

-
وصايا النبي بهن
بالإضافة إلى نصوص القرآن الكريم نجد عشرات الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة فى الإحسان إلى النساء والرفق بهن. وقد تقدم بعض هذه الأحاديث فى النهى عن قتلهن, وفى فريضة البر بالأمهات والجدات والبنات والأخوات وغيرهن من ذوات القرابة. ونضيف هنا أحاديث أخرى منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»؛ رواه الترمذي وصَحَّحه عن السيدة عائشة وهو فى "نيل الأوطار"(9). وهناك أيضًا قوله - عليه السلام -: «خياركم خياركم لنسائهم»؛ رواه أحمد والترمذى. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - القدوة الحَسَنة في معاشرة الزوجات والتلطُّف معهن والرفق بهن، ولا عجب فهو الذى وصفه ربه قائلاً: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم: 4] وأخرج البخاري ومسلم عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خُلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا». وهذا لفظ البخارى، أمَّا مسلم فإن عنده إضافةً هى: «فإن استمتعت بها استمعت بها وبها عِوَج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها». وكما نرى فإن الحديث تضمَّن النهى عن إيذاء الجار، ثم أوصى - صلى الله عليه وسلم - بالنساء مرتين في ذات الحديث. لاحظ تكرار عبارة: «استوصوا بالنساء» في حديث واحد ! .
يقول الإمام الصنعانى تعليقًا على هذا الحديث: "الحديث فيه الأمر بالوصية بالنساء, والاحتمال لهن والصبر على عِوَج أخلاقهن"(10). وهناك حديث للبخارى قال فيه - عليه السلام -: «إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً» وعلل البخاري الحديث - ذكر سببَه - في ترجمة الباب تحت عنوان: (باب لا يطرق الرجل أهله ليلاً إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخوَّنهم أو يلتمس عثراتهم). وقال الصنعانى: لأن الريبة تغلب فى الليل وتندر فى النهار"(11). وروى أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قلت يا رسول الله ما حقُّ زوج أحدنا عليه؟ قال - عليه السلام -: «تُطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تُقبِّح، ولا تهجر إلا فى البيت». ويقول الإمام الصنعانى هنا: "دلَّ على وجوب نفقة الزوجة عليه، وألاَّ يختص بالطعام والنفقة دون زوجته، ومثله القول فى الكسوة", وفى الحديث دليلٌ على جواز الضرب تأديبًا، إلا أنه منهى عن ضرب الوجه للزوجة وغيرها، وقوله: «لا تُقبِّح»؛ أي: لا تسمعها ما تكره وتقول: قبَّحك الله ونحوه من الكلام الجافى"(12). وهناك حديث عند البخارى ومسلم: قال صلى الله عليه وسلم لغلامه الحادي: «يا أنجشة رويدك سَوْقًا بالقوارير». قال المازرى: "قوله «سوقًا بالقوارير» شبههن بها لضعف عزائمهن ، والقوارير يُسرع إليها الكسر، وجاء فى كتاب "المعلم بفوائد مسلم": لا تكسر القوارير؛ يعنى: ضعفة النساء؛ أي: الضعاف من النساء"(13). ورويدك كلمة تقال حثًّا على التمهُّل والتأني في السير؛ رفقًا بمن معه من النساء.
ويعد الإسلام الرجل بأجر عظيم إذا أنفق على إمرأته وعياله. روى البخارى عن أبى مسعود الأنصارى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة». وفى حديث آخر عند البخارى أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى سعد ابن أبى وقاص - رضي الله عنه - عن التصدُّق بماله كله ونهاه عن التصدق بنصفه، فلما طلب سعد أن يوصى - وكان مريضًا - بثلث ماله قال له - صلى الله عليه وسلم -: «الثلث والثلث كثير, أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفَّفون الناس في أيديهم, ومهما أنفقت فهو لك صدقة، حتى اللقمة ترفعها فى في- فم- امرأتك , ولعل الله يرفعك, ينتفع بك ناس ويُضَّرُ بك آخرون». والشاهد هنا هو إخباره صلى الله عليه وسلم أن المسلم له ثواب الصدقة حتى ما كان منها إطعامًا لزوجته, فالله يثيبه حتى على اللقمة الصغيرة من الطعام التى يضعها فى فم امرأته. ويجعل الإسلام ثواب الدينار الذي ينفقه الرجل على أهله - زوجته وأمه وأولاده وبناته - أعظم من ثواب الدينار الذي ينفقه صدقة على الفقراء والمساكين أو الدينار الذي ينفقه في سبيل الله. و نص الحديث موجود في "صحيح الإمام مسلم".
ويبلغ الإسلام بإطعام الأرامل والمساكين ورعايتهم والقيام على مصالحهم أعلى درجات الأجر تمامًا كأجر المقاتل فى سبيل الله, أو العابد الذى لا يتوقَّف عن العبادات كالصلاة والصيام طوال الليل والنهار أى عمره كله. روى البخاري وغيره عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله, أو القائم الليل الصائم النهار». ويتضاعف الأجر إن كانت الأرملة أوالمسكينة من ذوى القربى؛ إذ ينال راعيهما أجر الجهاد برعايتهما بالإضافة إلى أجر صلة الرحم. والأجر العظيم - أجر الجهاد فى سبيل الله - يناله أيضًا مَن يرعى زوجات المقاتلين وأطفالهم أثناء غيابهم فى ساحات الحروب. روى أبو داود عن زيد بن خالد الجُهَنى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «مَن جهَّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا, ومَن خَلَفَه في أهله بخير فقد غزا», وأهل المقاتل فى سبيل الله هم زوجته وعياله.
وامتدح النبي - صلى الله عليه وسلم - الزوجة الصالحة. روى أبو داود أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر - رضي الله عنه - في حديث طويل كان آخره: «ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرَّته, وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته», فهل هناك وصف للمرأة الصالحة أجمل من أن يسميها النبي كنزًا أي: أغلى ما يملكه المسلم؟!
وأخيرًا, فقد كَرَّم الإسلام المرأة تكريمًا - بل لعله تدليل لها - حين أباح لها التمتُّع بلبس الحرير والتحلى بالذهب ، ونهى الرجال عنهما وعن التعطُّر بالزعفران الذي هو مباح للمرأة بدوره. وأحاديث تحريم الذهب والحرير والزعفران على الرجال عند البخاري ومسلم. ونختار هنا رواية أبى داود عن على بن أبى طالب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريرًا فجعله فى يمينه وأخذ ذهبًا فجعله فى شماله ثم قال: «هذان حرام على ذكور أمتي». وفى حديث عند البخارى أنه نهى الرجل عن عطر الزعفران.
وروى أحمد والنسائى والترمذى وصحَّحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «أُحِلَّ الذهب والحرير للإناث من أمتى وحُرِّم على ذكورها».
الحق في التعليم
إذا كان الإسلام هو دين العلم فإن طلب العلم حقٌّ بل واجب على كل مسلم ومسلمة. ونصوص القرآن الكريم التى حثَّت على العلم عامَّة للجميع بلا تفرقة بين ذكر وأنثى. وأوَّل كلمة نزلت من القرآن هى :(اقرأ) والله - تعالى - هو {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 4- 5]. ولفظ "الإنسان" هنا يشمل الذكور والإناث معًا, كما يشملهم قوله - تعالى - في موضع آخر {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. وكذلك تدخل النساء مع الرجال فى عموم مَن يرفعهم الله بالعلم والإيمان : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
وقد وردت أحاديث صحيحة صريحة فى وجوب طلب العلم على النساء كوجوبه على الرجال ، و من ذلك قوله عليه السلام: « طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة » رواه ابن ماجه فى المقدمة كما رواه البغوى فى "شرح السُنَّة".
وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - خصَّص يومًا للنساء يُعلِّمهنَّ فيه أحكام الإسلام كما يُعلِّم الرجال. وقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه -: "قالت النساء للنبى - صلى الله عليه وسلم -: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك , فوعدهن يومًا لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: «ما منكنَّ امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار», فقالت امرأة: واثنتين ؟ قال: «واثنتين» , وفى رواية عن أبى هريرة عند البخارى أيضًا: «ثلاثة لم يبلغوا الحنث»؛ أي: مَن يموت لها ثلاثة من الأطفال أو اثنان لم يبلغا سن الإدراك والتكاليف الشرعية، فإن ذلك يكون سببًا لنجاتها من النار - إن صبرت - ودخولها الجنَّة إن هي احتسبت , ورضيت بقضاء الله وقدره. وروى البخاري أيضًا تحت عنوان: (باب عظة الإمام النساء وتعليمهن) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أشهد على النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج ومعه بلال فظنَّ أنه لم يُسمع - ظن أن النساء لم يسمعنه من قبل - فوعظهن وأمرهن بالصدقة, فجعلت المرأة تلقى القرط والخاتم - الحلي والجواهر - وبلال يأخذ فى ثوبه"؛ أي: يجمع تلك الصدقات لتوزيعها فيما بعدُ على الفقراء والمساكين. وروى البخاري أيضًا تحت عنوان: (تعليم الرجل أمته وأهله - زوجته -) حديثًا عن مضاعفة الأجر لمن يعلم جاريته أو زوجته , ونصَّ الحديث عن أبى موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ثلاثة لهم أجران , رجل من أهل الكتاب آمن بنبيِّه وأمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والعبد المملوك إذا أدَّى حق الله وحق مواليه , ورجل كانت عنده أمَة فأدَّبها فأحسن تأديبها , وعلَّمها فأحسن تعليمها, ثم أعتقها فتزوجها فله أجران».
ونلاحظ هنا حثَّ الإسلام على تعليم النساء , وكذلك حثَّه على عتق الجوارى والترغيب فى الزواج بهن أيضًا.
فماذا يمكن أن تحلم به أية جارية أكثر من التعليم والعتق والزواج والأمومة وتكوين أسرة سعيدة ؟! وهل يمكن أن يقدم لها أي نظام أو تشريع آخر أفضل من هذا ؟!
وأورد ابن سعد فى الطبقات أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر الشفاء بنت عبد الله أن تُعلم السيدة حفصة كيفية الرُقية, وروى آخرون أنه أمر الشفاء العدوية أن تعلِّم السيدة حفصة رضي الله عنها تحسين الخط وتزيينه. وكانت حفصة تجيد القراءة والكتابة ، وكذلك السيدة أم سلمة - رضي الله عنها - وروت السيدة عائشة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ألفى حديث , وكان أكابر الصحابة من الرجال يسألونها ويتعلمون منها.
وقد تفوَّقت كثيرات من نساء الصحابة والتابعين والأجيال المتتابعة فى علوم الدين والدنيا. وكتب السير والتراجم مليئة بآلاف من أسمائهن. وشهد لهن كبار علماء السلف بالعلم والدقة والصدق. قال الحافظ الذهبى - رضي الله عنه - في مقدمة كتابه "الميزان": "لم يُؤثر عن امرأة أنها كذبت فى حديث". وقال الإمام الشوكانى - رضي الله عنه -: "لم يُنقل عن أحد من العلماء أنه ردَّ خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سُنَّة تلقَّتها الأُمَّة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا يُنكره مَن له نصيب من علم السُّنَّة"(14). وكانت السيدة رُفيدة الأسلمية على علم بالطب والجراحة, وأذن لها النبى - صلى الله عليه وسلم - باتِّخاذ خيمة في مسجده لعلاج جرحى الغزوات، ومنهم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - الذي أصيب بجراح خطيرة فى غزوة الخندق، فأمر الرسول - عليه السلام - بنقله إلى خيمة السيدة رُفيدة - عيادتها الطبية - لعلاجه، لكن قضاء الله سبق كل جهودها، واستشهد - رضي الله عنه - داخل عيادتها بعد قليل. وخبر نقل سعد إلى خيمة رُفيدة لعلاجه أورده الإمام الذهبى فى ترجمته لسعد بن معاذ رضي الله عنه (15). وكانت السيدة نفيسة - رضي الله عنها - عالمة من مشاهير علماء أهل البيت - رضي الله عنهم - وأثنى عليها الإمام الشافعى - رضي الله عنه - وذكر أنه تلقَّى عنها كثيرًا من العلوم الشرعية ، وكانت تُلَقَّب بـ "نفيسة العلوم" لغزارة علمها وحدة ذكائها. وكانت أم عطية الأنصارية قابلة وخاتنة بالمدينة ، أي طبيبة أمراض نساء وولادة بلغة عصرنا، وبرعت في ذلك حتى أنه لا يُعرف بالمدينة غيرها فى وقتها. ولم يجد كبار علماء الإسلام - على مرِّ العصور - غضاضة فى ذكر أسماء من تلقَّوا العلم عنهن من عالمات السلف. ويمكن الرجوع إلى كتب التراجم والسير والتاريخ للاطلاع على المزيد من سيرهن, وما قدمن من أعمال علمية جليلة لحفظ وتدريس العلوم الشرعية - رضي الله عن الجميع.
وحتى في عصرنا الحديث يعمر العالم الإسلامى بعشرات الملايين من الطبيبات والمُدَرِّسات والمهندسات والعالمات المسلمات فى كل فروع العلوم الدينية والدنيوية.
ونؤكِّد أن المجتمعات الإسلامية بحاجة ماسَّة إلى المزيد منهن فى كل التخصُّصات. فنحن بحاجة إلى الطبيبات لعلاج بنات جنسهن، ونحن أيضًا بحاجة إلى مَن يقمن بالتدريس لبنات جنسهن فى مختلف فروع المعرفة الإسلامية والإنسانية والعلوم الطبيعية. وخروج المرأة لطلب العلم قال عنه ابن حزم - رضي الله عنه -: "النِفَار – الخروج - لطلب العلم والفقه فى الدين واجبٌ عليهن كوجوبه على الرجال ، ففرض على كل إمرأة التفقُّه في كل ما يخصُّها؛ كأحكام الطهارة, والصلاة, والصوم, والحج, والزكاة, وما يحلُّ وما يحرم من الأكل والشراب والملابس وغير ذلك"(16).
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة أُم عبد الله في المنتدى شبهات حول المرأة في الإسلام
مشاركات: 21
آخر مشاركة: 05-08-2014, 04:13 PM
-
بواسطة ismael-y في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 10-03-2007, 04:24 PM
-
بواسطة ismael-y في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 10-03-2007, 04:24 PM
-
بواسطة ismael-y في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 6
آخر مشاركة: 27-12-2006, 11:31 PM
-
بواسطة المهتدي بالله في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 12-03-2006, 02:24 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات