تأملات في مناسبة الأحداث مع يوسف وموسى عليهما السلام :
إكمالا لما مرّ من التأملات مع الخضر وذي القرنين وعلى منوالها أنسج قائلا :
إن الروابط اللفظية والمعنوية ومجريات الاحداث التي مرت بهما في القرآن الكريم تجعلك تقف أمام كتاب مترابط متماسك كالكلمة الواحدة؛ إنْ تقدمَ حرفٌ على حرف أو سقط حرفٌ؛ لاختلَّ مبناها ومعناها، بَيْدَ أَنَّ اللهَ قال في قرآنه عن قرآنه : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}....
فلكل نبي بيئة وحال عاش فيها وبها قبل نبوته وبعدها إلا أننا نجدُ الأحداث التي مرت بيوسف عليه السلام؛ هي شبيهة إلى حدٍّ ما بالأحداثِ التي مرت بموسى عليه السلام من حيث المكان؛ فكلاهما عاش في مصر وكلاهما عاش في قصر الملكِ وكلاهما بُشِّر بالنبوة منذ الطفولة وكلاهما له مواقف مع إخوته؛ فيوسف ألقيَ في الجبّ بأيدي إخوته للخلاص منه ، كما أن موسى قًذِف في اليم بيد أمه لنجاته فكانت أخته سبب نجاته أيضا على خلاف أُخُوَّة يوسف التي أدت إلى إلقاءه في الجب، وكلاهما له موقف مع امرأة الملك؛ فامرأة العزيز سيئة الخلق – في حينها- يومَ راودته، في حين نجد امرأة فرعون ضرب الله بها المثل للذين آمنوا فكانت تقول (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) وقبلها كلاهما أخذا لأجل اتخاذهما ولدا كما في قوله عن يوسف في سورته: {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} وكذا وردت عن موسى في سورة القصص بنفس اللفظ : {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}
، وليس هذا فقط بل جاء عن يوسف أيضا في سورته أن إخوته له ناصحون! {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} وكذا موسى أخته احتجت بالنصح كما في قوله : {فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}.....
وأكتفي بهذا القدر مع أني تركتُ من المناسبات بينهما الكثير ولكني آثرت الاختصار خشية السآمة عليكم ، ولعلي أختم بالآية التي وردت عن كل منهما ، فجاء عن يوسف : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} وكذا جاء عن موسى في القصص : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}
والله أعلم