المبحث الثالث
بين هجرة المسلمين وهجرة اليهود

نقارن هنا بين هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة قديماً وبين هجرة اليهود من بلاد كثيرة إلى الأراضي الفلسطينية الطاهرة حديثاً، وتتركز المقارنة هنا
في أمر يلتقي فيه المسلمون واليهود، وأمور يفترقون عندها
.
فأما الذي يلتقون فيه فهو أن الدافع للهجرة كان عقدياً دينياً، فالمسلمون هاجروا من أجل إقامة دين جديد في بلد آمن.
وهاجر اليهود من أوروبا وأميركا وآسيا وأفريقيا مقررين أن يتركوا أرضهم ولغتهم ويحترموا اللغة العبرية من أجل إقامة مملكة الله
أو دولة إسرائيل فكلتا الهجرتين باسم الدين والعقيدة
.
أما الأمور التي يختلفون فيها فهي:
1 ـ أن هجرة المسلمين كانت بوحي من الله سبحانه وتعالى، وكانت الأسباب من صنعهم وبرغبتهم وتطلعهم إلى ثواب الله.
أي أنها كانت تخطيطا وتدبيرا محكما لا يعفى فيه المسلمون من الجد، والتخطيط اتكالا على نصر يتقاطر عليهم من السماء
.
أما هجرة اليهود فقد دبرها لهم غيرهم ومهد لها الانتداب البريطاني على فلسطين
·
2 ـ أن وصف المسلمين الذين تركوا مكة إلى المدينة يمكن أن نطلق عليهم بتعبيرنا العصري أنهم (مغامرون) لأنه لم يكن لهم على ظهر الأرض من نصير،
فقد كانت الدنيا كلها ضدهم: مشركون ونصارى ويهود أما المشركون فلأن القرآن عاب الأصنام وحقر الأوثان وهدم تقاليد الجاهلية
وأما المسيحية فإن الإسلام كان في مكة ينكر بحرارة أن يكون لله ولد، وذلك في سورة الكهف ومريم وغيرهما من السور المكية
وأما اليهود ـ وهم عدو ثالث ـ فإن القرآن لم يترك من أمرهم شيئاً، فقد فضح عقائدهم وعرى صفاتهم الخبيثة المتعددة
فلم يكن بد لهؤلاء جميعاً ـ وقد عالنهم القرآن بصفاتهم وخباياهم ـ أن يغتاظوا ويغضبوا ويزداد كرههم للإسلام وحقدهم للمسلمين،
ومن هنا لم يكن للمسلمين في الهجرة يد تحميهم إلا يد الله، ولا كنف يأوون إليه إلا كنف الله· من ناحية أخرى كانت الجماعة المسلمة
في ذلك الوقت ضعيفة من حيث العدد والعدة، وكان أعداؤهم يملكون عناصر القوة وأسباب الاضطهاد ورغم ذلك فقد نجحوا
في بناء مدينة تأتي دونها في الوصف المدينة الفاضلة التي تعشقها الفلاسفة وتخيلوا فيها الكمال وأثبتوا أن الإيمان الناضج يحيل البشر إلى
خلائق تباهي الملائكة سناء ونضارة· بينما كانت حال اليهود مباينة لذلك من كل جانب فلقد تعهدت إنجلترا - الدولة الأولى
في العالم يومئذ - ما بين عامي 1971 - 1984 أن تكيف الظروف في فلسطين لا ستقبالهم وكان الحاكم الإنجليزي في فلسطين يذل العرب
ويعطش أرضهم حتى لا ينبت فيها زرع فيبيعها الفلسطينيون بأبخس ثمن أو بأغلاه، ولم تتعهد إنجلترا وحدها بذلك إنما تولى إصر ذلك معها أميركا وروسيا وفرنسا،
كذلك ملوك العرب بخيانتهم وخذلانهم·
يقول بنيامين نتنياهوـ رئيس وزراء إسرائيل عام
1996م ـ في كتابه(مكان تحت الشمس) الذي ترجمه للعربية محمد عوده الدويري وراجعته كلثوم السعدي، ونشرته دار الجيل، عمان، الطبعة الثالثة، 1997م، ص 363:
تحت عنوان [استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين هو الذي يحقق حلم مؤسسي الحركة الصهيونية].
(إن تاريخ الصهيونية هو تاريخ هجرة اليهود إلى"أرض إسرائيل" وهذا هو العنصر الذي سيحسم مستقبل الدولة السكاني؛ لذا فإن المفتاح لمستقبل الدولة
والحل لكافة مشاكلها السكانية يكمنان في استمرار هجرة اليهود إلى إسرائيل حتى تصبح مأوى للجماهير اليهودية التي شاهدها مؤسسو الحركة الصهيونية
في أحلامهم، ولذا فإن النضال من أجل الهجرة اليهودية هو نضال من أجل استمرار بقاء إسرائيل).
3 ـ أن المسلمين الذين هاجروا كانوا دعاة توحيد لله وإصلاح للأرض كانوا يعلمون الدنيا أن الله رب العالمين لا شريك له وأن الناس يجب
أن يسلموا وجوههم إليه ويحيوا على الأرض وفق المنهج الذي ارتضاه الله لهم، فترفعت عن المآرب هممهم، وأخلصوا لله طواياهم،
وذهلوا عن متاع الدنيا، واستهوتهم مثل عليا لا مثيل لها في الأولين والآخرين· بينما كانت صلة اليهود بالله مغشوشة، والدوافع التي جاءت بهم،
وإن كانت دينية إلا أن ما فيها من باطل أضعاف ما فيها من حق، وما يكتنفها من ظلم ليستمعه شائبة عدل· من أجل هذا كله
كان البون شاسعاً والفرق واسعاً بين هجرة المسلمين وهجرة اليهود·
4 ـ أن وصف المسلمين الذين تركوا مكة إلى المدينة أطلق عليهم [ المهاجرون] وهو وصف أطلقه رب العزة عليهم،
جاءت الآيات الكثيرة التي ترفع من قدرهم، ومنها:قوله تعالى: (ٱلَّذِينَءَامَنُوا۟وَهَاجَرُوا۟وَجَـٰهَدُوا۟فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَٱللَّهِۚ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ)20 التوبة.
و قوله تعالى
:(إِنَّ ٱلَّذِينَءَامَنُوا۟وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟وَجَـٰهَدُوا۟فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أُو۟لَـٰٓئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌۭرَّحِيمٌۭ) 218 البقرة.
و قوله تعالى(فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَآأُضِيعُ عَمَلَ عَـٰمِلٍۢ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍأَوْأُنثَىٰۖ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٍۢۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟وَأُخْرِجُوا۟مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُوا۟فِى سَبِيلِى
وَقَـٰتَلُوا۟وَقُتِلُوا۟لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـَٔاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُثَوَاباً مِّنْ عِندِٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عِندَهُۥحُسْنُ ٱلثَّوَابِ) 195آل عمران.
و قوله تعالى في النحل
/ 41 - 42 : (وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟فِى ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِمَاظُلِمُوا۟لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَاحَسَنَةًۭۖوَلَأَجْرُ ٱلْءَاخِرَةِأَكْبَرُۚ لَوْكَانُوا۟يَعْلَمُونَ ﴿41﴾
ٱلَّذِينَ صَبَرُوا۟وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿42﴾)
وقوله تعالى
: (وَمَن يُهَاجِرْفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدْ فِى ٱلْأَرْضِ مُرَٰغَمًۭاكَثِيرًۭاوَسَعَةًۭۚ وَمَن يَخْرُجْ مِنۢ بَيْتِهِۦمُهَاجِرًاإِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ
ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُۥعَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًۭا رَّحِيمًۭا)100 النساء.
وهذا اللقب أطلق عليهم لأنه لم يكن لهم على ظهر الأرض من نصير،أما اليهود المهاجرين فلقد أطلق عليهم المهجرين وهو لقب أطلقه عليهم غيرهم والبون شاسع بين اللقبين
.
ففي السنوات الأخيرة بات العامل الديموغرافي مهيمنا في تحديد شبكة العلاقات بين اليهود والعرب في ارض إسرائيل كلها
"فلسطين التاريخية"، أما في داخل دولة إسرائيل 2001 فيشكل اليهود 73% من السكان.
من المتوقع أن تصل نسبة السكان اليهود داخل إسرائيل في سنة
2020 رغم الازدياد المستمر إلى 68% تشمل هذه المعطيات عرب القدس- والعمال الأجانب وأيضا مجموعات غير يهودية إضافية تقطن إسرائيل.
تصل نسبة السكان اليهود اليوم في ارض فلسطين الغربية كلها
( الساحل الفلسطيني) إلى 51% لكن من المتوقع أن تصل بعد عشرين سنة إلى 42% وهذا، دون اخذ إعادة اللاجئين بالحسبان.
جدول
12: تركيبة السكان في ارض إسرائيل " فلسطين التاريخية" "بالآلاف" سنة 2000وتوقعات لسنة 2020

المصدر
: إسرائيل: ديموغرافيا 2000-2020"مخاطر واحتمالات"
بقلم
:ارنون سوفير، ترجمة وتقديم : محمد حمزة غنايم.إبريل 2001، تصدر هذه السلسلة عن مدار"المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية"
انخفضت معدلات الهجرة إلى إسرائيل حيث بلغت
30-40 ألف سنويا وربما اقل من ذلك بعدما كانت تصل إلى 100 ألف مهاجر سنويا في السنوات السابقة.
وهناك انخفاض في معدلات الزيادة الطبيعية للسكان اليهود في إسرائيل بسبب انخفاض معدل المواليد
1.6% في المقابل تزايد معدل الوفيات خصوصا بين المسنين مع الأخذ بعين الاعتبار أن الهرم السكاني الإسرائيلي وصل إلى مرحلة الشيخوخة،
أي أن عدد كبار السن اكبر من عدد صغار السن ، حيث بلغت نسبة عدد السكان اقل من 17 سنة، 32% سنة 1997.
إن نسبة زيادة السكان اليهود منذ عام
1948 وحتى عام 1998 تصل إلى 28% في حين تزايد عدد السكان الفلسطينيين داخل إسرائيل بسبعة أضعاف أي 700% وكذلك سكان الضفة وقطاع غزة.
المصدر
إن المسلمين
– في قضية الهجرة – إنما يقيمون على أرضهم بتأشيرة إقامة إلهية باسم الإسلام، فإذا فقدوا هذه التأشيرة أو تنازلوا عنها لم يكن لهم أرض ولا وطن ولا هجرة.
أما اليهود فيقيمون على أرض فلسطين بتأشيرة إقامة من بلفور والبون واسع بين التأشيرتين
المفضلات