- المقصود ب ( عن يد و هم صاغرون )
تحتمل كلمة ( عن يد ) معان عديدة سنذكرها هنا إن شاء الله
و من الممكن كما قال الشيخ الشعراوى رحمه الله فى تفسيره أن يقصد بها يد المعطى للجزية أو يد الآخذ لها
فإن كان المقصود يد الآخذ للجزية أى يد المسلمين فالمراد باليد هنا الإنعام و الفضل
فالمعنى أن المسلمين يأخذون الجزية عن إنعام و فضل منهم على غير المسلمين
لماذا ؟ لأننا بعد أن قاتلنا غير المسلمين و انتصرنا عليهم لم ننكل بهم و لم نقتل نساءهم و أطفالهم بل أعطيناهم الأمن و كفلنا لهم حرية العقيدة فى مقابل مبلغ زهيد من المال هو الجزية
يقول الشيخ الشعراوى رحمه الله فى تفسيره:
{ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }
أي: حتى يؤدوا ما فُرِض عليهم دفعة من أموال مقابل حصولهم على الأمان والحماية، وفي هذا صون لدمائهم، ولذلك نجد أن المسلمين قد فتحوا بلاداً غير إسلامية وصاروا قادرين على رقابهم ولم يقتلوهم، بل أبقوا عليهم، وإبقاء الحياة نعمة من نعم الإسلام عليهم، وهناك نعمة ثانية وهي أنه لم يفرض عليهم ديناً، وإنما حمى اختيارهم الدين الذي يرونه، وفي ذلك رد على من يقول: إن الإسلام انتشر بالسيف، ونقول: إن البلاد التي فتحت بالمسلمين أقرت أهل الأديان على أديانهم، وحمت فقط حرية الاختيار، بل وقف المسلمون بالسيف أمام القوم الذين يقفون أمام اختيار الناس، وتركوا الناس أحراراً. لكننا نجد المغالطات تملأ كتابات الغرب حول مسألة السيف. ونرد دائماً أن الإسلام لو انتشر بالسيف لما وجدنا في البلاد التي فتحها أناساً باقين على دياناتهم، بل كان الإسلام يأخذ الجزية ممن بَقَوْا على دياناتهم من أهل الكتاب. وأخْذُ الجزية دليل على أنهم ظلوا على دينهم وظلوا أحياء، وهاتان نعمتان من نعم الإسلام، وكان يجب أن يؤدوا جزاء على ذلك، وكان الجزاء هو الجزية. وهي مادة " جزى " و " يجزي ". فكأن الجزية فعلة من " جزى " " يجزي "؛ لأن الإسلام قدم لهم عملاً طيباً بأن أبقى على حياتهم وأبقاهم على دينهم من غير إكراه، فوجب أن يُعطوا جزاء على هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليهم بالإسلام.
و من الممكن أن يكون المقصود يد المعطى للجزية أى يد أهل الكتاب
و فى هذه الحالة فهى تحتمل عدة معان أيضا
فهى فى هذه الحالة تحمل معانى الخضوع و تسليمها يدا بيد مباشرة و السعة المادية لمعطى الجزية فلا تؤخذ من غير القادر
يقول الشيخ الشعراوى رحمه الله :
فهل المقصود بـ { عَن يَدٍ } أي من يُعْطُونَ الجزية، أم أيدي الآخرين الآخذين للجزية؟
إن هذا القول: { عَن يَدٍ } مثلما يقال: فلان نفض يده من هذا الأمر، أي خرج عن الأمر ولم يعد يعاون عليه. إذن يكون معنى { عَن يَدٍ } أي غير رد للنعمة. وعن يد منهم أي من المعطين للجزية، أو { عَن يَدٍ } أي: يداً بيده فلا يجلس الواحد من أهل الكتاب في الأمة الإسلامية المحكومة بالإسلام في مكانه ويرسل رسولاً من عنده ليسلم الجزية، لا، بل عليه أن يدفعها ويحضرها بيده. أو نقول: { عَن يَدٍ } من معنى القدرة، فمن عنده قدرة، فتأخذ الجزية من القادر ولا نأخذها من العاجز.
إذن: يشترط في اليد إن كانت منهم ثلاثة ملاحظ؛ الملحظ الأول: أن يكونوا موالين لا نافضين لأيديهم منا ومن حكمنا، والملحظ الثاني: أن يأتي بها بنفسه لا أن يرسل بها رسولاً من عنده، وإن جاء بها لا بد أن يأتي بها وهو ماش وأن يعطيها وهو واقف ومن يأخذ الجزية قاعد، وهذا هو معنى { وَهُمْ صَاغِرُونَ }. ولماذا يعطونها عن صَغار؟ لأن الحق عز وجل أراد للإسلام أن يكون جهة العلو، وقد صنع فيهم الإسلام أكثر من جميل، فلم يقتلهم ولم يرغمهم على الدخول إلى الإسلام؛ لذلك فعليهم أن يتعاملوا مع المسلمين بلا كبرياء ولا غطرسة، وأن يخضعوا لأحكام الإسلام، وأن يكونوا موالين للمسلمين، لا ناقضين الأيدي، وأن يؤدوا الجزية يداً بيد، وأما العاجز وغير القادر فيعفى من دفع الجزية.
فكما ترون أن المعانى تدور حول اعترافهم بالخضوع لحكم الإسلام و تسليمها مباشرة يدا بيد و قدرتهم على دفعها
فأما أنهم و هم يدفعون الجزية مغلوبون على أمرهم خاضعون لحكم الإسلام فهذا أمر طبيعى فالقوى لا يدفع الجزية لغيره بل هى ضريبة يفرضها المنتصر على المغلوب و القوى على الضعيف
و أما أنهم يسلمونها يدا بيد فهذا لأنه ربما يرفض بعض أهل الكتاب دفع الجزية يدا بيد و يرسلون بها عمالهم أو عبيدهم من باب الاستكبار عن دفعها فهنا نقول له لا تأتى بها بنفسك فدفعك إياها يدا بيد حتى و إن كانت مبلغ زهيد كدينار أو دينارين هو دليل على أنك معترف بأنك تحت حكم الدولة الإسلامية و هذا ما اتفقنا معهم عليه منذ البداية أن نضمن لهم أنهم آمنون و نكفل لهم حرية العقيدة مقابل أن يقبلوا بأنهم يكونوا تحت حكم الدولة الإسلامية لعلهم حين يختلطون بالمسلمين و يرون عزة الإسلام و قوته تميل قلوبهم إليه و يتركوا الأديان الباطلة و يدخلوا فى دين الله فينالوا الفلاح فى الدنيا و الآخرة
و أيضا معناها السعة أى أنها لا تؤخذ من الفقراء غير القادرين و هذا من بر الإسلام بأهل الكتاب بل الغير قادرين منهم قد ينفق لهم من بيت مال المسلمين ما يكفل لهم حياة كريمة
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )
ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحد بخلق جميع الأنام من شخص واحد ، معرفا عباده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة ، ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة وأن بعضهم من بعض ، وأن حق بعضهم على بعض واجب وجوب حق الأخ على أخيه ، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض ، وإن بعد التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم ، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى وعاطفا بذلك بعضهم على بعض ، ليتناصفوا ولا يتظالموا ، وليبذل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له (تفسير الطبرى)
المفضلات