الخاتمة:
ونختم بما أورده ابن خلدون في باب:<<علوم السحر والطلسمات>> حيث يقول:<<وهي عوم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر إما بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية. والأول وهو السحر، والثاني هو الطلسمات.
ولما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لما فيها من الضرر، ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله تعالى من كوكب أو غيره، كانت كتبها كالمفقودة بين الناس، إلا ما وجد في كتب الأمم الأقدمين فيما قبل نبوءة موسى عليه السلام مثل النبط والكلدانيين. حيث كانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانيين والكلدانيين، وفي أهل مصر من النبط وغيرهم، وكان لهم فيها التآليف والآثار، ولم يترجم لنا من كتبهم إلا القليل.. ووضعت بعد ذلك الأوضاع مثل مصاحف الكواكب السبعة، وكتاب طِمطِم الهندي في صور الدرج والكواكب وغيرها. ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة فتصفح كتب القوم واستخرج الصناعة وغاص في زبدتها واستخرجها، وضع فيها غيرها من التآليف، وأكثر الكلام فيها وفي صناعة السيمياء لأنها من توابعها، لأن إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى، إنما يكون بالقوة النفسية، لا بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر.
ثم جاء مسلمة بن أحمد المجريطي إمام أهل الأندلس في التعاليم والسحريات فلخص جميع تلك الكتب وهذبها وجمع طرقها في كتابه الذي سماه <<غاية الحكيم>>، ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده.
ولنقدم هنا مقدمة يتبين بها حقيقة السحر، وذلك أن النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواص، وهي أصناف كل صنف مختص بخاصية واحدة بالنوع لا توجد في الصنف الآخر، وصارت تلك الخواص فطرة وجبلّة لصنفها. فنفوس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لها خاصية تستعد بها للمعرفة الربانية ومخاطبة الملائكة عليهم السلام، وما يتسع في ذلك من التأثير في الأكوان واستجلاب روحانية الكواكب للتصرف فيها والتأثير بقوة نفسانية أو شيطانية. فأما تأثير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمدد إلهي وخاصية ربانية، وخاصية الكهنة لها خاصية الإطلاع على المغيبات بقوى شيطانية. وهكذا كل صنف مختص بخاصية لا توجد في الآخر...
واعلم أن وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه وقد نطق القرآن الكريم به....>>
وهكذا نستنتج أن السحر موجود وهذا لا جدال فيه بعد ما سردنا من أدلة نقلية، وأخرى عقلية، تثبت بما لا يدع مجالا للشك صدق الأقاويل التي كنا نظنها خرافات وخزعبلات. ولذلك فلنحذر من كيد السحرة والاستعانة بهم فربما انقلب السحر على صاحبه، ولنحصّن أنفسنا بطاعة الله وقراءة قرءانه وتجنب المعاصي والابتعاد عن المواقف التي تجعلنا عرضة لكيد السحرة ومن ورائهم سيدهم الشيطان عليه لعنة الله.
المفضلات