المبحث الثالث: زعم اليهود أنهم قتلوا المسيحوصلبوه
وتبعهم النصارى في هذا الزعم الفاسد، وحولوه إلى عقيدة من معتقداتهمالزائفة، مع أن الحق الذي لا يقبل الشك هو ما قاله الله تعالى: {وقولهم إنا قتلنا المسيحعيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيهلفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا. بل رفعه الله إليهوكان الله عزيزا حكيما} [ سورة النساء: 157-158.] ونجمل القولفي هذا الزعم وما سبقه من خطوات فنقول: لقد تآمر اليهود على التخلص من عيسى،والقضاء على دعوته ، بعد أن ذاع صيته،واشتهرت دعوته، وحيث قاومه اليهود بأساليب شتىمن اتهامه، والسخرية منه، ومجادلته، وإنكار معجزاته، وغير ذلك ،لكنهم رأوا أن كلهذه السبل التي سلكوها لم توقف مد هذه الدعوة، تآمروا على نهاية المسيح كعادتهم معمن قتلوا من الأنبياء من قبل. واستخدموا في هذه المؤامرة تلك الخطوات التي سبقالحديث عنها، من التآمر السري عليه- حيث اجتمع"السنهدرين"[ السنهدرين: هيئةرسمية تتكون من واحد وسبعين عضوا يرأسها رئيس الكهنة، وتمثل السلطة الشرعية فيإسرائيل .
ولا السنهدرين" أول شكل تنظيمي من أشكال التنظيم العنصريالسري"القوة الخفية" وهو المجلس الأعلى الذي يحكم الطائفة، ويملك وحده حق الحلوالعقد في شئونها.
والسنهدرين كلمة دخيلة على اللغة العبرية بعد عصر الكتاب المقدسبأجيال، وأصلها يوناني" سوندريون" بمعنى المجلس ، أو الجمعية، أو الهيئةالاستشارية، من فعل في اللغة اليونانية هو" سوندرهو" معناه: اجتمع، واستعملاليونان لفظة" سوندريون" في لغتهم المؤتمر السياسي الذي ينعقد على أثر الحروب،ولهيئة أركان الحرب، كما عبرو بها عن المحكمة العليا، وكذلك :مجلسالشيوخ.واستعملها المؤرخ اليهودي"يوسيفوس" في القرن الأول الميلادي، في حديثهعن التنظيمات الجديدة التي أدخلها "جوبيونوس" الحاكم الروماني على الشام سنة 57ق.م. وعندما قسم فلسطين إلى خمس محافظات ، وجعل لكل منها هيئة حاكمة تسمى"السنهدرين" وكانت "أورشليم" إحدى هذه المحافظات الخمس، - وأوضح كثير من محققىالتاريخ اليهودي أن استعمال هذه الكلمة اليونانية بين اليهود أقدم من ذلك ، حيثيرجع إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وقد ترجموا بها اللفظة العبريةالفصحى"زقينيم" أي شيوخ الجماعة، اقتداء بموسى الذي اختار من قومه سبعين رجلا،هم أعضاء المجلس الذي يحكم بني إسرائيل، ولا ندري كيف كانوا يحكمون على أيام موسى،ولكننا نعلم أنهم في عصور ما بعد السبي البابلي كانوا يقومون بالمشورة والإفتاءوتنظيم الهيكل والقضاء بين الناس، كما كانوا هم الذين يصدرون أحكام الإعدام، وكانتهذه المهمة الأخيرة دقيقة جدا بالنسبة لهم، فكانوا يعنون بالبحث عن الشبهات والظروفالمخففة حتى لا تكثر أحكام القتل، إحتراسا من قول التلمود:"إن السنهدرين الذييقتل واحدا كل أسبوع لجدير بأن يسمة مخربا"وقد نظم أخبار التلمود "السنهدرين"فجعلوه على درجتين: السنهدرين الأعظم؛ وهو المجلس الأعلى المركزي لجميع اليهود،ويتألف من سبعين رجلا، على رأسهم واحد ينوب عن موسى، هو الملك إن وجد، أو الحاخامالأكبر، وكانوا إذا اجتمعوا جلسوا في نصف دائرة.
- السنهدرين الأصغر: وهو مجلس محلي لكل تجمع يهودي ، يتألف منثلاثة وعشرين عضوا. وقد ورد في التلمود أن مدينة أورشليم كانت تمتاز بمجلسين منالسنهدرين الأصغر، ينعقد كل منها عند باب من أبوابها، إلى جانب السنهدرين الأعظمالموجود بها أيضا. وكان السنهدرين الأصغر محكمة تقف في القضاء عند درجة معينة لاتتعداها، إذ تذهب القضايا الكبرى إلى السنهدرين الأعظم. ورئيس السنهدرين الأعظمكان يحمل لقب (أمير) بالعبرية (ناس)، ويتخذ مكانه في وسط الأعضاء، بصفةخليفة موسى، وكان اختياره يتم بالانتخاب بين الأعضاء، ولم يكن يشترط فيه أن يكونأكبرهم سنا، ويكتفي بأن يكون أوسعهم علما وأشدهم غيرة على الدين، وأعمقهم وعيابمصالح اليهود.
هذا، وجلسات السنهدرين الرسمية لم تكن تعقد عادة في بيت رئيسالكهنة، ولذلك حين اجتمع السنهدرين في كامل هيئته، فإن من المعتقد ألا تعتبر هذه"محكمة" حقيقية، بل اجتماع عقد لهدف واحد، هو تمكين السلطات اليهودية من أنتوافق أولا على: ضرورة إصدارحكم الموت على يسوع (وهذا أمر يخضع للقوانيناليهودية) وثانيا: الاتفاق على خطة مناسبة لإغراء الوالى الروماني على إصدارحكمالإعدام (وهذا يتطلب بالطبع تهمة يكون للقضاء الروماني حق الولاية وصلاحية النظرفيها.
راجع في هذا: الشخصية الإسرائيلية ، د/حسن ظاظا، صـ 51-54،
المسيح في مصادر العقائد المسيحية، م/ أحمد عبد الوهاب، صـ 150، ط/ مكتبة وهبة الأولى، سنة 1978م، 1398هـ،
جذور الفكر اليهودي، صـ 90،
التفسير الحديث للكتاب المقدس، صـ 420، ط/ دار الثقافة. ]
ليفكر كيف يكون التخلص من المسيح، حيث قرروا ضرورة التخلص منه، ثمأصدروا في هذا الاجتماع أمرا بأن كل من يجد المسيح أن يبلغ عنه، ليلقوا القبض عليه،وأخذوا في التجسس كخطوة تنفيذية لما تم إصداره من ضرورة القبض على المسيح، وقداستعمل اليهود في هذه الخطوة الإغراء بالمال ، وهو إحدى الوسائل الهامة لديهملتحقيق أهدافهم، فتسللوا وسط أتباعه وأصحابه وارتبطوا بواحد من الذين يلازمونالمسيح ليعرفوا أخباره منه، وحولوه من تابع مؤمن ، إلى ساع لتنفيذ مؤامرة ضد معلمهوسيده!!
ويبدو أن تعاليم سيده لم تصل إلى قلبه فلم يصمد إيمانه أمام ضغطالمادة وقوة الإغراء، إلى أن تم القبض على السيد المسيح -كما تقول الروايات- بأسلوبعنيف قاس، كأن المسيح مخرب أو مسيىء، أو مجرم قاتل!!
وبعد القبض عليه قدم للمحاكمة أمام المجلس اليهودي، وعندئذ اجتمعالكتبة والشيوخ، وتقدم شهود زور كثيرون ليفتروا على المسيح فرية تكون مبررالقتله.
كما نفث أولاد الأفاعي سم مؤامرتهم ، حيث وشوا بالمسيح عند الحكومةالرومانية، مدعين أن دعوة المسيح لن تبقى الشعب على ولائه للحكم والسيادةالرومانية، فإن الشعب لو سمع دعوته فإنه سيعمل على التحرر النفسي، والتخلص من الأسرالاجتماعي والسياسي بأداة الدعوة الجديدة. وشوا بهذا وغيره، رغم أن المسيح لميتعرض لسياسة الدولة بنقد أو تجريح. وبهذه الوشاية دخلت الدولة معركتها مع عيسى،وهكذا تآمر اليهود لارتكاب هذه الخطئية والاشتراك في هذه الجريمة التي اشترك فيهاالجميع ورضيها، ولم تتم إلا بعد اجتماع ومشاورة وإقرار، حتى اشترك فيها الشعباليهودي أيضا، ذلك الذي ضلل تماما، وأصبح أداة عمياء تبغي ما يريد القوم الذيناستشعروا خطر دعوة السيد المسيح .
اللهم نصرك لغزة الذي وعدت
المفضلات