ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ

ﺍﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻮءﺗﻪ ﺻﻠﻰﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﺴﺎﺧﺘﺎﺭ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﻫﻠﺔ ﻻﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻭﻝ ﺻﺪﺍﻣﺎﺕ ﺍﻻﺳﻼﻡ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻭﻟﻘﺪ ﻧﻘﻠﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﺣﺪ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻊ
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته...
أخي، إليك حادثة المباهلة، أرجو الاستفادة منها:

بعد أن تحقّق النصر للدعوة ونبيّها الكريم محمّد (صلى الله عليه وسلم) في أرجاء الجزيرة ، وتمّ فتح مكّة والطائف ودُمِّرَت معاقل الشِّرك والوثنيّة وظهر الاسلام كقوّة عقيدية وسياسية وعسكرية ؛ أخذت وفود العرب تَفِدُ على رسول الله لِتُعْلِنَ إسلامها وولاءها ، فوفد على رسول الله ثلاثة وثلاثون وفداً يمثِّلون قبائلهم ، وأخذ رسول الله يوجِّه كتبه ورسله إلى الملوك والرؤساء يدعوهم إلى الاسلام من منطق القوّة والوثوق بالوعد الالهي بالنصر المؤزر ، وكان ممن وجّه إليهم كتبه ، هم أساقِفَةُ نجران يدعوهم إلى الاسلام ويعرّفهم بدعوته . ونصّ كتابه المبارك هو :
«بسم الله ، من محمّد رسول الله إلى أساقفة نجران : بسم الله فإنِّي أحمدُ إليكم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، أمّا بعد ذلكم فإنِّي أدعوكم إلى عبادة الله مِن عبادةِ العِبادِ ، وأدعوكم إلى ولاية الله مِن وِلاية العِبادِ ، فإنْ أبيتم فالجزية ، وإنْ أبيتم آذَنتكم بحرب ، والسلام» .
حلّ هذا الكتاب الّذي خاطب زعماء النصارى في نجران في بلاد اليمن ، مثل انطلاقة جديدة تستهدف إحلال الدين الاسلامي وفق السنن الالهيّة محلّ الديانة المسيحية بعد أن حُرِّفَتْ وبعد أنْ قَضَى الله سبحانه نَسْخَها ، وإن كانت صحيحة ، وفي الرِّسالة نُلاحظ أنّ الرّسول (صلى الله عليه وسلم) حاول أن يُرْجِعَهُم إلى اُصول العقيدة التوحيدية الّتي بشّر بها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب لاتفاقهم معه ، أنّ هؤلاء هم رسل الله ، ولِيُثْبِتَ لهم أنّه نبيٌّ يدعو بدعوة الانبياء .
ثمّ إنّنا نشاهد في هذه الرِّسـالة منطق القوّة الّتي يُخاطَبُ بها المُعانِدون ، إنْ لم يستجيبوا لمنطق الحق ، ودعوة العقل السليم .
لقد أحدثَ هذا الكتاب هزّة عنيفة في كيان النصارى في بلاد اليمن ، ورأوا أنْ يَقدموا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بوفد يخوض حواراً عقيديّاً وفكريّاً ، توجّه الوفد برئاسة أبي حارثة الاُسقُف ومعه العاقِب والسيِّد وعبدالمسيح وكوز وقيس والايهم ، فوصلوا المدينة ودخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مسجده الشريف وهم متباهون بزينتهم وحُلِيِّهِم ظانِّين أنّ ذلك يؤثِّر على موقف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) النفسيّ . وحين رآهم رسول الله متظاهرين بمظاهر العظمة المزيّفة قال لاصحابه: «دعوهم». ثمّ التقوا رسولَ الله ، وبدأ الحوار والمساءلة طوال ذلك اليوم . ثمّ سأل أبو حارثة رسولَ الله : «يا محمّد ! ما تقول في المسيح ؟ قال : هو عبد الله ورسوله . فقال أبو حارثة : تعالَى الله عمّا قلت» .
وكان يظنُّ في المسيح ظنّ الرّبوبية ، وحين اشتدّ إصرارهم على القوّة من عقيدة الشِّرْك وتأليه المسيح ورفض نبوّة محمّد (صلى الله عليه وسلم) ، أراد الله سبحانه أن يُظْهِر لهم نبوّة محمّد (صلى الله عليه وسلم) بإجابة دعوته وبطلان عقيدتهم ودعواهم ، فأنزل الله على نبيِّه آية المباهلة ، قال تعالى :
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ ا لْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى ا لْكَاذِبِينَ ).(آل عمران/61 )
استمع الرّسول (صلى الله عليه وسلم) إلى البيان الالهي . فَأصْغَى إلى كلمة الفصل والنص السماوي له . إنّهُ حجّة إعجازيّة تُضاف إلى حجّته الفكـرية والمبدئية ، وإذن توجّه الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالخطاب إلى وفد النصارى :
«إن لم تُؤمنوا بي وتُصدِّقوني ، فتعالَوا نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لعنةَ اللهِ علَى الكاذِب ونَنْتَظِرْ مَنْ سيَقَعُ عليهِ العَذابُ والعِقابُ الالهي فهوَ على باطل ، فقالوا للنبيّ : نُباهِلُكَ غداً» .
ثمّ اجتمعوا فتحاوروا وتشاوروا بينهم، فقال أبو حارثة لوفده : «اُنْظُروا مَنْ جاءَ معه ، وغدا رسول الله آخذاً بيد الحسنِ والحسينِ تتبعُهُ فاطمةُ ، وعليّ بن أبي طالب بين يديه ، وغدا العاقِبُ والسيِّدُ بِابْنَيْنِ لهما عليهما الدُّرُّ والحُلِيُّ ، وقد حَفّوا بأبي حارثة ، فقال أبو حارثة : مَنْ هؤلاءِ مَعَه ؟ قالوا : هذا ابن عمِّهِ ، وهذهِ ابنتُهُ ، وهذانِ إبناها ، فجثا رسولُ الله على ركبتيه ثمّ رَكَعَ ، فقال أبو حارثة : جثا واللهِ كما يجثو النبيّونَ للمباهلة» .
وحين شاهد الوفدُ ورئيسُهُ ذلك المنظَر النبويَّ المجَلَّلَ بالصِّدْق والخُشوع والثِّقَةِ بنتائجِ المباهلة دخلَ الرُّعب إلى نفوسهم، فقال السيِّد رئيس الوفد: «اُدْنُ يا أبا حارثة للمباهلة ، فقال إنّي أرى رجلاً حَريّاً على المباهلة وإنّي أخاف أن يكون صادقاً ، فإنْ كان صادقاً لم يَحُلِ الحولُ وفي الدُّنيا نصرانيّ يُطعَمُ الطّعامَ . قال أبو حارثة : يا أبا القاسم لا نباهلك ، ولكنّا نعطيك الجزية ، فصالحهم رسول الله على ألفي حُلَّة مِنْ حُلَلِ الاواقي ، قيمة كلّ حلّة أربعون درهماً ، فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك».
تجلّى الموقف وخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منتصراً ظافراً ، وخرج الوفد يجرّ أذيال الخنوع والتسليم لارادة الحق. فرّوا من المباهلة ورضوا بالجزية مستفيدين من تسامح الاسلام وإقراره لاهل الكتاب على دينهم ، وهو ما صرّح به الرّسول (صلى الله عليه وسلم) في كتابه لهم : «إنِّي أدعوكم إلى عبادة الله ، فإن أبَيْتُم فالجزية ، وإنْ أبيتم آذنتكم بحرب» .
وبعد أن استقرّ الموقف بين الرّسول (صلى الله عليه وسلم) وبين وفد النصارى ، كتب كتاب الصّلح وأشْهَدَ على ذلك شُهوداً .

ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ