بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
يصبح هناك تناقض إذا كانت الأيتين فيها "أُمَّةٍ" أو الأيتين فيها " قَوْمًا"
قيل المقصود بالقوم كما قال غير واحد من أهل التفسير: قريش ومن حولها من القبائل فهم المخاطبون ابتداء ولم يأتهم نذير قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما إبراهيم وإسماعيل فكانا قبل وجود هذه القبائل، فقريش من العدنانيين، وبين عدنان وإسماعيل قرون كثيرة، وكذلك ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ما يقدر بستمائة سنة. وقال بعضهم: المراد بالقوم في الآية الكريمة المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم إذ هم الذين يتصور إنذاره لهم دون أسلافهم الماضين، قال الألوسي: ولعله الأظهر
و أن المراد بالأمة في الآيات المثبتة: الأمة العظيمة المعتنى بشأنها ، لذلك وردت في جميع الآيات منونة دلالة على هذا، والآيات التي فيها نفي النذير ورد النفي فيها على قوم وهم أقل من الأمة، حكاه الألوسي عن بعضهم حيث قال:
وأظن أنك تجعل التنوين في أمة للتعظيم أي وإن من أمة جليلة معتنى بأمرها إلا خلا فيها نذير ولقد بعثنا في كل أمة جليلة معتنى بأمرها رسولاً أو تعتبر العرب أمة وبني إسرائيل أمة ونحو ذلك أمة دون أهل عصر واحد وتحمل من لم يأتهم نذير على جماعة من أمة لم يأتهم بخصوصهم نذير ، ومما يستأنس به في ذلك أنه حين ينفي إتيان النذير ينفي عن قوم ونحوه لا عن أمة فليتأمل.
قال ابن عاشور في تفسيره:
{لكل أمة رسول} . فالمعنى: ولكل أمة من الأمم ذوات الشرائع رسول معروف جاءها مثل عاد وثمود ومدين واليهودِ والكلدان. والمقصود من هذا الكلام ما تفرع عليه من قوله: .. فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
ما معنى قوله تعالى: ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ) وقوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) وأيضاً الآية: ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ ) ؟
فأجاب:
" هذه الآيات لا تتعارض ؛ فإن الله تعالى بعث في كل أمة رسولاً ؛ كما قال تعالى ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ) ...
فلابد لكل أمة من رسول ، ولكل أمة من نذير ينذرها عذاب الله عز وجل ويبشرها برحمته لمن أطاع .
وأما قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ) فالمراد : أن الله تعالى لم يرسل إلى العرب نذيراً قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، ولهذا ليس من العرب رسول إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو دعوة إبراهيم وإسماعيل ، حيث قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .
فلم يبعث الله عز وجل نذيراً إلى العرب إلا محمداً صلى الله عليه وسلم ، بعثه الله تعالى نذيراً ، ولكافة الناس ، كما قال الله تعالى ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)
" انتهى مختصرا من " فتاوى نور على الدرب للعثيمين " (5/ 2) بترقيم الشاملة .
قال ابن عطية في المحرر الوجيز 4 /412:
وقوله (ما أتاهم من نذير) أي لم يباشرهم ولا رأوه هم ولا آباؤهم العرب وقوله تعالى : (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) يعم من بوشر من النذر ومن سمع به فالعرب من الأمم التي خلت فيها النذر على هذا الوجه لأنها علمت بإبراهيم وبنيه ودعوتهم وهم ممن لم يأتهم نذير مباشر لهم سوى محمد صلى الله عليه و سلم وقال ابن عباس ومقاتل المعنى لم يأتهم نذير في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه و سلم .
قال شيخ الاسلام في جامع المسائل ـ طبعة عالم الفوائد ـ 5/ 52 :
وأخبرَ سبحانَه أنَّ الرسالةَ عمَّتِ الأممَ كلَّهم بقوله سبحانَه وتعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وقال سبحانَه: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) . وكما أخبرَ سبحانَه أنه لم يكن معذِّبًا أحدًا في الدنيا ولا في الآخرة حتى يبعث رسولا، أخبر سبحانَه أنه بعثَ في كل أمة رسولاً، لكن قد كان يَحصُلُ في بعض الأوقاتِ فَتَرات من الرسُل، كالفترةِ التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلَّم، كما قال تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
_________________________________
و الله أعلم
المفضلات