بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
أما بعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
الشبهة التى معنا هنا لا يعدو كونها تدليس من جانب المُستشهِد بهذا الكتاب أكثر منها شبهة يُلقيها ثم ينتظر جوابها أو لا ينتظره - لأغراض فى نفسه - والمشكلة فى الشبهة أو بالأحرى تدليس صاحب الموضوع، هو إعتماده على عدم وجود نسخة منتشرة للكتاب الذى يستشهد به.
لكن قبل توضيح هذا التدليس علينا أولاً أن نؤصل لحقيقة أساسية ثابتة، وهى كون رسول الله
أمى لا يقرأ ولا يكتب ولا يتردد على أهل الكتاب ولا يعلم عن كتبهم شيئاً،
:
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ
[العنكبوت : 48] .
قال القرطبى : "أي وما كنت يا محمد تقرأ قبله، ولا تختلف إلى أهل الكتاب، بل أنزلناه إليك في غاية الاعجاز والتضمين للغيوب وغير ذلك، فلو كنت ممن يقرأ كتاباً، ويخط حروفاً " لارتاب المبطلون" أي من أهل الكتاب، وكان لهم في ارتيابهم متعلق، وقالوا الذي نجده في كتبنا أنه أمي لا يكتب ولا يقرأ وليس به"[الجامع لأحكام القرآن (13/351)] .
والبعض يُشكك فى كلمة (أُمى) لكن يقول رسول الله
: "إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا . يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين ."[صحيح البخارى (1319)] .
فبدايةً كى يحتج علينا أياً من كان بمثل هذا الموضوع - أو ما كان على شاكلته - فعليه أن يوثق إعتراضاته علمياً بأسلوب أكاديمى، فيُثبت أولاً أنه
كانت له معرفة بالقراءة والكتابة، ثم أنه
كانت له دراية باللغة السريانية التى كُتبت بها هذه الأسطورة، ثم عليه أن يُثبت نهايةً أنه
كان له إطلاع على مثل تلك الأساطير.
خلاف تلك الأساسيات فالعمل الذى يخرج علينا بمثل هذه الصورة التى يُقدمها لنا الكاتب هو عمل محكوم عليه بالفشل، لإفتقاده للأسلوب العلمى، بل يفتقد للمنطقية فى العرض، فيضع أساس موضوعه على محاولة ربط تفتقد نفسها الأساس الذى تستند عليه، فيسهل نقده.
من هو كاتب الأسطورة السريانية ؟
كاتب الموضوع نقلاً عن ترجمته من موقع الويكيبديا - غير المعترف به فى التوثيقات والإستشهادات - يقول أن تلك الأسطورة هى من عمل (يعقوب السروجى) الذى عاش فى الفترة التى قبل رسول الله
وبالتالى يرى أن الرسول
أخذ قصة ذى القرنين من هذه الأسطورة، لكن لنعود إلى الكتاب نفسه الذى يستشهد به، ونرى ما قال المحققون.
[صفحة : lviii]

يقول : "بالنسبة للمُترجم السريانى لـ (سودو كاليسثينيس) لا شىء معروف عنه"
إذاً كاتب هذه الأسطورة فى الأساس غير معروف، ومن يقول أنه يعقوب السروجى فهو متوهم يُقدم لنا تخيلات وأراء من البعض تناثرت حول كاتب هذه الأسطورة السريانية لا يُمكنهم تقديم دليل عليها، بل على العكس هناك أدلة آخرى تنقض هذا الزعم تماماً كما سيتضح فيما بعد.
[صفحة :lx]

صورة مُقربة

يقول: "ما إذا كان كاتب القالب الشعرى عن الإسكندر والبوابة التى بناها هو يعقوب السروجى أم لا، لا يوجد هنا أهمية مترتبة على هذا الأمر، و من الواضح جداً أن هذا عمل مُترجم مسيحى، ونحن لا نحتاج إلى مناقشة ذلك"
إذاً أصبح القول بأن يعقوب السروجى هو كاتب هذه الأسطورة أسطورة فى حد ذاته، فالمحقق لم يقطع هذا الشك بيقين، وسنعرض فيما يلى أدلة واضحة وقاطعة للتأكيد على أن هذه الأسطورة لم تخرج من يعقوب السروجى، بل والأكثر من ذلك أنها لم تُكتب إلا بعد وفاة الرسول الكريم
بقرون.
متى كُتبت الأسطورة السريانية ؟
هذا الأمر سيُبنى عليه الأدلة القاطعة من كون هذه الأسطورة ليست من كتابة يعقوب السروجى، ومن كونها كُتبت بعد رسول الله
بقرون .. حيث يقول محقق الكتاب الذى يستشهد به الموقع أن هذه الأسطورة كُتبت بين القرنين السابع والتاسع.
[صفحة : lx]

صورة مُقربة

يقول: "متى وُضعت الترجمة السريانية، لا يُمكننى التحديد، لكن يمكن تعيين تلك الفترة بين القرن السابع والتاسع"
إذاً تاريخ كتابة تلك الأسطورة السريانية يقع بين القرنين السابع والتاسع - ومن ثم لا علاقة ليعقوب السروجى بها - لكن المحقق لا يُمكنه تحديد ذلك التاريخ، فقط هو يقع بين القرنين المُشار إليهما.
ما هو الأصل الذى أخذ عنه المُترجم إلى السريانية ؟
سبقت الإشارة إلى كون هذه الترجمة وُضعت بين القرنين السابع والتاسع، لذا مازال هناك شك فى تلك النقطة - طبعاً عند صاحب الموضوع - لأن القرن السابع تضمن بعثة النبى
لكن لنُكمِل مع محقق الرواية ليقضى بنفسه على تلك الشبهة تماماً، إذ يوضح أن هذه الترجمة السريانية ليست عن الأصل اليونانى وإنما عن ترجمة عربية لهذا الأصل، ومترجمها مسيحى لهجته الأصلية هى العربية وليست السريانية.
نتابع الترجمة فى نفس الصفحة، إذ يقول: "ويعتقد البروفيسور رايت أن المترجم إلى السريانية لم يكن يتكلم اللغة السريانية الأم وإنما تعلمها في المدارس لغرض دراسة الإنجيل ولترجمة الآثار الدينية اليونانية إلى السريانية ويعتقد أن (سودو كاليسثينيس) نقلت من ترجمة عربية للأصل اليوناني ويرى زاكر أن تاريخ الترجمة كان في القرن الخامس وهناك ترجمة سريانية ربما ظهرت في القرن السادس في الوقت الذي ترجمت فيه كليلة ودمنة إلى السريانية ، ولا نملك الأدلة الكافية لتحديد وقت تلك الترجمة السريانية لــ (سودو كاليسثينيس) وأعتقد أن تحديد وقت الترجمة سواء المبكرة (السابع) أو المتاخرة (التاسع) لا يفيد لأن المهم هو الحفاظ على تراث الإسكندر وقصته."
إذاً التاريخ - كما سبق وأشرنا - يتأرجح بين القرنين السابع والتاسع والذى يُنهى الموضوع تماماً ويقضى عليه هو كون هذه النسخة السريانية - والتى أضاف عليها المُترجم أسطورة للإسكندر تُماثل ما جاء من حقائق عن ذى القرنين فى القرآن - هى فى الأصل مأخوذة عن نسخة عربية قامت بترجمة الــ (سودو كاليسثينيس) اليونانية .
وهذا ما كرره المُحقق سائقاً براهينه فى الصفحات السابقة على ذلك الأمر.
[صفحة : lxii]

صورة مُقربة

يقول: "هناك تداخل بين الحروف العربية والسريانية ويبدو أن النسخة السريانية كانت عبارة عن ترجمة عربية للأصل اليوناني قام بها راهب مسيحى كانت لغته الأم هي العربية وهذه الترجمة تاريخها ما بين القرن السابع والتاسع"
متى بدأت الترجمة من اليونانية إلى العربية ؟
الذى يجب أن نبحث فيه الآن هو تاريخ حركة الترجمة من اليونانية إلى العربية، كون هذه النسخة السريانية - صاحبة الشبهة - فى الأساس مأخوذة عن نسخة عربية ترجمت الأصل اليونانى وليس عن الأصل اليونانى نفسه.
و يُجيبنا عن هذا السؤال (ديمترى جوتاس) فى كتابه (حركة الترجمة اليونانية العربية فى بغداد والمجتمع العباسى المبكر)
[صفحة : 2]
يقول: "حركة الترجمة والتى بدأت مع إنضمام العباسيين إلى السلطة وأخذ المقام الأول فى بغداد"
وبذلك تسقط الشبهة التى أمامنا نهائياً لما يلى:-
(1) أن النسخة السريانية هذه مجهولة المصدر، والقول بأن كاتبها يعقوب السروجى - الذى عاش ومات قبل الإسلام - ليس عليه أى دليل، وبالتالى يسقط الزعم أنها كُتِبت قبل بعثة النبى
(2) أن المحققين على أمرين، هما:
أ - أنها كُتِبت ما بين القرنين السابع والتاسع، فلا علاقة للسروجى بها، فهو عاش ما بين 451 م – 521 م، أى بين القرنين الخامس والسادس.
ب- أن النسخة السريانية موضع الشبهة، مأخوذة عن ترجمة عربية للأصل اليونانى، لا من الأصل اليونانى مباشرةً.
وكما رأينا؛ فالترجمة من اليونانية إلى العربية لم تظهر سوى فى عصر العباسيين، وبالتالى على أسوء الفروض فالمُترجم صاحب النسخة السريانية ترجمها فى العصر العباسى أيضاً عن النسخة العربية التى كانت أمامه، ومن ثم فهذا المُترجم المسيحى العربى هو مَنْ أخذ من قصة ذى القرنين وأضاف إلى نسخته السريانية.
وكمعلومة على هامش الموضوع قد بدأ حكم العباسيون فى القرن الثامن الميلادى، أى فى داخل المدة التى حددها الكاتب من قبل.
فكل هذا من شأنه أن يوضح الحقيقة المخفية والمُثيرة أن المُترجم السريانى كان مصدره فى الكتابة عن الإسكندر هو القرآن.
المفضلات