الوقوف على خفايا الساحر في معرفته أخبار الناس وقراءة أفكارهم:
إذا كان الدجل والشعوذة، وخفة اليد، نوعا من العبث الذكي والمنسق بعقول ورغبات الناس، فإن السحر فن وصناعة، يتطلب مهارة وخبرة لدى من يمارسه، وهو علم له قواعد، وتعاليم مدونة، يتناقلها السحرة جيلا بعد جيل، وقواعده غاية في التعقيد والسرية، ولذلك فإن عدد الذين يزعمون أنهم سحرة كبير جدا، وهؤلاء هم الدجالون الذين يمارسون الخداع والابتزاز، ويبيعون الوهم للمغفلين والأذكياء _على السواء_ مغلفا بالسراب اللامع، الذي يحسبه الظمآن ماءاً ورواءً! ولهم مهارة فائقة في كسب ضحايا الوهم والاستيلاء على عقولهم، ومن أشهر الدجالين في العصر الحديث "وليام روي" الذي نشرت صحيفة "صنداي بكتوريال" البريطانية اعترافاته المثيرة عام 1958م وأحدثَ نشرها دويا هائلا في أوساط أوروبا بأسرها. يقول روي: إنّه كان يدفع مبالغ كبيرة جدا لرجال البوليس السري الخاص، ثمنا لمراقبتهم الدقيقة لسلوك ضحاياه والمترددين عليه، في بيوتهم وأعمالهم، وبيوت أصدقائهم وأقاربهم، وفي المقاهي والنوادي والحدائق، والمرافق العامة، التي يكثر ترددهم عليها، وكان يدفع رشاوي سخية، ومنتظمة لعدد من عمال الهواتف والاتصالات، ليقوموا بالتصنت على المكالمات الشخصية لهؤلاء الضحايا، وتسجيلها له على شرائط.. كما كان يخصص أجورا عالية لمعاونيه، الذين كانوا يقومون باستقبال الزبائن، ويقنعونهم بترك حقائبهم، وأغراضهم الخاصة في غرفة خارجية، ثم يفتشونها، ويُبْلغون "روي" بتفاصيل محتوياتها عن طريق جهاز اللاسلكي الدقيق الذي يثبته "روي" خلف أذنه بطريقة ذكية!.. ولقد استطاع "وليام" أن يجمع مائة ألف جنيه إسترليني خلال ثلاث سنوات، بعد أن أدخل في روع الجميع أنه وسيط روحي، يقوم عن طريق السحر بالاتصال بأرواح الموتى، ويحصل منها على حلول للمشاكل التي يعاني منها الأحياء، إلا أنه وقع في النهاية في الفخ،
عندما أقنعه عدد من الباحثين المهتمين بعلوم السحر والاتصال بالأرواح، بكتابة اسمه في سجل الوسطاء الروحيين
________________________
(1) سورة يوسف، الآية(93)
العالميين، إذا اجتاز القدرة على الوساطة، ووافق "روي" على ذلك، وكانت بداية نهايته بسبب الموافقة، ولم يتفطن لها رغم شدّة ذكائه فانكشف أمره وانتهى دجله. كما أن الساحر أيضا يستعمل خادما من الجن أو قرينا، فيتبادل شيطان الساحر الحديث مع قرين الزبون، إذ لكل إنسان قرين من الجن فيعرف منه الأخبار والأسرار عن الشخص، ثم يوحي بها إلى الساحر، فينطق الساحر بها، قال تعالى:((وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي عضهم إلى بعض زخرف القول غرورا))... ومما يروى في هذا، أنه أُتي الحجاج بن يوسف الثقفي برجل رمي بالسحر (أي اتُهم بممارسته) فقال له: أساحر أنت؟ قال: لا، فأخذ كفا من حصى، فعدّه، ثم قال له: كم في يدي من الحصى؟ قال: كذا وكذا. فطرحه، ثم أخذ كفا آخر ولم يعدّه، ثم قال له: كم في يدي؟ قال لا أدري. فقال له الحجاج: ولماذا دريت في الأولى ولم تدر في الثانية؟ قال ذلك عرفته أنت، فعرفه وسواسُك فأخبر وسواسي فعرفته، وهذا لم تعرفه فلم يعرفه وسواسك، فلم يخبر وسواسي، فلم أعرفه.
ومما يلاحظ أن كثيرا من شياطين الإنس (السحرة والكهان والمشعوذين) يستعملون طرقا خبيثة لإيقاع الأذى بالناس عن طريق شياطين الجن، ثم يوهمونهم بأن لهم القدرة على إبرائهم وشفائهم.. وكثيرا ما يكون ضحاياهم مكن أولئك السذج، خفاف العقول، الذين ينقادون للأوهام والخرافات، التي يزينها لهم الشيطان.. ويحكى عن شيخ كان له شياطين يرسلهم يصرعون بعض الناس، فيأتي أهل ذلك المصروع، ويعطون ذلك الشيخ دراهم كثيرة، وكان أحيانا تأتيه الجن بدراهم وطعام تسرقه من الناس(1)...
بل أن بعض السحرة، يقوم بفعل السحر، ليربط به من يتقدم للزواج من الشباب، وقبل الزفاف بيوم أو يومين يرسل إليه من يخبره أن لا أحد يستطيع أن يفك رباطه إلا الشيخ، فيأتي ذلك الشاب صاغرا، منقادا للشيخ الساحر، ولكن الشيخ لا يلبي طلبه إلا بمقابل من المال باهظ!!.
المفضلات