"(إن مع العسر يسرا)
يا أيّها الإنسان.. بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ريّ، وبعد السهر نوم،
وبعد المرض عافية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضالّ، ويفكّ العاني،
وينقشع الظلام (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده).
بشّر الليل بصبح صادق سوف يطارده على رؤوس الجبال ومسارب الأودية،
بشّر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر،
بشّر المنكوب بلطف خفيّ وكفّ حانية وادعة.
إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد، فاعلم أن وراءها رياضاً خضراء وارفة الظلال.
إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد، فاعلم أنه سوف ينقطع.
مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة.
فلا تضق ذرعاً، فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج،
الأيام دول، والدهر قُلّب، والليالي حبالى، والغيب مستور،
والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا،
وإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً."
آيتان مُتشابهتان .. ختمهما الله بخاتمتين مُختلفتين ..
{ وإن تَعُدُّوا نعمة الله لا تُحصُوها إنّ الإنسانَ لظلومٌ كَفّار } …
{ وإن تَعُدُّوا نعمة الله لا تُحصُوها إنّ الله لغفورٌ رحيم } …
الأولى ختمت بتعامل الإنسان مع الله ..
والثانية ختمت بتعامل الله مع العبد ..
فيا الله ما أعظم الرب .. وما أجهل العبد !
تدبروا وتفكروا .. هو الكريم
سوف تظل صلاتنا الإسلامية كنزا مخفيا لا يعلم ما فيه إلا من باشره بحضور كامل ..
يقول لنا الله " أقيموا الصلاة " و لا يقول صلوا .. لأن الصلاة الحقيقية إقامة تشترك فيها
جميع الأعضاء مع القلب و العقل و الروح ..
و خطأ الأوروبي أنه يظن أن الصلاة " الإسلامية " هي مجرد حركات و أنها على الأكثر
مجرد اغتسال و رياضة " بدنية " ، و لهذا يقف عند ظاهر الأمر لا يتخطاه ..
و ينسى أن الحركات في الصلاة ليست مجرد رمز فهي وقوف إكبار لله مع كلمة "الله أكبر " ،
ثم ركوع ثم فناء بالسجدة و ملامسة الأرض خشوعا و خضوعا ، و بذلك تتم حالة الخلع
و التجرد و السكتة " الكاملة " النفسية .. ولا يبقى إلا استشعار العظمة لله تسبيحا ..
" سبحان ربي الأعلى و بحمده " .. " سبحان ربي الأعلى و بحمده "
" و سبحان " معناها ليس كمثله شيء ، و هو اعتراف بالعجز الكامل عن التصور ..
و معناها عجز اللغة و عجز اللسان و عجز العقل عن وصف المحبوب .
و تلك ذروة " نفسية " في النجوى ..
(د . مصطفى محمود)
المفضلات