وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ .... إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ... أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ...الشورى ( 32 – 34 )
علق السيد " ملحد " على ذلك فقال ...... إن الله سبحانه وتعالى تحدى أن يوقف السفن حتى التي تعمل بالديزل والطاقة النووية ... بأن يجعل الريح ساكنه.... فكيف يكون ذلك ؟؟؟

الرد على التدليس

إن القرآن الكريم كتاب الله تعالى .. ومن إعجازاته .. أنه جاء متواكبا مع لغة و مفهوم و أحداث كل عصر .. الأمر الذي يجعله دائم الحضور و التجدد ........ و لذلك فهو يُخاطِب الناس على قدر عقولهم .. فلكل مقام مقال و لكل عصر أمثلة تعطى من واقع الحياة التي يلمسونها و يعاصرونها ..

فحينما ورد في القرآن الكريم " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون " النحل 8 ... كانت الخيل و البغال و الحمير هي وسائل المواصلات الموجودة في عصر النبوة .... ولكن انظر إلى الإشارة و الومضة القرآنية في كلمات " ويخلق ما لا تعلمون " ....... ليدل ذلك على أن تلك الوسائل لن تكون هي فقط الوسائل حتى قيام الساعة إنما سيظهر في كل عصر الجديد و الجديد ... فوسائل النقل التي ظهرت في عصرنا هذا .... من سيارات و طائرات و سفن بمحركات الديزل و صواريخ .. و كل ما سيظهر من وسائل مواصلات ... وغير ذلك ... مما لا نعلمه الآن و حتى قيام الساعة ... أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى " ويخلق ما لا تعلمون ".

كذلك الحال في الآيات الكريمة التي ذكرها السيد " ملحد " .. والتي يجب أن نصلها و نقرأها مع ما قبلها و ما بعدها من آيات وعن ماذا تهدف ...
هذه الآيات مجتمعة هي : " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ .. وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير .... وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ ..... إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ... أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ" .

فما تفسير و شرح هذه الآيات .. إنه كالآتي ... إن أي مصيبة أصابتكم مما تكرهونه فبسبب معاصيكم ، وما عفا عنه الله في الدنيا أو آخذ عليه فيها ، فالله أكرم من أن يُعاقبْ به في الآخرة ، وبهذا تنزَّه عن الظلم واتصف بالرحمة الواسعة .


إن البشر ليس بقادر على أن يعجز الله عن إنزال المصائب في الدنيا عقاباً لهم على معاصيهم ... وإن هربوا في الأرض كل مهرب ... وليس لهم من دون الله من يتولاهم بالرحمة عند نزول البلاء .... ولا من ينصرهم بدفعه عنهم .

ومن دلائل قدرة الله السفن الجارية في البحر كالجبال الشاهقة في عظمتها .. إن يشأ الله يُسْكِن الريح فتظل السفن ثوابت على ظهر الماء لا تجرى بهم إلى مقاصدهم ... ( هذا حينما كان المخاطبون آنذاك يشاهدون و يلمسون أن حركة سفنهم كانت على أساس الرياح فتحدث القرآن بشئ من التفصيل عن ذلك ) ... إن في سيرها ووقوفها بأمر الله لدلائل واضحة على قدرة الله .. يَعْتبر بها المؤمنون الصابرون في الضراء .. الشاكرون في السراء .

أما السفن التي لا تعتمد على الرياح ( حيث سيتغير ذلك من عصر إلى عصر .. إلى بخار / ديزل / طاقة نووية ..... ) فسيطبق عليها المرادف الثاني وهى كلمة " أو يوبقهن " .. أي أو يَهلكن بذنوب ركابها " بما كسبوا " بوسائل متعددة مختلفة تناسب كل عصر و نوع .... وإن يشأ يعف عن كثير .

أي أن السفن التي لا ينطبق عليها أنها ستصبح راكدة بسكون الريح ... ( و ما يترتب على ذلك من ضرر لركابها عقاباً على معاصيهم ) فإنها سينطبق عليها قوله سبحانه " يوبقهن" .. وبذلك فان كل هذه الآيات الكريمة ستنطبق و ستسري على كل ركاب ... و كل أنواع السفن حتى قيام الساعة .. ولكن لكلٍ وسيلته .

و لكي نُسعدْ السيد " ملحد " ......... فإنه من العجيب أن كلمة "ريح " أتت في القرآن الكريم بمعنى القوة و الطاقة عموما والدليل قوله تعالى ..." وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ..." الأنفال: 46 .... فعلى ضوء ذلك يكون ما ورد في الآية المذكورة ... " إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ " .. أي يُسكن القوة و الطاقة التي تحرك تلك السفن ... سواء أكانت هواء أو ديزل أو وقود نووي أو ...... أو أي قوة أو طاقة غيرها ستكتشف مستقبلا ليوم القيامة .... وبذلك يكون اختيار القرآن الكريم لكلمة " ريح " .. وان كان معناها الظاهري هو الهواء الذي يهب ليدفع السفن في اتجاهها .. إلا انه يدل أيضا على معنى اشمل واعم .... ألا وهو القوة والغلبة والمتانة المحركة لكل كيان يطلب من ورائه أن يتحرك على وجه متحد بحيث لو تخلف فيه جانب ضعف أثره واختل النظام وبطل نفعه ......