وصل الزوج إلى عمله، وضع يده في جيبه ليخرج مفاتيح أدراج مكتبه. خرجت مع المفاتيح رسالة ورقية صغيرة. مَن وضع هذه الرسالة؟ ومتى؟ هكذا سأل الزوج نفسه؟ فتح الرسالة فإذا فيها:
زوجي الحبيب.. لك أكثر من أسبوعين منشغل عني.. الله يقويك على مشاغلك.. لكن أليس من حق زوجتك أن تسمع كلمة حب.. كلمة شكر.. كلمة تعني أنني شيء مهم في حياتك.. أبكي في وجودك فلا تحس بي، وأنتظرك كل يوم بشغف فتتجاهلني.. تعشق نجاحك في عملك، وتسعد بكل كلمة يقولها مديرك ثناءً عليك وعلى جهدك وتفانيك.. وتخبرني أنه أفضل مدير لأنه يقدر جهودك بشكل مستمر، ويشجعك بلا كلل.. وأن مدحه لك يزيدك إخلاصًا واجتهادًا.. فلماذا لا تتعلم منه؟
أفلا تعلم أن حبك لي أعظم عندي من الدنيا وما فيها، وأن أشواقي إلى كلمات حبٍّ رقيقة منك أغلى من كنوز الدنيا كلها. لست راغبة في عتابك.. وأحب نجاحك وأفتخر به.. ولكن هلاَّ اقتديتَ بنبيك في معاملته لزوجاته. وقد كان أعظم انشغالاً منك، ومع هذا ضرب للمؤمنين أروع الأمثلة في الحياة الزوجية السعيدة، فرسم لنا طريقًا ملؤها المودة والرحمة فيما بين الزوجين، وتشع رضا وبهجة.
كاد الزوج أن يمزق الرسالة قائلاً في نفسه: ماذا تريد هذه المرأة مني أكثر مما أفعله؟ وهل أضحي بكل وقتي وجهدي إلا لإسعادها؟
طوى الرسالة وقرر أن يبدأ يومه بنشاط لأن مديره ينتظر منه اليوم تقريرًا مهمًا.. لكنه ما لبث أن قرر الاستئذان من العمل.. وغادر بعد نصف ساعة فقط من وصوله.. مر على بعض الأسواق.. عاد إلى منزله يحمل أكياسًا صغيرة.. بدا متجهمًا جدًا وهو يدخل البيت.. استقبلته زوجته في خوف وقلق ولهفة قائلة: ماذا جرى؟ هل بك شيء؟
سكت قليلاً قبل أن يجيبها، ثم قال: أتدرين ما في هذه الأكياس؟ قالت: لا، ماذا بها؟
قال: طيب تعالي نفتحها.
ثم ابتسم وقال وهو يفتح أول كيس منها: هذه هدايا لأجمل امرأة، وأخلص زوجة، وأحلى من رأت عيوني؟
نظرت إليه الزوجة في دهشة، ثم فهمت فتنهدت في فرح وقالت: وتركت عملك من أجل أن تحضر هدية لي؟ أنتَ قرأت رسالتي؟!
قرأتُها وعلمتُ أنني تزوجتُ ملاكًا جميلاً لا ينبغي أن أُفوِّت لحظة دون أن أسعده فيها. أتدرين قبل حضوري أوكلت لأحد زملائي مهمة كتابة تقرير مهم.. فقد تذكرت أن مديري يمدحني لمصلحة العمل.. ولو قصَّرت معه أسبوعين لربما استغنى عن خدماتي أو ذمَّني وشهَّر بي في كل مكان، وخاصة بين زملائي. أما أنت فشيء آخر..ثم طبع قبلة على رأسها.
هذه القصة على قِصَرِها تحمل معاني ودلالات كبيرة، فكم من زوجات يعانين مثل هذه الزوجة، وربما ليس لأسبوعين بل لأشهر أو سنوات!! لأن الزوج يعتبر إرواء مشاعر زوجته أمرًا غير ذي بالٍ، أو لا يستحق عناء إظهار محبته ومودته لها.
إن المرأة تريد أن تشعر أنها مرغوبة محبوبة دائمًا من زوجها، فلا تُهمل في أي ظرف، لذا علَّمنا النبي صل الله عليه وسلم كيف نُشعِر الزوجة بالحب في كل الأوقات، وبطرق ورسائل مختلفة، ومن ذلك في السيرة حديث أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)،"أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يَتَّكِئ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرأُ الْقُرْآنَ"[متفق عليه].يعني يُشعرها بحُبِّه القُرْب منها في جميع الأوقات.
وكذلك تقول (رضي الله عنها):كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُ النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ (فَمِي) فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ- أي آخذ اللحم عن العظم بأسناني- وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم، فَيَضَعُ فَاهُ (فَمَه) عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ".[رواه مسلم].
فالمتأمل لهذه الأحاديث وغيرها كثير يكتشف فيضًا من دلالات المودة والمحبة، وإيحاءات رومانسية جميلة، لعل أبرزها أن النبي r لم يكن يترك فرصة لإرسال رسائل حب تعبر عن مشاعره وحبه واهتمامه بزوجاته إلا استثمرها لمزيد من الأُلفة والمودة.
ألا يكفيك أيها الزوج أن تكون رسائل حبك إلى زوجتك (بكلمة طيبة– بهمسة - بلمسة حانية- برسالة اشتياق منك ترسلها إلى هاتفها- بخروجة لطيفة) عنوانًا إلى خيريتك في الدنيا والآخرة، قال النبي r: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))[رواه الترمذي].
وأن تكون رسالة حب صغيرة منك لها على مائدة طعامكما - كالتي رأيت النبي صل الله عليه وسلم يفعلها مع عائشة - تفتح لك لا قلبها فحسب، بل وأبواب رضا الله، والأجر الجزيل، والثواب العظيم كذلك، قال النبي صل الله عليه وسلم: ((إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ))[متفق عليه].


أسأل الله لكم السعادة فى الدارين اخواتى الحبيبات