ينزل بتحريمه نص سماوى، بل يوافق فقط على ما حرمه الله سبحانه عليهم. أقول هذا لأن الكاتب يزعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان فى بداية هجرته إلى المدينة يحرم ما يحرمه اليهود، لكنه انقلب عليهم حين وجد منهم عنادا ورفضا لنبوته. وهذا كله غير صحيح البتة.
وبعد عدة فقرات سوف يعود الكاتب إلى هذا الموضوع فيزعم مرة أخرى أن الرسول قد استعار كثيرا من شعائر اليهودية وتشريعاتها، ثم يحيل القارئ إلى القرآن للتأكد من صدق ما يقول، لكن دون تحديد سورة أو آية معينة، بل القرآن بإطلاق. وهو يفعل هذا بثقة يُحْسَد عليها وكأن القرآن يقول فعلا إن الرسول كان يأخذ من اليهود أشياء يضعها فى دينه ثم يزعم أنها من عند الله! ومع هذا فنحن نوافقه على أن كثيرا من الروايات اليهودية قد تسربت فيما بعد إلى الكتابات الإسلامية عن طريق اليهود الذين اعتنقوا الإسلام، وهو ما يسمى بـ"الإسرائيليات"، فلا أحد يُشَاحّ فى هذا. إلا أن علماء المسلمين يقفون لمثل تلك الروايات بالمرصاد فينصّون عليها ويوصون بإهمالها. على أنه لا بد من التنبيه رغم هذا إلى أن الإسلام لا يمكن أن يخالف العهد القديم فى كل شىء، إذ لم يقل أحد إنه لم يبق فى ذلك الكتاب شىء على أصله السماوى. وما دام الإسلام هو من عند الله فلا بد أن تكون هناك أشياء مشتركة بين الديانتين، وهى الأشياء التى لم تمتد إليها يد التحريف من جهة، ولم تُنْسَخ فى شريعتنا من جهة أخرى.
كذلك تحدث الكاتب عن السبت فقال، ويا ليته ما قال، إن الرسول اعترض على مراعاة اليهود ليوم السبت. والحقيقة أن القرآن، على العكس، قد شن عليهم حملة تفضح نفاقهم ومراوغتهم وعدم التزامهم بحرمة السبت، وكان ذلك منذ المرحلة المكية. أقول هذا حتى لا يسارع الكاتب إلى الزعم كالعادة بأن الرسول إنما فعل ذلك ردا على كفر اليهود برسالته. وها هى ذى النصوص المكية تقول ذلك بأجلى بيان: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الامِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الارْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الادْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الاخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)" (الأعراف)، "إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" (النحل/ 124). صحيح أنه عليه السلام حين اختار يوما أسبوعيا للمسلمين قد اختار الجمعة، لكن هذه مسألة أخرى.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة *اسلامي عزي* في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 25-01-2017, 09:27 PM
-
بواسطة Ahmed_Negm في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 06-10-2014, 01:27 AM
-
بواسطة نعيم الزايدي في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 28-12-2011, 12:00 PM
-
بواسطة منارة الاسلام في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 07-08-2010, 11:34 PM
-
بواسطة نعيم الزايدي في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 25-06-2010, 06:18 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات