الجواب على سؤال من خلق الله ؟
بقلم : بقلم : حمـيد النابلسي
ومع الرغم من أنه سؤال خاطئ إلا أنه خطر في ذهن كل إنسان ، حتى قال الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) : (لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَساءَلُونَ حَتّى يَقُولوا: هذا اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ).
وقال : (يَأْتي الشَّيْطانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذا مَنْ خَلَقَ كَذا حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ).
أمر النبي عليه السلام بالاستعاذة بالله والانتهاء عن ترديد هذا السؤال الذي لا يصح أصلا كما سيتم بيانه ، وهذا صدر منه في خصوص من لم يعوا آيات الله وأحاديث نبيه التي تبين كيف أن الله غير مخلوق ، و إلا لما كانوا ليتساءلونه منذ البداية .
قال تعالى : {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرًا} الآية [الأعراف: 191ء192].
لقد تضمنت هذه الآية البراهين الدالة على بطلان عبادة ما سوى الله ، كما أنها ذكرت عجز كل ما هو مخلوق ، و أن العبادة لا يستحقها إلا الخالق الكامل , لا المخلوق الناقص ، والرب المعبود لا يمكن أن يكون مخلوقا ، بل هو الخالق ، فلا يجوز عليه الحدوث ولا الفناء ، في حين أن هاته الموجودات المحدثة يجوز عليها العدم ، ومن جاز انعدامه أولا، جاز عقلا انعدامه آخرا .
وقال تعالى : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم )
قال صلى الله عليه وسلم في شرحه وبيانه لهذه الآية : '' إنه الأول ليس قبله شيء والآخر ليس بعده شيء ''
فعندما يقال من خلق الله ـ أي من كان قبل الله حتى خلقه الله ، هنا يأتي الجواب '' هو الأول ليس قبله شيء ـ وفيه دلالة واضحة على أزلية الله ، وأنه كان دائما ، وهاته الأزلية لا تفنى أبدا ، ولذلك قال عليه السلام : وهو الآخر ليس بعده شيء ـ حيث أكد أزلية اللايزال وعدم فنائه .
ومع الرغم من أن النصوص الحديثية والقرآنية لم تترك لنا مجالا لنتساءل عن '' من خلق الله '' إلا أن هناك أناس لا يبرحون يتطفلون على الذات الألهية المقدسة حتى يخرجوا بفهوم خاطئة ليس أشنعها أسئلة منهزمة من مثل:
إذا كان الله خالق كل شيء فمن خلق الله ؟
إذا كان الله قادر على كل شيء فهل يستطيع أن يخلق إله مثله ؟
ومن دون ريب أن هؤلاء ليس لديهم أدنى رصيد معرفي ، أو علمي عن الذات العلية ، كما أنهم لايملكون الآليات والأدوات النقدية الواعية ، والمبنية على التصور الصحيح الذي يقوم على الحجاج والبراهين الدامغة لانتقاد فكر ما .
فيجب عليهم أولا أن ينظروا إلى سؤالهم بتمعن , ثم يقرروا إذا ما كان الله مخلوقا أو غير مخلوق ، فالسؤال يرمي إلى ركام تسلسلي لا نهائي ، فكلما أردنا أن نعرف من خلق الله فلا بد لنا أن نعرف من خلق الذي خلق الله ، وهكذا بدون حصر أو توقف .
ولو أنهم حركوا ملكات عقولهم لوجدوا أنفسهم في سفسطة وتناقض إلى حد الهذيان ، لأن الشيء بمجرد أن يُخلَق فهو ليس بإله ، وكيف يكون مثل الله مع أنه حادث في حين أن الله أزلي ؟ ولو كان الله مخلوقا لكان الذي خلقه أحق منه بالألوية بل يكون تأليه هذا الإله المخلوق كفرا بواحا ، ثم إن السؤال لن يقف عند حدود معرفة من أوجد الله فحسب ولكن السؤال عن الواجد للموجد سيتسلسل إلى ما لا يتناهى ، اللهم إن سلمنا بأن هناك مسببا واحدا مطلق الوجود ، وهذا هو التفسير الصحيح وشرط وجود الحياة وعوالم الملكوت ، وأن الله الذي مثل الله مستحيل الوجود ، لأنه يصنف تعداد المحدثات والمخلوقات ، في حين أن الذات الألهية المقدسة والتي كانت دائما بلا بداية ، أي من دون أن تظهر فجأة في مكان أو في ومضة من زمان ، بل الله هو مَن أوجد الزمان والمكان ، وإذا قلنا من خلق الله نكون بهذا قد أخطئنا في السؤال ، لأنه يعني و بمفهوم آخر من كان قبل الله حتى أوجد الله ، وهكذا نكون قد أدرجنا الله سبحانه وتعالى تحت '' قبل وبعد '' أي القوانين الزمنية المحدثة التي لا يتعدى عمرها 15 مليار سنة ،
والإله المخلوق لن يكون مثل الله الخالق ، لأنه مفتقر إلى مُحْدِث ، وعليه فإن افتراض وجود إله مخلوق مستحيل وباطل قطعا .
وختاما نقول إن الإله العظيم هو الواجد لكل الموجودات ، وهو سبحانه خارج عنها بذاته الطيبة المقدسة ، إذ أنه كان ولم يكن شيء ، ولا زال حيا قيوما بذاته ، وسيظل كذلك إلى أبد الأباد والكبير بلا حد والحي بلا موت ، يعلم ما كان وما لم يكن لو كان كيف كان يكون .
وهو الذي خلق المادة والطاقة والجاذبية وكل القوانين الفيزيائية التي تفسر لنا كيف وجدت العوالم ، وهو سبحانه الذي حول الآيدرجين في باطن الأفران النجمية إلى كربون وهليوم وسليكون وكوبالت وكل العناصر التي تشكل بها كوننا ، إنه هو نفسه الذي جعل الإلكترونات الصغيرة تدور حول نوات الذرة بانتظام ، وجعل القمر يدور حول الأرض والأرض تدور حول الشمس ، والشمس تدور حول مركز مجرتها بحسابات وقوانين في غاية الدقة .
'' وكل في فلك يسبحون '' ـ وسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى .
المفضلات