المقابلة

هي تصحيح الكتاب على أصله أو على فرع مقابل على ذلك الأصل ، وهي متعلقة بكتابة الحديث وضبطه.

والغرض من المقابلة خشية سقوط شيء منه أو وقوع خطأ في النقل.

وهي واجبة كما قال القاضي عياض رحمه الله ، ويقول ابن الصلاح :(على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه، وكتاب شيخه الذي يرويه عنه ، وإن كان إجازة .

روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال لابنه هشام: كتبت؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ قال: لا، قال: لم تكتب.

وروينا عن الشافعي الإمام وعن يحيى بن أبي كثير قالا: من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج.

وعن الأخفش قال: إذا نُسخ الكتاب ولم يعارَض، ثم نُسخ ولم يعارَض، خرج أعجمياً.

وقال القاضي عياض: «مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به مُتَعَيِّنة لا بد منها، ولا يحل للمسلم التقي الرواية ما لم يقابل بأصل شيخه، أو نسخةٍ تحقِّق ووُثِق بمقابلتها بالأصل».

وأفضل المعارضة أن يعارض الطالب كتابه بنفسه مع شيخه بكتابه في حال تحديثه به فإنه يحصل في ذلك غالبا من وجوه الاحتياط من الجانبين ما لا يحصل في غيره

هذا إذا كان كل منهما أهلا لهذا الأمر وذا عناية به فإن لم تجتمع هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها .

وقيد ابن دقيق العيد الأفضلية بتمكن الطالب مع ذلك من التثبت في القراءة والسماع وإلا فتقديم المقابلة حينئذ أولى بل قال إنه يقول إنه أولى مطلقا لأنه إذا قوبل أولا كان في حال السماع أيسر وأيضا فإنه إذا وقع إشكال كشف عنه وضبط فقرئ على الصحة فكم من جزء قرئ بغتة فوقع فيه أغاليط وتصحيفات لم يتبين صوابها إلا بعد الفراغ فأصلحت

وربما كان ذلك على خلاف ما وقعت القراءة عليه فكان كذبا إن قال قرأت لأنه لم يقرأ على ذلك الوجه

وقال الحافظ أبو الفضل الجارودي أصدق المعارضة مع نفسك.

وقال بعضهم لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه ،ولا يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة ،بل يقابل نسخته بالأصل حرفاً حرفاً حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له.

لكن قال ابن الصلاح وهذا مذهب متروك وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا ولا يخفى أن الفكر يتشعب بالنظر في النسختين بخلاف الأول.

وقال ابن دقيق العيد هذا يختلف باختلاف الناس فمن عادته عدم السهو عند النظر فيهما فهذا مقابلته بنفسه أولى ومن عادته السهو فهذا مقابلته مع غيره أولى .

ويقول الشيخ أحمد شاكر : أرى أن هذا يختلف باختلاف الظروف والأشخاص ، وكثير من الناس يتقنون المقابلة وحدهم ، ويطمئنون إليها أكثر من المقابلة مع غيرهم .

كما ذكر العلماء أنه يستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه نسخة لا سيما إن أراد النقل منها ، وقد روي عن يحيى بن معين أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ هل يجوز أن يحدث بذلك عنه فقال أما عندي فلا يجوز ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم .

وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية ،والصحيح أن ذلك لا يشترط ،وأنه يصح السماع وإن لم ينظر أصلا في الكتاب حالة القراءة ،وأنه لا يشترط أن يقابله بنفسه بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل الراوي ،وإن لم يكن ذلك حالة القراءة وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه.

وأما من لم يعارض كتابه بالأصل ونحوه أصلاً فقد اختلف في جواز روايته منه ، فمنع من ذلك بعضهم ،ونحا قريا من منحاه من قال لا يجوز للراوي أن يروي عن شيخه شيئاً سمعه عليه من كتاب لا يعلم هل هو كل الذي سمعه أو بعضه، وهل هو على وجهه أم لا ، وأجاز ذلك جماعة منهم أبو بكر الخطيب البغدادي ، غير أن الخطيب ذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من الأصل ،وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض ،وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي هل للرجل أن يحدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله ؟ فقال نعم ولكن لا بد أن يبن أنه لم يعارض ، قال وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاني فإنه روى لنا أحاديث كثيرة قال فيها أخبرنا فلان ولم أعارض بالأصل.

قال ابن الصلاح :ولا بد من شرط ثالث وهو أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط.

ومن مسائلها حكم الرواية من نسخة لم تقابل فتساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابل، بمجرد قول الطالب: " هذا من روايتك " ، من غير تثبت ولا نظر في النسخة، ولا تفقد طبقة سماعه ، وقد عدهم الحاكم في طبقات المجروحين.

انظر: الإلماع (ص 158- 159)، علوم الحديث لابن الصلاح(ص105)، تدريب الراوي ضمن مبحث كتابة الحديث النوع الخامس والعشرون، الباعث الحثيث (ص136-137) ،توجيه النظر(ج2 ص773) ، شرح نخبة الفكر للقاري (ص 805)، الاقتراح (ص44).