تحليل نفسي للموقف اليهودي ضد المسيح عليه السلام‏:‏
‏"‏لقد عرف القاصي والداني أن الكثيرين ممن تشكل عليهم قيم الدعوةإلى الحق والعدل خطرا، وتهدد مصالحهم أو امتيازاتهم أوتقفل عليهم أبواب التسلق،ومحاولات السيطرة والنفاذ إلى مقدرات الإنسان والحياة بقصد الاستغلال لمتطلبات الحسوحاجة الهوى والمصلحة الخاصة، فإنهم يرفضون تلك الدعوة بكل ما أوتوا من قوة، ومااستطاعوا من سبل‏.‏
بعكس الذين يريدون الإصلاح وينشدون الطهر والنقاء، فهؤلاء تكون لهملهفة وسرعة استجابة‏.‏ وأمر دعوة السيد المسيح التي تنشد الصلاح والخلاص مع اليهودلم تصادف أهلها، حيث حاول المسيح عليه السلام أن يستأنس الخراف الضالة من بنيإسرائيل ، لكنه تحرك في مجتمع متعفن التقاليد، جامد العواطف تسيطر عليه الطبقيةالمستغلة من تجار الحكم، وتجار المال، وتجار الدين، ووسط صراع وتناقضات مجتمعالعشارين والمرابين والفريسيين والصدوقيين، وكل هذه القوى التي كانت تسيطر علىالمجتمع الذي بدأ فيه المعلم العظيم الدعوة والعمل إلى قيم التطهر والنقاء، كان هذاوحده كفيلا بأن يعرضه للمشقة وللمخاطر‏.‏وبأن يقضى عليه وعلى دعوته منذ البدايةالأولى فبل أن يشكل خطر الدعوة على الذين تهدد الدعوة امتيازاتهم وتسلبهم أدواتاستغلالهم، والذي عرف نفسية اليهود، وخباياهم يدرك هذا المعنى الذي يمكن أن يعجزالقلم عن تصويره، والعقل عن تصوره، بل وربما عجز الخيال أيضا عن تخيله، والوهم عنتوهمه، لما له من أغوار بعيدة العمق، عميقة البعد، ما يعرفها الإنسان السوى، ولايتخيلها الإنسان المجرد، لأنها مجردة عن الإنسانية ، قد تجرد صاحبها من كل معنىإنساني أو ديني أو خلقي، بل تدني إلى درك لا ترتضيه البهائم لها، لما أودع اللهفيها من صفات، قد يضرب بها المثل في عالم الإنسانية، كما يقال‏:‏ فلان كالكلب فيوفائه، وكالأسد في شجاعته، وكالجمل في حلمه، والحمار في صبره‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏الخ
إن هؤلاء اليهود- الذين قام فيهم المسيح عليه السلام بدعوته- فقدعرفوا بالطبع الملتوي، والخلق النهاز،شعب صلب الرقبة، فيهم الغدر والجبن والخيانةفهم ذئاب إذا قدروا، وأرانب إذا خافوا‏.‏
وعليه‏.‏‏.‏ فإن القيم الجديدة التي تمثلها دعوة السيد المسيحبقدرما كانت عمليات رفض لمظاهر الاستغلال الصارخة، فإنها أيضا كانت خطرا على كل عفنديني، وكل كهانة أخلاقية، وكل جمود على العرف والتقاليد‏.‏
وليس من العجب أو غير المألوف أن خطر الدعوة-أخلاقيا- سري إلى سلطانالدولة الرومانية نفسها في أورشليم ‏"‏القدس‏"‏ وامتدادها ، مهددا النظام الغاشمالقائم على القهر والاستعباد، رغم أن الدعوة المسيحية - على حد روايات الأناجيل- لمتتعرض للدولةالرومانية صراحة في ثورة دين ، بهدم أو بناء‏.‏
وأمام كل ما تمثله الدعوة الجديدة على يد معلمها العظيم، فليس غريباأن تتكتل الجهود، جهود كل قوى التناقض اليهودي الطبقي، ثم تتعاون قوى السلطانالرومانية مع التحالف اليهودي، ويصبح موقف الوالي سلبيا متميعا، كى يكون بالسلبيةدون التدخل المباشر من قبل الدولة،وإنما بالتحالف غير المباشر وبالمؤامرة والخداع ،يصبح المجال ميسرا ومهيئا لامكانية التخلص من خطر الداعي الجديد‏.‏
ولقد بذل القوم جميعا في تحالف وارتباط وتآمر جهودا قوية ومضنية فيالتخلص من المعلم الجديد‏.‏ ‏[‏ التاريخ اليهودي العام، صـ350-352، بتصرف‏.‏‏]‏
‏"‏ولما كانت آيات الأناجيل - وهي في جملتها وتفصيلها- تمثل موقفرفض وسخط بل وحرب لكل ما خلفه مجتمع إسرائيل عبر التاريخ، ولكل ما كان عليه مجتمعإسرائيل في عصر الميلاد، وتقرر علاقتها بشعب إسرائيل خاصة وأنها قد أصبحت- منذ عصرالميلاد- آيات عقيدة لمن آمن من بني إسرائيل بالسيد المسيح أن يقطع كل صلة له ببنيإسرائيل وتاريخهم ومعتقداتهم وميراث أخلاقهم وكل ما كانوا عليه في حالة من عقيدةالرفض لكل مظاهر الزيف والنفاق والوثنية متحليا بقيم النقاء الديني والتطهر الروحيالذي دعا إليه المعلم العظيم، فكل هذه الفروق بين تصورهم ومعتقداتهم بين الأمسواليوم على حياة السيد المسيح يجعلهم يرفضون دعوته‏.‏ ‏[‏ اليهودية واليهوديةالمسيحية للأستاذ الدكتور/ فؤاد حسنين على، معهد البحوث والدراسات العربية، عام 1968م القاهرة‏.‏‏]‏
أيضا ‏.‏‏.‏‏.‏ كما أشرنا من قبل-لقد أرادوا المسيح ملكا وليس نبيا،أرادوه للدنيا ولم يريدوه للدين، ولا للآخرة، أرادوه لإعادة مجدهم وملكهم أرادوه،للمادة لا للروح‏.‏ فلما لم تكن دعوته كذلك ، كان-بالطبع- لا بد وأن يرفضها العنصرالشاذ، والطبع الملتوى، والخلق النهاز، والحيوان المتوحش ، والهمجي الوحشي ‏.‏
ولو كانوا خرافا لاستأنسوا هذه الدعوة، ولذا قرر القوم الثائرونالمتمردون الساخطون على تعاليم المعلم ومنهجه، التخلص منه والقضاء عليه، وأمام هذهالنهاية المفجعة ابتدأ المعلم العظيم على حد روايات الأناجيل- يحزن ويأسف لأن تكونالنهاية هكذا وتمنى في ابتهال صادق وصدق عظيم، صدر من دعوة نبي مع فدائية بطل أيضا،ألا تكون النهاية هكذا على أيدي قاتلى الأنبياء وراجمي المرسلين، وأعتقد يقينا أنالله تعالىقد استجاب دعوته‏.‏ ‏[‏ التاريخ اليهودي العام صـ 352-354، بتصرف‏.‏‏]‏