السحر تاريخ وتسلسل أحداث
السحر ظاهرة وجودية قديمة قدم الإنسان ذاته، فهي ممتدة الأغوار في عمق التاريخ البشري، فهي إحدى الوسائل الهامة، التي استعملها الإنسان منذ القدم في صراعه من أجل البقاء على ظهر الأرض دفاعا عن نفسه ومعتقداته،وكيدا لغيره من بني جنسه، وعوالم أخرى تنتشر في هذا الكون الرحب،ومن ثم ارتبط السحر بالإنسان ارتباطا وثيقا، حتى أضحى معتقدا هاما وعبادة لها طقوسها وترانيمها الخاصة، ومع كر الدهور والعصور تطورت أساليبه وطرقه بل وحتى أهدافه.. وأصبحت له مدارس وكهان يتعلمونه ويعلمونه، وانتشرت في العالم هيئات ومنظمات دولية، سرية وعلنية بألقاب مموهة، تقوم بتغذية وإشاعته بين الناس لأهداف مختلفة، وغايات متباينة، لكنها كلها تصب في مستنقع الشر وزرع الفساد في الأرض، ومحق الأديان السماوية، وطمس معالم الأخلاق والبر والصلاح... ويؤكد علماء الآثار والحفريات، والرموز والتصاوير والنحوت_ التي عثروا عليها في المقابر، والخرائب والمدن الأثرية القديمة _ أن وجود السحر يعود إلى ما قبل التاريخ، بل إن القرآن ذاته وهو الوثيقة الصادقة يشير إلى هذه الحقيقة في جلاء
( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) (1)
فأول الرسل نوح عليه السلام ولو لم يكن للسحر وجود في عصره وزمن بعثته لما اتهمه قومه بالسحر والجنون بل من المؤرخين من قال بأن قصة هاروت وماروت، كانت قبل نوح عليه السلام، يقول ابن حجر _رحمه الله_
كان السحر موجودا في زمن نوح عليه السلام إذ أخبرنا الله عن قوم نوح أنهم زعموا أنه ساحر
((كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون)).
وقصة هاروت وماروت كانت من قبل نوح عليه السلام على ما ذكره ابن إسحاق وغيره (2).
وقد يكون هذا القول صحيحا، بيد أننا لا نجزم بذلك وعلى أي حال فالترتيب الزمني لتاريخ السحر لا يهم بقدر ما يهمنا علاقته بالعلم، ومع ذلك لا مانع من أن نلقي نظرة سريعة في أعماق الزمن لنتبين هذا اللغز الذي حيّر الإنسان، وقذف الرعب في قلبه منذ آلاف السنين! والإنسان بطبعه ميّال لاستكشاف المجهول وفهم الغوامض، لاسيما وأن الأمر جد لا هزل فيه فالسحر حقيقة مؤلمة وأثاره واضحة وجلية، ويخطئ الكثير ممن يحاولون تغطية هذه الحقائق فينسبونها إلى الأوهام والخرافات!! كيف وقد استصحب الإنسان القديم مخاوفها وأحزانها جيلا فجيلا إلى يوما هذا ؟! آهات.. أحزان.. صيحات دامية.. آلام مبرحة.. أسر مشتتة.. أطفال مشردة.. أفعى تنفث سمها وترسل فحيحها في كل مكان.. فمن لم يمت بالسم مات بالهم والغم!

السحر في العصر الحجري القديم:

هل كان إنسان العصر الحجري يمارس طقوسا وتعاويذ سحرية ؟ فالرسوم والرموز التي نقشت على جدران الكهوف والمغارات.. والكتب والأساطير القديمة تنطق بذلك.. فقبائل (النياندرتال) و (الكرومانيين) الذين عاشوا على هذه الأرض منذ ما يزيد عن 80 ألف سنة أحسوا أنهم يواجهون شراسة الطبيعة وجها لوجه، إضافة إلى الحيوانات الضارية والأفاعي الشرسة والوحوش الكاسرة.. فاستعانوا على ذلك كله بالسحر حيث كان لكل قبيلة ساحر يستعينون به على مواجهة تلك الصعاب، فيرسم لهم صورة دب مثلا على الأرض، ثم يقوم بالدوران حولها عدة مرات وهو يترنم ببعض الكلمات التي لها مدلول سحري مع تأدية بعض الرقصات ، ثم يغرس بعصاه الحجرية في عنق الدب المرسوم، وبعدها ينطلق الصيادون يتعقبون آثار الدببة ليعودوا بها صريعة!

____________________

(1) سورة الذاريات،

(2) فتح الباري ج10ص: 22