بارك الله في أختنا الفاضلة فداء الرسول ..
بالنسبة للسؤال ..
ليس كل ما اكتشفه العلم مجرد نظريات .. ولكن هناك أيضا ما أصبح حقائق علمية ثابتة لا تقبل الجدل .. فمثلا كروية الأرض ليست مجرد نظرية أو فرضية ولكنها أصبحت حقيقة علمية ثابتة لا تقبل الجدل .. ولقد أجمع علماء المسلمين على كروية الأرض قبل اكتشافها أو قبل أن تصبح حقيقة علمية ثابتة كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ..
وهناك أدلة كثيرة على وجود الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .. لكن من هو الشخص الذي يحق له أن يتكلم فيه أو كيف يجب أن يتكلم فيه ؟
عندما نتأمل الخلاف بين منكري وجود الإعجاز العلمي أو بعضه وبين المتحمسين له .. نجد أن السبب يرجع إلى قلة العلم أو الفهم في بعض الجانبين ..
فالعالم يجب أن يكون عالما بالأدلة الشرعية ، ولكن لا فائدة في علمه هذا - بل قد يكون ضارا - إذا كان يفتي الناس وهو لا يعرف الواقع كما هو على حقيقته أو لا يحسن سحب الأدلة الشرعية على هذا الواقع .. كما أن الذي يعرف الواقع جيدا كما هو أو الذي يتقن علما من العلوم الدنيوية التي تفيد الناس في حياتهم لكنه ينقصه العلم بالأدلة الشرعية ومع ذلك يأتي ويتكلم في الإعجاز العلمي بلا علم أو على الأقل بلا رجوع إلى أهل العلم في الدين من المتخصصين الثقات فسيضر هو أيضا ويكون سبب فتنة للناس ..
وهنا تجد بعض العلماء الأفاضل قد يكون منهم من هو على أتم العلم بالشرع ، لكنه لم يعرف الواقع كما هو وإلى أين وصل وليس له معرفة ولو إجمالية بالعلوم الدنيوية الأخرى خاصة تلك الأساسية التي يحتاجها الناس لتيسير حياتهم مثل الرياضيات والفيزياء والطب وغيرها .. فيكون هو وأمثاله سبب فتنة لبعض الناس لأنهم لم يميزوا بين ما في بعض أمثال هذه العلوم من حقائق يؤيدها الدليل العقلي أو الحسي بشكل قاطع لا يقبل الجدل ، وبين ما في بعضها من عقائد فاسدة وآراء باطلة خاصة في المسائل التي تتعلق بالغيب والألوهية ، فيحكمون على الجميع بالبطلان ومخالفة الإسلام .. مما يسبب فتنة للناس خاصة أولئك الذين يشتغلون بمثل هذه العلوم فلا يجدون أمامهم إلا الارتداد عن الدين أو الإعراض عنه وعن العلماء الربانيين الحقيقيين ..
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في أمثال هؤلاء العلماء : (( ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جنى على الدين وضعف أمره، فإن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابية، لا يبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها ويتحقق أدلتها... إذا قيل له إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيها وإنما يسترب في الشرع. وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقه أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقه، وهو كما قيل ’عدو عاقل خير من صديق جاهل )) [تهافت الفلاسفة، دار المعارف، ص 80]
وفي المقابل تجد من هو أهل لأن يتكلم في علم من العلوم الدنيوية كالفلك والفيزياء والرياضيات والطب وغيرها .. ويكون لديه حب لدين الله عز وجل وغيرة عليه لكنه مع الأسف غير متفقه في الدين فيتكلم في الإعجاز العلمي بدون حتى الرجوع إلى العلماء الثقات لسؤالهم لأنه مجال تخصصهم .. فيأتي بالعجائب ويصدق عليه قول "من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب" ..
ومن أكثر وأخطر الأخطاء التي يقع فيها المتكلمون في الإعجاز العلمي هي إنكارهم أحيانا لتفسير آية معينة أو لفظ أو عبارة بذكرهم لتفسير آخر من عند أنفسهم مع أن تفسير ذلك ورد في موضع آخر من القرآن الكريم نفسه أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ومن هذه الأخطاء أيضا عدم فهمهم الآية أو اللفظ أو العبارة حسب لغة العرب وقت نزول القرآن الكريم فيفهمونها بلغة اليوم التي تغيرت فيها كثير من الألفاظ ودلالاتها ودخلت عليها ألفاظ ودلالات أخرى وتشبعت بثقافات وأفكار جديدة .. فاللغات كما نعلم تتغير حسب الزمن ، فيقع هؤلاء في خطأ فهم دلالة الآية أو العبارة أو اللفظ بغير اللغة التي أنزل بها القرآن الكريم .. كما أنهم يقعون في خطأ عدم فهم الآية أو العبارة أو اللفظ كما فهمها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وأهل القرون الأولى دون اختلاف بينهم أو دون أن يتجاوز اختلافهم إن وجد نطاقا محددا لأن فهمهم الذي لم يختلفوا فيه كذلك نطاق اختلافهم إن وجد يعبر عن لغة العرب في ذلك الوقت والتي نزل القرآن الكريم بها .. فيقعون مرة أخرى في خطأ فهم دلالة الآية أو العبارة أو اللفظ بغير اللغة التي أنزل بها القرآن الكريم ..
المفضلات