ومع كل هذه الاستخراجات التي أتينا عليها مما قررتها آيات الأناجيلفي تاريخها لنوع العلاقة اليهودية المسيحية التي بدأت من جانب جماعات إسرائيل فيعصر الميلاد بالتخلص من صاحب الميلاد- عليه السلام- ثم عنادهم وإصرارهم ومواصلتهمطريق العداء والرفض، بل والمطاردة لكل قيم ومبادئ وعقيدة صاحب الميلاد عليه السلام،فإنه في العصر الحديث وتحت سمع الدنيا وبصرها، قد وجد من الذين أرادوا أن يشوهواميراث الدين المسيحي وصلب دعوته وعقيدته في خدمة مرحلة جديدة وعصرية من محاولاتاليهود صهاينة الحركة الاستعمارية العنصرية الرأسمالية - مجموعة من العملاءوالجهلاء ، على حد سواء- عملوا على أن يشوهوا آيات العقيدة الدينية المسيحية التيتكشف عورات اليهود وسوء نياتهم نحو قيم الحب والحق والخير، وتبدد النظر عن إثمعملهم وخطيئة ميراثهم، كان ذلك حين أمكن لنشاط اليهود العالمي أن يصل إلى معقلالقداسة الدينية وموطن التطهر المسيحي في العالم كي يمسخ ويشوه الآيات التي تقومعليها قداسة الدين المسيحي ومعتقد المسيحيين في الفاتيكان وفي غيره من بقاع الأرض،وحيثما يوجد مسيحي يردد بضع آيات من الأناجيل يؤمن بها ويعتز بقداستها‏.‏‏"‏ ‏[‏التاريخ اليهودي العام، صـ357-363، بتصرف‏.‏‏]‏ حقا إنها مفارقة عجيبة‏"‏ تبرئةاليهود من دم المسيح‏:‏ومع أن المسيحية كانت منذ بدايتها دحضا صريحا لكل آمالاليهود، قائلة‏:‏‏"‏ هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا‏"‏ فإننا نجد أن المسيحية قد تحولتمنذ آواخر القرن التاسع عشر إلى أكبر مساند عنيد، لتحقيق آمال اليهود ومطامعهم، حيثخضع ‏"‏البروتستانت‏"‏ أولا، ثم ها نحن نرى أن الكاثوليكية قد خضعت هي الأخرى فيالسنوات الأخيرة، حتى أعلنت تبرئة اليهود من دم المسيح،وسمحت للمسيحيين بالانضمامإلى محافل الماسونية‏.‏‏!‏‏!‏ ‏[‏ المخططات التلمودية، صـ63‏]‏
قد كان على المسيحيين - قبل المسلمين- أن يهبوا - ولديهم القوة لأخذثأرهم من بني إسرائيل- ‏"‏ اليهود‏"‏ لدورهم الذي قاموا به مع أعظم شخصية لديهم، لاأن يمتحلوا لهم الأعذار ، ويقوموا بتأليف وثيقة لتبرئة اليهود من دم المسيح ‏.‏ ‏[‏جنايات بني إسرلئيل على الدين والمجتمع، صـ 159-160، بتصرف‏.‏‏]‏
حيث أصدر‏"‏ المؤتمر الاكليروسي العالمي‏"‏ المنعقد برئاسة‏"‏البابابولس السادس‏"‏ سنة 1963م ، قرارا بتبرئة اليهود من دم المسيح ،هذانصه‏:‏‏"‏ إن التآمر اليهودي على السيد المسيح لم يكن جماعيا، وإن اليهود الذين لميحضروا ذلك التآمر أبرياء من اللعنة‏.‏‏"‏
هذا القرار لم يأت عفو الخاطر وإنما جاء ولا شك بعد جهود دائبةمكثفة وعمل مضني امتد عدة قرون‏.‏ ‏[‏ القوى الخفية، صـ78-79، بتصرف‏.‏‏]‏
تبرئة اليهود من اللعنة مع أن الانجيل ينص صراحة على لعناليهود‏.‏‏!‏‏!‏
ويؤكد على أنهم هم الذين طلبوا اللعنة على أنفسهم، وعلى ذراريهم منبعدهم، وهذا يدل على أن القرار لم يأت عفوا بلا تعب، فلا يدين جميع اليهود الذينعاصروا المسيح،ويبرئ اليهود الذين لم يحضروا ذلك التآمر من الأجيال اللاحقة، تلكالأجيال التي كانت وما تزال وستبقى تحمل التوراة وتقدسها، وتقدم التلمود عليها- وكما رأينا التلمود- يصف المسيح بالدجل، ويصف أمه بالزنى، ويحكم عليه أنه في سقر،بين القار والنار‏.‏‏!‏‏!‏
فهل لمثل هذا ينعت شعب الله المختار بالشعب الملعون، والشعبالقاتل‏؟‏‏!‏‏!‏
لا، لا‏.‏‏.‏‏.‏ إنه برئ من اللعنة ، برئ من الصلب والقتل‏!‏‏!‏
ولم يكتف المؤتمرون بقرار التبرئة هذا ، بل إنهم حملوا على جميعالأديان، ما عدا المسيحية واليهودية طبعا، ووصفوها بأنها ديانات وثنية‏.‏ ‏[‏ القوىالخفية، صـ 80‏]‏
ومع وجود هذا القرار الذي برأ ساحة اليهود من دم المسيح لا يسعناإلا أن نفتح الإنجيل لنفتح به بصيرة عميان المسيحية بعد أن أعمت اليهودية بذهبهابصرهم‏.‏
لنفتح إنجيل متى، ونقرأ‏"‏ويل لكم، أيها الكتبة والفريسيونالمراؤون، لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين، وتقولون ‏:‏ لو كنافي أيام آبائنا، لما شاركناهم في دم الأنبياء، فأنتم بذلك تشهدون على أنكم قتله،أيها الحيات، يا أولاد الأفاعي، يا أبناء إبليس، كيف تهربون من دينونة جهنم، لذلكأنا أرسل لكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في مجامعكم،وتطردون من مدينة إلى مدينة‏"‏‏[‏ إنجيل متى، إصحاح، 23‏.‏‏]‏
ألا يدل هذا الكلام الذي جاء على لسان المسيح ، دلالة صريحة على أناليهود قتلة في كل زمان ومكان‏؟‏هل ما زلتم في شك من ذلك‏؟‏ أما قرأتم هذا الحوارالذي دار بين اليهود وبين ‏"‏بيلاطوس البنطي،‏"‏ قُبَيل محاكمة المسيح‏.‏‏.‏‏؟‏
بيلاطوس‏:‏ وأي شرعمل‏؟‏
الجميع‏:‏ ليصلب ، ليصلب
‏(‏فلما رأي بيلاطوس أنه لا ينفع شيئا، أخذ ماء، وغسل يديه قدامالجميع‏)‏
وقال بيلاطوس‏:‏ إني برئ من دم هذا البار، أبصروا أنتم
الجميع‏:‏ دمه علينا وعلى أولادنا‏.‏
فهذا بيلاطوس غسل يديه من دم المسيح، لئلا يلطخها بالدم البرئ، فيحين كان جميع المجتمعين يقولون ‏:‏ ‏"‏دمه علينا وعلى أولادنا‏"‏‏[‏ إنجيل متى،إصحاح، 27‏(‏20-26‏)‏ بتصرف‏.‏‏]‏
ولا شك أن المسيحيين قد قرأوا في إنجيلهم هذا الحوار المأساوي الذيدار بين المسيح ومن أرادوا صلبه قبيل تنفيذ عملية الصلب هذه- حسب زعم الإنجيل‏.‏
اليهود‏:‏ أبونا إبراهيم‏.‏
المسيح‏:‏ لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعلمون أعمال إبراهيم،ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله، هذالم يعمله إبراهيم، أنتم تعملون أعمال أبيكم‏.‏
اليهود‏:‏ إننا لم نولد من زنى، لنا أب واحد، هو الله‏.‏
المسيح‏:‏ لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني، لأني خرجت من قبل اللهوأتيت ، لأني لم آت من نفسي، بل ذاك أرسلني، لماذا لا تفهمون كلامي‏؟‏ لأنكم لاتقدرون أن تسمعوا قولي، أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا، ذاككان قتالا للناس من البدء، ولم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه حق، متى تكلم بالكذبفإنه يتكلم مما له، لأنه كذاب وأبو الكذاب، وأما أنا فلأني أقول الحق، لستم تؤمنونبي، من منكم يبكي على خطيئته‏؟‏ فإن كنت أقول الحق، فلماذا
لستم تؤمنون بي‏؟‏ الذي من الله يسمع كلام الله‏.‏
اليهود‏:‏ ألسنا نقول حسنا‏؟‏ إنك سامري ، وبك شيطان‏.‏
المسيح‏:‏ أنا ليس بي شيطان، لكني أكرم أبي،وأنتم تهينونني، أنا لستأطلب مجدي، يوجد
من يطلب ويدين، الحق الحق أقول لكم، إن كان أحد يحفظ كلامي، فلن يرىالموت إلى الأبد‏.‏
اليهود‏:‏ الآن علمنا أن بك شيطانا، قد مات إبراهيم والأنبياء ،وأنت تقول إن كل واحد يحفظ كلامي، فلن يذوق الموت إلى الأبد، ألعلك أعظم من أبيناإبراهيم الذي مات والأنبياء الذين ماتوا‏؟‏ من تجعل نفسك‏؟‏
المسيح‏:‏ إن كنت أمجد نفسي ، فليس مجدي شيئا‏.‏‏.‏‏.‏ إبي هو الذييمجدني، الذي تقولون أنتم إنه إلهكم، وليس تعرفونه، وأما أنا فأعرفه، وإن قلت إنيلست أعرفه أكن مثلكم كاذبا، لكنني أعرفه وأحفظ قوله‏.‏
أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي،فرأى وفرح‏.‏
اليهود‏:‏ ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت إبراهيم‏؟‏
المسيح‏:‏ الحق، الحق، أقول لكم قبل أن يكون إبراهيمأنا كائن‏.‏
تقول الرواية‏:‏ لقد رفعوا حجارة ورجموه بها، ثم بعد ذلك صلبوه‏.‏‏[‏ إنجيل يوحنا، إصحاح، 8‏(‏38-4‏)‏‏]‏ ‏(‏زعموا‏!‏‏!‏‏)‏
فهذا الذي فعله هؤلاء الأبرياء ‏!‏‏!‏ فهل تريدون المزيد‏؟‏
وأنا أعلم- وأيم الله - أن المسيح لم يصلب، ولكني أوقن والله لو لميرفعه الله إليه لصلبه اليهود، ما يتورعون من ذلك، ووالله لو استطاعوا صلبه وقتلهأكثر من مرة لفعلوا، وليس هذا مع المسيح فقط، بل ومع كل الأنبياء، وسائر الصلحاء،والمصلحين والمقسطين، وصدق ربنا العظيم، القائل في قرآنه الكريم‏:‏ ‏{‏ أفكلما جاءكم رسول بما لاتهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون‏}‏ ‏[‏ سورة البقرة‏:‏ 87‏.‏‏]‏
{‏إنالذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط منالناس فبشرهم بعذاب أليم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏ سورة آل عمران‏:‏ 21‏.‏‏]‏
إنهم ما قتلوا المسيح لأن الله نجاه، ولأنه رفعه إليه، ولكن القتلوالصلب وقع على شبه المسيح، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وقولهم إنا قتلنا المسيحعيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم‏}‏ ‏[‏ سورةالنساء‏:‏ 157‏.‏‏]‏ ألقى الله شبه المسيح على ‏"‏يهوذا الأسخريوطي‏"‏، زعيمالطائفة التي تطارد المسيح فقتلوه وصلبوه وعذبوه،ومع ذلك فنحن لا نبرئهم من دمالمسيح كما فعلت الكنائس المسيحية، لأن قوانين العقوبات تقول‏:‏ إنه إذا ترصد شخصلقتل آخر ووضع الرصاصة في بندقيته وصوبها إليه ليقتله فقتل غيره بدلا منه‏.‏‏.‏‏.‏فإنه حقيقة ما قتل من يقصد قتله ولكنه قاتل بالعمد وبسق الإصرار، وبإزهاقروح ‏.‏‏.‏ ‏[‏ اليهود في القرآن الكريم، تأليف‏:‏ الشيخ صلاح أبو إسماعيل، صـ 38،بتصرف، ط/ جمعية الشيخ عبد الله النوري الخيرية الكويت ، الثانية، 1410 هـ/ 1990م‏.‏‏]‏
- إن المسيح جاء ليكشف تعاليم اليهود الشريرة، ويطردهم من الهيكلالذي دنسوه، ولهذا فإنهم لم يعفوا عنه‏.‏
- إن قرار التبرئة هذا كان قراراً سياسيا، اقتضاه قيام إسرائيلوخروج اليهود علنا إلى مسرح السياسة العالمية‏.‏
فهل رفع المسيحيون على اليهود قضية يطالبونهم فيها بدم المسيح، حتىيطلب هؤلاء منهم براءتهم من دمه‏؟‏
إن الإجابة على السؤال تفسر لماذا ألح اليهود على الفاتيكان بإصدارالقرار، وفي هذا الوقت بالذات‏!‏‏!‏ ‏[‏ القوى الخفية، صـ 92، 94بتصرف‏.‏‏]‏