بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
هذا مِن اجتهاد العلماء فعندنا التفاسير يؤخذ منها ويرد وليست كما تعتقدون بوحيها فلا يوجد أيه أو حديث يقال فيها أن الرسول إِذَا وَقَعَ بَصَره عَلَى اِمْرَأَة وَجَبَ عَلَى زَوْجهَا طَلاقهَا وَحَلَّ لَهُ نِكَاحهَا
و هذا تفسير ابن كثير عن قصة سيدنا زيد
[ ص: 424 ] ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا ( 37 ) )
يقول تعالى مخبرا عن نبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، إنه قال لمولاه زيد بن حارثة وهو الذي أنعم الله عليه ، أي : بالإسلام ، ومتابعة الرسول ، عليه أفضل الصلاة والسلام : ( وأنعمت عليه ) أي : بالعتق من الرق ، وكان سيدا كبير الشأن جليل القدر ، حبيبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، يقال له : الحب ، ويقال لابنه أسامة : الحب ابن الحب قالت عائشة ، رضي الله عنها : ما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلا أمره عليهم ، ولو عاش بعده لاستخلفه رواه أحمد عن سعيد بن محمد الوراق ومحمد بن عبيد ، عن وائل بن داود ، عن عبد الله البهي عنها
وقال البزار : حدثنا خالد بن يوسف ، حدثنا أبو عوانة ( ح ) ، وحدثنا محمد بن معمر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو عوانة ، أخبرني عمران بن أبي سلمة ، عن أبيه : حدثني أسامة بن زيد قال : كنت في المسجد ، فأتاني العباس وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، فقالا يا أسامة ، استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فأتيت رسول الله فأخبرته ، فقلت : علي والعباس يستأذنان ؟ فقال : " أتدري ما حاجتهما ؟ " قلت : لا يا رسول الله فقال : " لكني أدري " ، قال : فأذن لهما قالا يا رسول الله ، جئناك لتخبرنا : أي أهلك أحب إليك ؟ فقال : " أحب أهلي إلي فاطمة بنت محمد " قالا يا رسول الله ، ما نسألك عن فاطمة قال : " فأسامة بن زيد بن حارثة ، الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه "
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية - وأمها أميمة بنت عبد المطلب - وأصدقها عشرة دنانير ، وستين درهما ، وخمارا ، وملحفة ، ودرعا ، وخمسين مدا من طعام ، وعشرة أمداد من تمر قاله مقاتل بن حيان ، فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها ، ثم وقع بينهما ، فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله يقول له : " أمسك عليك زوجك ، واتق الله " قال الله تعالى : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه )
ذكر ابن جرير ، وابن أبي حاتم هاهنا آثارا عن بعض السلف ، رضي الله عنهم ، أحببنا أن نضرب [ ص: 425 ] عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها
وقد روى الإمام أحمد هاهنا أيضا حديثا ، من رواية حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس فيه غرابة تركنا سياقه أيضا
وقد روى البخاري أيضا بعضه مختصرا فقال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا معلى بن منصور ، عن حماد بن زيد ، حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك قال : إن هذه الآية : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) نزلت في شأن زينب بنت جحش ، وزيد بن حارثة ، رضي الله عنهما
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق ، حدثنا ابن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني علي بن الحسين ما يقول الحسن في قوله : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) [ وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ] ) ؟ فذكرت له فقال : لا ولكن الله أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها ، فلما أتاه زيد ليشكوها إليه قال : اتق الله ، وأمسك عليك زوجك فقال : قد أخبرتك أني مزوجكها ، وتخفي في نفسك ما الله مبديه
وهكذا روي عن السدي أنه قال نحو ذلك
وقال ابن جرير : حدثني إسحاق بن شاهين ، حدثني خالد ، عن داود عن عامر ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : لو كتم محمد صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله ، لكتم : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه )
( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا ( 52 ) ) .
ذكر غير واحد من العلماء - كابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن زيد ، وابن جرير ، وغيرهم - أن هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضا عنهن ، على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة ، لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم في الآية . فلما اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان جزاؤهن أن [ الله ] قصره عليهن ، وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن ، أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن ، ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا حرج عليه فيهن .
قلت لك قبلا أنه اجتهاد من المفسر ولفظ الهبة أى التى تهب نفسها وتتنازل عن حقوقها من نفسها
يقول الله آتيت أجورهن أى أن هناك أجر أما التى تهب نفسها هى مَن تتنازل عن اجرها
انظر الى الاية
يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ...
من تفسير ابن كثير
وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن ابن عباس : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) قال : هي ميمونة بنت الحارث .
فيه انقطاع : هذا مرسل ، والمشهور أن زينب التي كانت تدعى أم المساكين هي زينب بنت خزيمة الأنصارية ، وقد ماتت عند النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، فالله أعلم .
والغرض من هذا أن اللاتي وهبن أنفسهن من النبي صلى الله عليه وسلم كثير ، كما قال البخاري ، حدثنا زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو أسامة قال : هشام بن عروة حدثنا عن أبيه ، عن عائشة قالت : كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن من النبي صلى الله عليه وسلم وأقول : أتهب امرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله : ( ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ) قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن منصور الجعفي ، حدثنا يونس بن بكير ، عن عنبسة بن الأزهر ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له .
ورواه ابن جرير عن أبي كريب ، عن يونس بن بكير . أي : إنه لم يقبل واحدة ممن وهبت نفسها له ، وإن كان ذلك مباحا له ومخصوصا به; لأنه مردود إلى مشيئته ، كما قال الله تعالى : ( إن أراد النبي أن يستنكحها ) أي : إن اختار ذلك .
المفضلات