المشهد الخامس عشر زواجه من زينب بنت جحش
{ نكاح زوجة ابنه بالتبني }
يقول الفلم بأن محمد صلى الله علية وسلم أخذ زوجة ابنه و نكحها فهل هذا صحيح ؟
زينب بنت جحش
زينب بنت جحش بن رباب بن يعمر الأسدي حليف بني عبد شمس، من المهاجرات الأول، وأمها: أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، عمته صلى الله عليه وسلم، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث أو خمس بعد ما كانت زوجة لزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان يدعى ابن محمد وفي ذلك بيان حكم الزواج من زوجة الابن المتبني فقد تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه قبل النبوة فكان يُقال له زيد بن محمد، فقطع الله تعالى هذه النسبة بقوله: ((ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّه))[الأحزاب:5]، ثم زاد ذلك بياناً وتأكيداً بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها" حتى نزلت الآية: ((ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّه)) وفيها نزلت ((فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا)) [الأحزاب:37].كانت زينب رضي الله عنها من سادات النساء ديناً وورعاً وجوداً، وهي أول الأمهات لحوقاً بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث كانت وفاتها سنة عشرين.
- ومن مناقبها:
1- زوجها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سموات: ((وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)) [الأحزاب:37].وكانت تفتخر على الزوجات فتقول: " زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ".
2- كان زواجها سبباً لنزول آية الحجاب.روى البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "... لما أهديت زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معه في البيت، صنع طعاماً ودعا القوم فقعدوا يتحدثون، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون، فأنزل الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا)) [الأحزاب:53]. فضُرب الحجاب، وقام القوم" .
3 - ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليها بين أزواجه بتصدقها وإنفاقها في سبيل الله. روى مسلم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَسْرَعُكُنَّ بِي لُحُوقًا أَطُوَلُكُنَّ يَدًا "، قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيُّهُنَّ أَطُوَلُ يَدًا، قَالَتْ: فَكَانَ أَطُوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ، لأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَتَصَدَّقُ
4- ومن فضائلها رضي الله عنها أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: "وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ، وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى".
أمرين هامين في هذه القضية وهما:
1- أن زينب بنت جحش رضي الله عنها هي ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ظلت تسكن مع الرسول صلى الله عليه وسلم منذ طفولتها حتى وقت زواجها بزيد ولم يكن هناك حينئذ حجاب.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم زوجها بزيد على الرغم مما تتمتع به من حسب ونسب.
والآن لنسأل الضالين المضلين الذين يروجون لهذا البهتان: هل من الممكن لامرأة نشأت وترعرعت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغت مبلغ النساء ألا تقع في قلبه وهى بكر فإذا ما صارت ثيباًَ ومتزوجة بشاب آخر صادفت هوى في نفسه؟ألم يكن من الممكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها وهي لم تزل بعد في دار معه؟ لماذا أجبرها على الزواج بمتبناه إذا كان يحبها؟ هل كان ثمة ما يحول دون ذلك؟.يفترض الأفاكون أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها أول مرة في بيت زيد فوقعت في قلبه- إن هذا هو الافتراء بعينه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهي تدل على أمور منها :
- أن عادة الجاهلية أن الابن المتبنى يعتبر ابنًا من كل الوجوه ، فألغى الله تلك العادة ، وقال { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } .
-كذلك اقتضت حكمة الله أن يبطل هذه العادة الجاهلية التي تدخل في الأسرة من ليس منها ، فتفسد العلاقات الأسرية . وأن يكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم تأكيدًا لهذا الإبطال إذ يتزوج زوجة دعيه بعد أن يطلقها كما قال تعالى : - { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } . زواج محمد صلى الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبنى زيد بن حارثة إنما كان لحكمة تشريعية أرادها الإسلام لإبطال هذه العادة ـ عادة التبني ـ التي هي في الحقيقة تزييف لحقائق الأمور كان لها في واقع الناس والحياة آثار غير حميدة.ولأن هذه العادة كانت قد تأصلت في مجتمع الجاهلية اختارت السماء بيت النبوة بل نبي الرسالة الخاتمة نفسه صلى الله عليه وسلم ليتم على يديه وفى بيته الإعلان العلمي عن إبطال هذه العادة.مرة أخرى نذكر بأن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب لم تكن وراءه أبدًا شهوة أو رغبة جنسية وإنما كان أمرًا من قدر الله وإرادته لإبطال عادة التبني من خلال تشريع يتردد صداه بأقوى قوة فى المجتمع الجاهلي الذي كانت عادة التبني أصلاً من أصوله وتقليدًا مستقرًا فيه ، فكان السبيل لأبطالها أن يتم التغيير في بيت النبوة وعلى يد الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم. وإن تبناه محمد وبات يسمى زيد بن محمد في عرف المجتمع المكى كله ، لكنه عند العروس الحسيبة الشريفة والجميلة أيضا ما يزال ـ كما كان بالأمس - الأسير الرقيق الذي لا يمثل حُلم من تكون في مثل حالها من الحسب والجمال وليس هذا بغريب بل إنه من طبائع الأشياء.ومن ثم لم تتوهج سعادتها بهذا الزواج ، وانعكس الحال على زيد بن حارثة فانطفأ في نفسه توهج السعادة هو الآخر ، وبات مهيأ النفس لفراقها بل لقد ذهب زيد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكو زينب إليه كما جاء في البخاري من حديث أنس قال: جاء زيد يشكو إلى الرسول فجعل صلى الله عليه وسلم يقول له: [ أمسك عليك زوجك واتق الله ] قال أنس: لو كان النبي كاتمًا شيئًا لكتم هذا الحديث.لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول له كما حكته الآية: أمسك عليك زوجك ولا تسارع بتطليقها.وزينب بنت جحش هي بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم - كما سبقت الإشارة - وهو الذي زوجها لمولاه " زيد " ولو كانت به رغبة فيها لاختارها لنفسه ؛وخاصة أنه رآها كثيراً قبل فرض الحجاب ، وكان النساء فى المجتمع الجاهلي غير محجبات فما كان يمنعه - إذًا - من أن يتزوجها من البداية ؟! ؛ ولكنه لم يفعل.فالأمر كله ليس من عمل الإرادة البشرية لهم جميعًا: لا لزينب ولا لزيد ولا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنه أمر قدري شاءته إرادة الله لإعلان حكم وتشريع جديدين في قضية إبطال عادة " التبنى " التى كانت سائدة فى المجتمع آنذاك.فإن ما أخفاه النبى صلى الله عليه وسلم هو كتم ما كان الله قد أخبره به من أن زينب ـ يومًا ما ـ ستكون زوجًا له ؛ لكنه لم يصرح به خشية أن يقول الناس: إنه تزوج زوجة ابنه بالتبني

حكمة إبطاله:
1ـ إن روابط الأسرة الصغرى في الإسلام من الأبوين والأولاد تعتمد على رابطة الدم الواحد والأصل المشترك، والولد المتبنى غريب عن هذه الأسرة، فلا يكون له حكم قرابة الأرحام.
2ـ إن الإسلام يقوم في جميع علاقاته الاجتماعية على أساس من الحق والعدل ورعاية الحقيقة، وهذا يقتضي نسبة الولد إلى أبيه الحقيقي، لا لأبيه المزوّر.
3ـ التبني مجرد تحقيق نسب مزعوم أو قول باللسان، لا أساس لهم من الصحة.
4ـ فيه تضييع للأنساب وقد أمرنا بحفظ أنسابنا.
5ـ فيه تحريم لما أحل الله وتحريم لما حرّم. فإن تحريم بنات المتبني مثلا على اليتيم فيه تحريم للمباح الذي لم يحرمه الله تعالى واستحلال الميراث من بعد موت المتبني مثلا فيه إباحة ما حرم الله لأن الميراث من حق الأولاد الذين هم من الصلب. قد يحدث هذا الشحناء والبغضاء بين المتبنى وأولاد المتبني.
6ـ حفظ الحقوق الأسرية التي ارتبطت في التشريع الإسلامي بجهات القرابة العماد الواقعي بين الوارثين ومورثيهم.ومن أضرار التبني اختلاط الأنساب فقد يرث الأب من ولده بالتبني والعكس فيكون كل منهما أخذ حق غيره.
7ـ فيه إدخال عنصر غريب في نسب المتبني، يخل على زوجته وبناته باسم البنوة والأخوة، ويعاشرهن على أساس منها وهو أجنبي عنهن، لا يباح له منهن ما يباح للابن أو الأخ الحقيقي لهنّ.
المراجع
- (صحيح) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم 7420، وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات للبيهقي حديث رقم 880.
- (صحيح) أخرجه ابن حبان في صحيحه حديث رقم 3314,6665.
- (صحيح) أخرجه مسلم في صحيحه حديث رقم 2444، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى حديث رقم 8841.
- مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (28/ 119-136)