سمكة تنقذ رجلاً
قال الراوي :
أردت أن أسافر من بلدي الموصل إلى بلد " سر من رأى " لشراء بعض البضاعة ،
وكانت هناك سفن تسير في نهر دجلة من الموصل إلى " سر من رأى "
تنقل الركاب والبضاعة بالأجرة ،
فركبت إحدى هذه السفن ، وسرنا في نهر دجلة متجهين إلى " سر من رأى " .
وكان في السفينة بعض البضاعة ونفر من الرجال لا يتجاوز الخمسة ،
وكان النهار صحواً ، والجو جميلاً ، والنهر هادئاً ، والربان يحدو ويغني غناء جميلاً ،
والسفينة تسير على صفحة الماء سيراً هادئاً ، حتى أخذت أكثرنا غفوة من النوم ،
أما أنا فكنت أمتع نظري بمناظر الشطآن الجميلة على جانبي النهر ،
وفجأة رأيت سمكة كبيرة تقفز من النهر إلى داخل السفينة
فهجمت عليها وأمسكت بها قبل أن تعود إلى النهر مرة أخرى .
وانتبه الرجال من غفوتهم بسبب الضجة التي حصلت ، وعندما رأوا السمكة قال أحدهم :
هذه السمكة أرسلها الله تعالى إلينا ، لما لا ننزل بها إلى الشاطئ ، فنشويها ونأكلها ؟ ،
وهي كبيرة تكفينا جميعاً فأعجبنا رأيه ، ووافق الربان على ذلك ، فمال بنا الى الشاطئ
ونزلنا واتجهنا إلى دغل ( دغل : الشجر الكبير ) من الشجر لنجمع الحطب ونشوي السمكة .
وما أن دخلنا الدغل حتى فوجئنا بمنظر اقشعرت منه جلودنا ، فوجئنا برجل مذبوح وإلى جانبه سكين
حادة على الأرض ، وبرجل آخر مكتوف بحبل قوي وحول فمه منديل يمنعه من الكلام والصراخ ،
فاندهشنا من هذا المنظر ، فمن قتل القتيل ما دام الرجل مكتوفاً ؟
أسرعنا أولاً فحللنا رباط الحبل ورفعنا المنديل من فمه ، وكان في أقصى درجات الخوف واليأس .
وعندما تكلم قال : أرجوكم أن تعطوني قليلاً من الماء أشربه أولاً ، فسقيناه وبعد أن هدأ قليلاً ،
قال : كنت أنا وهذا الرجل القتيل في القافلة التي تسير من الموصل إلى بغداد ،
والظاهر أن هذا القتيل لاحظ أن معي مالاً كثيراً ، فصار يتودد إلي ويتقرب مني ولا يفارقني إلا قليلاً ،
حتى نزلت القافلة في هذا المكان لتستريح قليلاً ، وفي آخر الليل استأنفت القافلة السير ،
وكنت نائماً فلم أشعر بها ، وبعد أن سارت القافلة استغل هذا الرجل نومي وربطني بالحبل كما رأيتم ،
ووضع حول فمي منديلاً لكي لا أصرخ ، وسلب مالي الذي كان معي ، ثم رماني إلى الأرض وجلس فوقي
يريد أن يذبحني وهو يقول : إن تركتك حياً فإنك ستلاحقني وتفضحني لذلك لابد من ذبحك .
وكان معه سكين حادة يضعها في وسطه ، وهي هذه السكين التي ترونها على الأرض ،
وأراد سحب السكين من وسطه ليذبحني ، لكنها علقت بحزامه ، فصار يعالجها ثم نترها بقوة ،
وكان حدها إلى أعلى فخرجت بقوة واصطدمت بعنقه وقطعت الجلد واللحم والشريان فتدفق الدم منه ،
وخارت قواه ثم سقط ميتاً . وحتى بعد موته كنت موقناً بالموت لأن هذا المكان منقطع لا يأتيه أحد إلا قليلاً ،
فمن يفكني ؟ من ينقذني ؟ وصرت أدعو الله سبحانه وتعالى أن يرسل من ينقذني مما أنا فيه ،
فأنا مظلوم ودعاء المظلوم لا يرد ، وإذا بكم تأتون وتنقذونني مما أنا فيه ،
فما الذي جاء بكم في هذه الساعة إلى هذا المكان المنقطع ؟.
فقالوا له : الذي جاء بنا هو هذه السمكة ، وحكوا له كيف قفزت من الماء إلى السفينة ،
فأتوا بها إلى هذا المكان لكي يشووها ويأكلوها ، فتعجب من ذلك وقال :
إن الله سبحانه وتعالى قد أرسل هذه السمكة إليكم لكي يجعلكم تأتون إلى هذا المكان
وتخلصونني مما أنا فيه ، والآن إنني تعب جداً ، أرجوكم أن تأخذونني إلى أقرب بلدة .
فصرفوا النظر عن شي السمكة وأكلها ، وأخذوا الرجل بعدما حمل معه المال الذي سلبه الرجل الآخر منه ،
وعادوا به إلى السفينة ، وما أن وصلوا السفينة حتى قفزت السمكة إلى الماء وعادت إلى النهر مرة أخرى ،
فكأنما قد أرسلها الله سبحانه وتعالى حقاً لكي تكون سبباً لإنقاذ الرجل المظلوم ،
وهكذا إذا أراد الله تعالى شيئاً هيأ أسبابه
قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم :
" اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " ،
رواه البخاري ومسلم .
منقول
المفضلات