يقول القرطبي في " الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى " :

( ولم ينكر أحد من السلف أن استواءه على عرشه حقيقة ، وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته ، وإنما جهلوا كيفية الاستواء ، فإنه لا يعلم حقيقة كيفيته ، قال الإمام مالك : الاستواء معلوم – أي في اللغة – والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ) .

وقال :

( الأكثر من المتقدمين والمتأخرين – يعني المتكلمين – يقولون : إذا وجب تنزيه الباري جل جلاله عن الجهة والتميز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم المتأخرين : تنزيه الباري عن الجهة ، فليس لجهة فوق عندهم ، لأنه يلزم من ذلك عندهم أنه متى اختص بجهة أن يكون في مكان وحيز ، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للتميز والتغير والحدوث – هذا قول المتكلمين ) .

قال الذهبي : نعم ، هذا ما اعتمده نفاة علو الرب عز وجل ، وأعرضوا عن مقتضى الكتاب والسنة ، وأقوال السلف ، وفطر الخلائق ، وإنما يلزم ما ذكروه في حق الأجسام ، والله تعالى لا مثل له ، ولازم صرائح النصوص حق ، ولكنا لا نطلق عبارة إلا بأثر .

ثم نقول : لا نسلم أن كون الباري على عرشه فوق السماوات ، يلزم منه أنه في حيز وجهة ، إذ ما دون العرش يقال فيه حيز وجهات ، وما فوقه فليس هو كذلك ، والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول ونقله عنهم الأئمة ، وقالوا ذلك رادين على الجهمية القائلين : بأنه في كل مكان ... – إلى أن قال – فأما القول الثالث المتولد أخيــــــراً من أنه تعالى ليس في الأمكنة ، ولا خارجاً عنها ، ولا فوق عرشه ، ولا هو متصل بالخلق ولا بمنفصل عنهم ، ولا ذاته المقدسة متحيزة ، ولا بائنة عن مخلوقاته ولا في الجهات ، ولا خارجاً عن الجهات ، ولا ، ولا ، فهذا شي لا يعقل ولا يفهم مع ما فيه من مخالفة الآيات والأخبار ، ففر بدينك ، وإياك وآراء المتكلمين ، وآمن بالله وما جاء عن الله على مراد الله ، وفوض أمرك إلى الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

مختصر العلو : ص 286-287 .