السحر في عصرنا الحالي وعلاقته بالعلم الحديث:
لقد مرّت الحضارة الإنسانية، منذ القدم بمراحل تاريخية هامة, استطاع الإنسان أن يفجر فيها مكامن العلوم، وأسرار المعرفة، وأفاد واستفاد من ثمارها اليانعة، والتي غطت ظلالها العالم كله، لكن بنسب متفاوتة، إلى أن بلغت في عصرنا هذا منتهى الغاية، وذروة سنام الازدهار والرقي.. ورغم هذا التطور الهائل_ في جميع مجالات الحياة، وإخضاع العلوم والمعارف إلى مقاييس التجربة، والمحاكمات العقلية_ لا يزال للخرافات والأساطير والكهانة رواج منقطع النظير في أنحاء المعمورة، بل وحتى في أوساط الشعوب الراقية، وطبقات الساسة والنبلاء! فمن يطالع ما حدث وما يحدث في العالم فسيرى للحاضر الكئيب خيوطا ممتدة في أعماق أفكار الماضي السخيفة، لمحته في أثواب وسخة، لا تشجع على الحياة!! فسوق السحر رائج وعملته نافقة وممارسوه أحرار..

عاد للانتشار ثانية وبقوة بعد أن ضيق الخناق على السحرة والكهان منذ قرون خلت وخاصة في أوروبا، حيث كان جزاء السحر الحرق بالنار، ويطحن إلى أن يصير رمادا، بعد أن يتجرع أقصى أنواع التعذيب عاد مرّة ثانية وعادت معه الدموع والأحزان والآلام!

والآن نسوق جملة من الأدلة الواقعية والتاريخية التي تدل على واقعية السحر وعلاقته بالعلم:

1.علامات السحر والساحر:

* الساحر يبيع نفسه وروحه في حياته ومماته للشيطان، وكذلك كل ما يملك من مال أو عقار أو ذرية، هي ملك للشيطان يتصرف فيها كيف يشاء.

* أن يكون لديه العناد والإصرار، والعزيمة على تحمل المشاق والإهانات إلى أقصى درجة، وذلك حتى لا تتزعزع عقيدته الشيطانية، ولو قاسى في سبيلها أشدّ أنواع العذاب، فهذه هي العقيدة الوحيدة التي يؤمن بها، والشيطان هو وليّه الأكبر، والذي يجب أن يضحي في سبيل إرضائه بالنفس والنفيس.

* أن يكون وقحا، عديم الحياء وفاقدا للإحساس وتأنيب الضمير، ولا يملك ذرة واحدة من الرحمة والعطف والحنان، وغيرها من الأخلاق الكريمة والإحساسات النبيلة.

* أن لا ترتعد فرائسه عندما يرى سيده إبليس _عليه اللعنة_ أو أحد معاونيه، وهم في صورة مفزعة قبيحة، فالشيطان _دائما_ يفضل أن يظهر للساحر في شكل غاية في البشاعة والقبح، ولا بد للساحر أن يألف هذه الصورة، ولا يُظهر تبرّما أو جزعًا أو تقززاً.

* أن يسارع في تلبية طلبات سيده الشيطان في إلحاق الضرر بالأبرياء، بكل رضاّ وسرور، حتى لو كان العمل مخلا بالحياء ومخالفا لتعاليم الأديان والشرائع.

* أن يجتهد بكل قوة في ممارسة الأعمال السحرية، وأن يواظب على دراستها والقيام بما تتطلبه من طقوس شيطانية، واحتفالات إبليسية، ضاربا عرض الحائط بكل القيم والمبادئ والأخلاق.

* أن يكون جاهلا كل الجهل _إمّا عن طبيعة أو اكتساب_ بكل ما هو جميل وحسن، ولا يرضيه إلا كل قبيح مستقذر.

* أن يعتقد اعتقادا راسخا في قوة الشيطان ومقدرته ومقدرة أعوانه من الأرواح الشريرة. وأن يرضخ لشروطهم مهما كانت قاسية.

* أن يكون عدوا لدودا لجميع الأديان، مستهزئا بها في كل مناسبة، ومحظور عليه تماما أن يدخل دور العبادة والأماكن المقدسة إلا لغرض واحد، وهو تدنيسها وتنجيسها.

* أن يكون مستعدا لارتكاب أية جريمة خُلقية، وكل معصية ورذيلة، مع الانغماس التام في الفجور والمعاصي.

* أن يكون قذرا للغاية دنيء النفس.

* أن يقضي معظم أوقاته منزويا منطويا على نفسه، بعيدا عن الناس قدر استطاعته، ولا يتصل بهم ولا يتعامل معهم إلا إذا طُلب منه ذلك لأغرض السحر، أو إلحاق الضرر بالناس.

* مُحرّم على الساحر أن ينظف ملابسه أو يستبدلها، وإن بلي جزء منها فعليه أن يرقعه من نفس القماش، وإذا ما زاد اتساخ ملابسه، وصارت تنبعث منه رائحة كريهة، كان مقربا عند الشيطان أكثر.

* الساحر شديد الحرص والتفطن لأن الشيطان يعطيه حاسة شم قوية _أكثر من حاسة الكلاب_ يستدل بها على أي شخص غريب أو قريب، على أي بعد كان.

* يمنح الساحر للشيطان شهوة بهيمية فائقة، تجعله عرضة للتهتك والفضيحة.

* زرع الشك والوسواس في قلب الساحر، فيشك في أقرب الناس إليه، ولا يصدق إنسانا مهما كان.

* الساحر منبوذ من قبل جميع الناس، فلا مؤنس ولا صديق له، إلا شيطانه ووليه(1).

__________________________

(1) محمد الجمل: دراسة في ظلال القص القرآني.17_18 دار القرآن القاهرة