وجوه الترجيح بين ما ظاهره التعارض

اعلم أن من نظر في أحوال الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم وجدهم متفقين على العمل بالراجح وترك المرجوح، وطرق الترجيح كثيرة جداً، ومدار الترجيح على ما يزيد الناظر قوة في نظره على وجه صحيح مطابق للمسالك الشرعية، فما كان محصلاً لذلك فهو مرجح معتبر.

والترجيح قد يكون باعتبار الإسناد، وباعتبار المتن، وباعتبار المدلول، وباعتبار أمر خارج، فهذه أربعة أنواع:

1- وجوه الترجيح باعتبار الإسناد:

1- الترجيح بكثرة الرواة فيرجح ما رواته أكثر على ما رواته أقل لقوة الظن به، وإليه ذهب الجمهور.

قال ابن دقيق العيد هذا المرجح من أقوى المرجحات، وقال الكرخي إنهما سواء.

ولو تعارضت الكثرة من جانب والعدالة من الجانب الآخر ففيه قولان:

ترجيح الكثرة وترجيح العدالة فإنه رب عدل يعدل ألف رجل في الثقة، كما قيل إن شعبة بن الحجاج كان يعدل مئتين، وقد كان الصحابة يقدمون رواية الصديق على رواية غيره.

2- ترجح رواية الكبير على رواية الصغير لأنه أقرب إلى الضبط إلا أن يعلم أن الصغير مثله في الضبط أو أكثر ضبطاً منه.

3- ترجح رواية من كان فقيهاً على من لم يكن كذلك لأنه أعرف بمدلولات الألفاظ.

4 - ترجح رواية الأوثق.

5 - ترجح رواية الأحفظ.

6 - أن يكون أحدهما من الخلفاء الأربعة دون الآخر.

7 - أن يكون أحدهما صاحب الواقعة لأنه أعرف بالقصة.

8 - أن يكون أحدهما مباشراً لما رواه دون الآخر.

9 - أن يكون أحدهما كثير المخالطة للنبي دون الآخر، لأن كثرة الاختلاط تقتضي زيادة في الاطلاع.

10 - أن يكون أحدهما قد ثبتت عدالته بالتزكية والآخر بمجرد الظاهر.

11 - أن يكون المزكون لأحدهما أكثر من المزكين للآخر.

12 - ترجح رواية من يوافق الحفاظ على رواية من ينفرد عنهم في كثير من رواياته.

13 - ترجح رواية من دام حفظه وعقله ولم يختلط على من اختلط في آخر عمره ولم يعرف هل روي الخبر حال سلامته أو حال اختلاطه.

14 - تقدم رواية من كان أشهر بالعدالة والثقة من الآخر، لأن ذلك يمنع عن الكذب.

15 - تقدم رواية من تأخر إسلامه على من تقدم إسلامه، لاحتمال أن يكون ما رواه من تقدم إسلامه منسوخاً.

16 - تقدم رواية من ذكر سبب الحديث على من لم يذكر سببه.

17 - تقدم الأحاديث التي في الصحيحين على الأحاديث الخارجة عنهما.

18 - تقدم رواية من لم ينكر عليه على رواية من أنكر عليه فإن وقع التعارض في بعض هذه المرجحات فعلى المجتهد أن يرجح بين ما تعارض منها.

2- وجوه الترجيح باعتبار المتن:

الأول: يقدم الخاص على العام

الثاني: تقدم الحقيقة على المجاز إذا لم يغلب المجاز

الثالث: يقدم ما كان حقيقة شرعية أو عرفية، على ما كان حقيقة لغوية.

الرابع: يقدم ما كان مستغنياً عن الإضمار في دلالته، على ما هو مفتقر إليه.

الخامس: يقدم الدال على المراد من وجهين على ما كان دالاً عليه من وجه واحد.

السادس: يقدم ما كان فيه الإيماء إلى علة الحكم على ما لم يكن كذلك، لأن دلالة المعلل أوضح من دلالة غير المعلل.

السابع: يقدم المقيد على المطلق.

3- وجوه الترجيح باعتبار المدلول:

الأول: يقدم ما كان مقرراً لحكم الأصل والبراءة على ما كان ناقلاً.

الثاني: أن يكون أحدهما أقرب إلى الاحتياط فإنه أرجح.

الثالث: يقدم المثبت على المنفي لأن مع المثبت زيادة علم.

الرابع: يقدم ما كان حكمه أخف على ما كان حكمه أغلط.

4- وجوه الترجيح باعتبار أمور خارجة:

الأول: يقدم ما عضده دليل آخر على ما لم يعضده دليل آخر.

الثاني: أن يكون أحدهما قولاً والآخر فعلاً فيقدم القول لأن له صيغة والفعل لا صيغة له.

الثالث: يقدم ما كان فيه التصريح على ما لم يكن كذلك كضرب الأمثال ونحوها فإنها ترجح العبارة على الإشارة.

الرابع: يقدم ما عمل عليه أكثر السلف على ما ليس كذلك لأن الأكثر أولي بإصابة الحق.

الخامس: أن يكون أحدهما موافقاً لعمل الخلفاء الأربعة دون الآخر فإنه يقدم الموافق.

السادس: أن يكون أحدهما موافقاً لعمل أهل المدينة.

السابع: أن يكون أحدهما أشبه بظاهر القرآن دون الآخر فإنه يقدم.

من: قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث

للشيخ جمال الدين القاسمي - رحمه الله -

ص 257 فما بعدها.