أما حديث : " لا تتخذوا قبري عيدا "
فقد ورد من حديث علي بن أبي طالب ، وابنه الحسن وأبي هريرة رضي الله عنهم جميعا ، ومرسل الحسن بن الحسن رحمه الله .
حديث على بن أبي طالب :
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/375) – وعنه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" (469) ، ومن طريقه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (2/49) – ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم" (20) ، أخرجه البزار في "مسنده" (509) ، والخطيب في "الموضح" (2/25) ، وأبو طاهر السلفي في "الثامن عشر من المشيخة البغدادية" (رقم 1/ من حديث أبي علي بن الصواف / مخطوط) .
كلهم من طريق جعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحين ، قال : حدثني علي بن عمر ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فدعاه ، فقال : ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي ، عن جدي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : لا تتخذوا قبري عيدا ، ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم وتسليمكم يبلغني حيث ما كنتم.

قلت : وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (2/186) عن ابن أبي شيبة ، وأخرجه ابن أبي عاصم في "الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم" (26) عن ابن أبي شيبة مقتصرا على الشطر الأخير .
وقد سمعه أبو مسلم بن غازي بن حيدر القزويني - بمدينة السلام سنة سبع وثلاثين وخمسمائة - من أبي الفتوح الاسفرائني بروايته عن القاضي هجيم الروياني، عن الأشج باسناده الى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ذكره الرافعي في "أخبار قزوين" (2/26) .

قال البزار : " وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ ، وَقَدْ رُوِيَ بِهَذَا الإِسْنَادِ أَحَادِيثُ صَالِحَةٌ فِيهَا مَنَاكِيرُ ، فَذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لأَنَّهُ غَيْرُ مُنْكَرٍ : لاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا وَلاَ بُيُوتَكُمْ قُبُورًا قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ " .

قلت : وهذا اسناد ضعيف فيه جعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحين ، ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/160) وقال : "يعتبر حديثه من غير رواية عن هؤلاء" ، وتحرف كلامه في "لسان الميزان" (2/106) الى : " يعتبر بحديثه من غير روايته عن أبيه" ، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح و التعديل" (2/474) ، وسكت عنه .

حديث الحسن بن علي :
يروى عنه من ثلاثة طرق :
الطريق الأول : أخرجه ابن أبي عاصم في "الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم" (27) ، وأبو بشر الدولابي في "الذرية الطاهرة" (119) ، والمحاملي في "الأمالي – رواية ابن مهدي الفارسي" (144) – ومن طريقه السبكي في "طبقات الشافعية" (1/166) – ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2729) ، وفي "المعجم الأوسط" (365) ، وابن عساكر في "تاريخه" (13/61) .

كلهم من طريق سعيد بن أبي مريم قال: نا محمد بن جعفر قال: أخبرني حميد بن أبي زينب، عن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حيثما كنتم فصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني " .

قال الطبراني : " لا يروى هذا الحديث عن الحسن بن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به: ابن أبي مريم" .
قال السبكي : " ليس من رواية الحسن عن أبيه في شيء من الكتب الستة" .

قلت : وهذا اسناد ضعيف فيه حميد بن أبي زينب لا يعرف .
قال الهيثمي في المجمع (10/162) : "فيه حميد بن أبي زينب لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".

الطريق الثاني : أخرجه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" (6761) : حدثنا موسى بن محمد بن حيان ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا عبد الله بن نافع ، أخبرني العلاء بن عبد الرحمن ، قال :سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " صلوا في بيوتكم لا تتخذوها قبورا ، ولا تتخذوا بيتي عيدا ، صلوا علي وسلموا ، فإن صلاتكم وسلامكم يبلغني أينما كنتم " .

قلت : وهذا اسناد منكر فيه :
1- موسى بن محمد بن حيان : ترك أبو زرعة حديثه ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : "ربما خالف" ، وقال الخطيب البغدادي في "تاريخه" : "أحاديثه مستقيمة" .
2- عبد الله بن نافع : وهو ضعيف منكر الحديث .
3- الانقطاع : العلاء بن عبد الرحمن لم يدرك الحسن بن علي .

الطريق الثالث :
وابن عساكر في "تاريخه" (13/62) من طريق الليث بن سعد ، حدثني ابن عجلان عن سهيل وسعيد بن أبي سعيد مولى المهري ، عن حسن بن علي بن أبي طالب أنه قال ورأى رجلا وقف على البيت الذي فيه قبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدعو له ويصلي عليه فقال حسن للرجل لا تفعل فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : " لا تتخذوا بيتي عيدا ، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي حيث ما كنتم فإن صلاتكم تبلغني" .

قال الذهبي في "تاريخ الاسلام" (6/329) : "هذا حديث مرسل" .

حديث أبو هريرة :
يروي عنه من طريقين :
الطريق الأول : أخرجه أحمد في "مسنده" (2/367) ، وأبو داود في "السنن" (2042) – ومن طريقه البيهقي في "شعب الايمان" (4162) ، وفي "حياة الأنبياء بعد وفاتهم" (ص 95) ، وأبي اليمن ابن عساكر في "اتحاف الزائر" (ص 66) – ، وابن فيل البالسي في "جزئه" (113) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (8030) .

كلهم من طريق عبد الله بن نافع ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم " .

قال الطبراني : " لم يصل هذا الحديث عن ابن أبي ذئب إلا عبد الله بن نافع ، تفرد به : مسلم بن عمرو ".

قلت : وهذا اسناد حسن لذاته ، لأجل رجاله ثقات سوى عبد الله بن نافع الصائغ المخزومي وهو صدوق يخطىء ، ولكنه فقيه مدني ، والحديث سنة مدنية فهو محتاج اليه في فقهه ، ومثل هذا يضبطه الفقيه ، فينتفي خطئه في هذا الحديث .

قال ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي" (ص 199) : " لا خلاف في عدالته وفقه، وإن الغالب عليه الضبط، لكن قد يغلط أحياناً، ثم إن هذا الحديث مما يعرف من حفظه ليس مما ينكر، لأنه سنة مدنية هو محتاج إليها في فقهه. ومثل هذا يضبطه الفقيه " .

الطريق الثاني : أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/283) : حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمود ، ثنا عبد الله بن وهب ، ثنا محمد بن السكن الأيلي ، ثنا عبد الله بن هشام الدستوائي ، حدثني أبي ، ثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تتخذوا قبري عيدا لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يصلون إليها وصلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا " .

قال أبو نعيم : " غريب من حديث هشام لم نكتبه إلا من حديث ابنه عبد الله " .

قلت : وهذا اسناد ضعيف جدا فيه عبد الله بن هشام الدستوائي : وهو متروك .

مرسل الحسن بن الحسن بن علي :
أخرجه علي بن حجر السعدي في "حديثه عن إسماعيل بن جعفر" (436) عن سهيل بن أبي سهل أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فالتزمه، ومسح قال: فحصبني حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تتخذوا بيتي عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر " .

وعبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (3/71) و (3/576) عن الثوري، عن ابن عجلان، عن رجل يقال له: سهيل، عن الحسن بن الحسن بن علي، قال: رأى قوما عند القبر فنهاهم وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني " .

وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/375) و (3/345) : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن ابن عجلان ، عن سهيل ، عن حسن بن حسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تتخذوا قبري عيدا ، ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيث ما كنتم فإن صلاتكم تبلغني.

قلت : والحسن بن الحسن بن علي لم يدرك النبي صلى الله عليه و سلم ، فهو مرسل .

وإسماعيل بن إسحاق القاضي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم" (30) : حدثنا إبراهيم بن حمزة قال : ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن سهيل قال: جئت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وحسن بن حسين يتعشى في بيت عند النبي فدعاني فجئته فقال: ادن فتعش قال: قلت: لا أريده قال: مالي رأيتك وقفت؟ قال: وقفت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخلت المسجد فسلم عليه، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر، لعن الله يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم " .

قلت : وسهيل بن أبي صالح هذا ليس بصحابي وهو صدوق الا أنه تغير حفظه و نقص ، وفي الاسناد سقط .

ملحوظة : أصل هذا التخريج كنت قد أعددته قديما وناقشته في "ملتقى أهل الحديث" على هذا الرابط :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=251758