اقتباس
موضوع رائع ... جزاكم الله خيرا

لكن ما هي تفسيرات أئمة الضلال لهذه النبوءة؟؟؟

أرجو ذكرها لتتم الفائدة
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي :
عوض تفسير دانيال لأحلام الملوك وُهب رؤى يفسرها له ملاك؛ والرؤيا التي بين أيدينا في هذا الأصحاح لا تحتاج إلى تفسيرٍ تاريخي حيث قدم للنبي التفسير.

بصفة عامة جاءت هذه الرؤيا تحمل نفس أساس حلم نبوخذنصَّر الوارد في الأصحاح الثاني، ولكن بمعانٍ مختلفة مع إضافات. فقد رأى تحول المملكة من أشور إلى بابل (سنة 612 ق.م)، ومن بابل إلى فارس (سنة 539 ق.م)، ومن فارس إلى الإسكندر الأكبر (سنة 331 ق.م)، ومن المقدونيِّين إلى الدولة الرومانية التي بدأت في (سنة 63 ق.م).

رأى نبوخذنصَّر، الذي يمثل الإنسان الطبيعي، ممالك العالم العظيمة ممثلة في تمثالٍ لرجلٍ عظيمٍ، وكان التمثال معدنيًا برأسٍ ذهبيٍ. أما دانيال، الإنسان الروحي، فرآها ممثلة في أربعة حيوانات مفترسة قاتلة وجائعة، تتحدث عن الجانب الأخلاقي لإمبراطوريات العالم. ما رآه نبوخذنصَّر يمثل النظرة البشرية للممالك الأربع، إذ تركز على الغني والعظمة والسلطة، أما ما رآه دانيال فيُمثل نظرة الله إلى هذه الممالك عينها حيث يراها وحوشًا مفترسة تخرج كل منها لتفترس سابقتها[166]. الأول رآها من الزاوية السياسية كملكٍ ممتص بكل تفكيره في السلطة، أما دانيال فيشغله انتصار مملكة الحق وزوال الشرّ بكل جبروته.

رأى نبوخذنصَّر السيِّد المسيح كحجرٍ صغيرٍ ينمو فيملأ الأرض كلها، أما دانيال فرآه بطريقة مباشرة ابن الإنسان الممجد (13-14)، جاء ليقيم مملكته الروحية الأبدية في حياة البشرية.

لم يرَ نبوخذنصَّر ضد المسيح، أما دانيال فرآه بكونه الملك الشرير يظهر في الأيام الأخيرة في شيء من التفاصيل.

كلًا من حلم نبوخذنصَّر ورؤية دانيال قد سُجلا لنفع الشعب اليهودي المسبي والبابليِّين، كما لنفع الأجيال المقبلة. في هذه الرؤيا تختلف كل إمبراطورية عن الأخرى، لكن الكل يشترك معًا في العُنف والوحشية (وحوش أربعة) وعدم التعقل.

1. تاريخ الرؤيا [1].

2. البحر الكبير [2].

3. الوحش الأول: بابل [3-4].

4. الوحش الثاني: مادي وفارس [5].

5. الوحش الثالث: الإمبراطورية اليونانية [6].

6. الوحش الرابع: الإمبراطورية الرومانية [7].

7. القرن الصغير [8].

8. القديم الأيام [9-12].

9. مثل ابن إنسان [13-14].

10. تفسير الرؤيا [15-18].

11. مملكة ضد المسيح ومملكة القديسين [19-27].

12. اضطراب دانيال [28].



1. تاريخ الرؤيا:

"في السنة الأولى لبيلشاصَّر ملك بابل رأى دانيال حُلمًا ورؤى رأسه على فراشه.

حينئذ كتب الحلم، وأخبر رأس الكلام" [1].

وُهب دانيال هذه الرؤيا خلال السنة الأولى من ملك بيلشاصَّر آخر ملوك بابل (556-539 ق.م.)، فمن الجانب التاريخي يأتي هذا الأصحاح قبل الأصحاحين [5-6]؛ أي أن زمن هذه الرؤيا عام 555 ق.م.



2. البحر الكبير:

"أجاب دانيال وقال:

كنت أرى في رؤياي ليلًا،


St-Takla.org Image: Daniel Prophecy

صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة رؤية دانيال النبي

وإذا بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير" [2].

في الليل، أي في هذا العالم قبل أن يُشرق عليه شمس البرّ، في ظلام الفساد الذي لا نور له، رأى البحر الكبير الذي ندعوه حاليًا البحر الأبيض المتوسط.

1. كانت حدود الأربع ممالك العظيمة هو البحر الأبيض المتوسط، وجاءت عاصمة المملكة الأخيرة "روما" على ساحله، لذا فمن المناسب أن تظهر الحيوانات الأربعة صاعدة منه.

2. يُشير البحر في الكتاب المقدس رمزيًا إلى شعوبٍ وجماهيرٍ وأممٍ وألسنةٍ (رؤ 17: 15؛ لو 21: 25؛ إش 57: 20).

3. يرمز البحر العظيم بأمواجه إلى حالة الاضطراب الدائم أو عدم الاستقرار... هذه سمة اشتركت فيها الممالك الأربع.

يرى البعض أن البحر الكبير هنا ليس هو البحر الأبيض المتوسط كما في (يش 9: 1)، وإنما هو الهاوية مسكن إبليس، الذي في كل جيل يبعث بخدامه للعمل لحساب ملكوته، ومقاومة ملكوت الله. والبحر أيضًا يمثل الاضطراب، فإن عدو الخير تقوم مملكته على بث روح الاضطراب والقلق، لذا في السماء الجديدة والأرض الجديدة لا يكون بحر بعد (رؤ 21: 1).

يرى اليهود أن التنِّين، رمز إبليس، يسكن في البحر (إش 27: 1). وأن الكنيسة المستيقظة اللآبسة القوة التي تعمل بذراع الرب تجفف البحر وتطعن التنِّين: "استيقظي، استيقظي، ألبسي قوة يا ذراع الرب... ألستِ أنتِ القاطعة رهب، الطاعنة التنِّين؟!" (إش 51: 9، 10). لذا تترنم قائلة: "أنت شققت البحر بقوتك، كسرت رؤوس التنانين على المياه. أنت رضضت رؤوس لوياثان" (مز 74: 13-14).



رياح السماء الأربع:

تُشير إلى وكالات الله الخفية العاملة. هذا وتُشير الريح إلى الروح القدس الذي يعمل في الخفاء (يو 3: 8)، إذ "ريح" و"روح" في العبرية كما في اليونانية كلمة واحدة. وكأن ما يراه النبي هنا صادر من السماء بسماحٍ إلهيٍّ، حيث يعمل روح الله لحساب ملكوته السماوي حتى وإن بدت الأحداث مُرّة أو مقاومة لعمل الله.

* أظن أن الأربع رياح السماء هي قوات ملائكية عُهدت إليها الرئاسات، وذلك في توافق مع ما جاء في سفر التثنية: "حين قسَّم العليّ للأمم، حين فرق بني آدم نصب تُخومًا لشعوب حسب عدد الملائكة؛ إن قسم الرب هو شعبه؛ يعقوب حَبْلُ نصيبه (ميراثه)" (تث 32: 8LXX ). لكن البحر يعني هذا العالم والزمن الحاضر، وقد غطّته الأمواج المالحة المُرّة، وذلك كتفسير الرب عن الشبكة المُلقاة في البحر (مت 13). هكذا أيضًا يُوصف ملك كل الخلائق القاطنة في المياه كتنِّينٍ، تُضرب رؤوسه في البحر كقول داود (مز 73). ونقرأ في عاموس: "وإن اختفى في قعر البحر فمن هناك آمر التنِّين فيعُضه" (عا 9: 3 LXX)... أما عن الرياح الأربع التي تهب على البحر العظيم، فتُدعى "رياح السماء" لأن كل ملاك يمارس في حدود اختصاصه ما هو ملتزم به[167].
القديس جيروم

ولعله يقصد برياح السماء الأربع أن ما سيحدث بخصوص الإمبراطوريات الأربع إنما هو في مهب الريح، لا تحمل الممالك استقرارًا، وليس في يد إنسان أن يُغيِّر الأحداث التي يعلنها الله له.



3. الوحش الأول: بابل:

"وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك.

الأول كالأسد وله جناحا نسرٍ.

وكنت أنظر حتى أنتتف جناحاه، وانتصب على الأرض،

وأوقف على رجلين كإنسان،

وأُعطي قلب إنسان" [3-4].

في [17] تُشير الحيوانات الأربعة إلى أربعة ملوك بينما في [23] يُشير الحيوان الرابع إلى المملكة الرابعة. واضح أن كل مملكة من الممالك عُرفت بملك خاص له دوره الرئيسي في المملكة ككلٍ. فنبوخذنصَّر يمثل مملكة بابل، بينما كورش يمثل مملكة فارس، والإسكندر الأكبر يمثل المملكة اليونانية (المقدونية)، أما المملكة الرومانية فأُشير إليها في سفر الرؤيا بالوحش (رؤ 13).

يُشار إلى مملكة بابل بأسدٍ مجنحٍ، أي يمتاز بالقوة والافتراس مع سرعة الحركة، إذ كادت الدولة البابلية أن تستولي على العالم كلُّه في فترة وجيزة. في حزقيال 17 أُشير إلى بابل بالنسر الطائر، حيث تلتقط فريستها بسرعة، ولا يستطيع أحد اللحاق بها. يقول القديس جيروم: [أما عن حقيقة أن لها جناحا نسر، فهذا يُشير إلى كبرياء المملكة الكلية القوة، والحاكم الذي أُشير إليه في إشعياء: "أرفع كرسيّ فوق كواكب السماء، أصير مثل العليّ" (إش 14: 14). لذلك قيل: "إن كنت ترتفع كالنسر... فمن هناك أُحدِرك" (عد 4). علاوة على هذا، كما يحتل الأسد رتبة ملوكية بين الوحوش، هكذا يحتل النسر بين الطيور[168]].

نظر دانيال النبي المملكة البابلية وقد اُنتُتف جناحاها وانتصب على الأرض، أي بدأت تنهار، حيث صارت عاجزة عن الطيران.

حينما يُعرف إنسان بشجاعته يقال عنه "صاحب قلب الأسد Lion-hearted"، مثل الملك ريتشارد، أما هنا فنجد أسدًا صاحب قلب إنسان. من الخارج يبدو أسدًا شجاعًا وسط الوحوش، وفي الداخل مملوء خوفًا كإنسان أعزل وسط وحوش مفترسة. هذا ما حدث مع بابل في أيام بيلشاصَّر.

يترجم القديس جيروم الكلمة الأرامية aryeh لبوة بالمؤنث. ويقول: [لم تُدع مملكة البابليِّين أسدًا بل "لبؤة"، وذلك بسبب وحشيتها وقسوتها، أو بالأحرى بسبب ترفها واتسام حياتها بالانغماس في الشهوات[169]]. كما يقول: [يؤكد كتَّاب التاريخ الطبيعي أن اللبؤات أكثر شراسة من الأسود، خاصة متى كن يُرضعن فهودًا، وهن شهوانيات على الدوام في العلاقات الجنسية[170]].

يقول القديس هيبوليتس الروماني:

[عند الحديث عن لبؤة صاعدة من البحر يعني صعود مملكة بابل، وهي بعينها رأس التمثال الذهبي. وأما الحديث عن جناحي نسر فيعني الملك نبوخذنصَّر الذي تعالى وتشامخ بمجده ضد الله. عندئذ قيل "اُنتُتف جناحاه"، أي تحطم مجده، إذ طُرد من مملكته. أما الكلمات "وأُعطيَ قلب إنسان وأوقف على رجلين كإنسان" فيعني أنه رجع إلى نفسه وعرف أنه مُجرَّد إنسان، مُعطيًا المجد لله[171]].

يقول القديس جيروم:

[إن فهمنا ذلك عن نبوخذنصَّر، واضح جدًا أنه بعد أن فقد مملكته اُنتزعت عنه قوته، ثم أعيد إلى حاله الأصلي وتعلَّم ليس فقط أن يكون إنسانًا بدلًا من لبؤة، بل ويسترد قلبه الذي فقده. من جانب آخر يمكن فهم ذلك وتطبيقه على مملكة الكلدانيِّين بوجه عام، فيعني هذا أنه بعد قتل بيلشاصَّر حيث احتل مادي وفارس السلطة الإمبريالية تحقق رجال بابل أن طبيعتهم واهية ووضيعة أكثر من الكل[172]].



مملكة بابل:

أ. أسَّسها نابوبلاسر الأول بعد أن تمرد على مملكة أشور في الشمال واستقل عنها وكوَّن مملكة بابل الجديدة. وفي عام 612 ق.م دمرَّ نينوى وحرقها.

ب. نبوخذنصَّر (606-562)، قام بفتوحات كثيرة، وأسَّس مدينة بابل ومعابد مردوخ، وغزا أورشليم على ثلاث مرات (606، 599، 587 ق.م). وفي المرة الأخيرة هدم الهيكل وأحرقه وخرَّب أورشليم، فأُوقفت المحرقة الدائمة طوال مدة الأسر.

ج. وآبل مردوخ (562-560 ق.م)، عفي عن يهوياكين ملك يهوذا.

د. نرجال شالاسر (560-556 ق.م)، وهو زوج أخت الملك السابق.

ه. نابونيدس والد بيلشاصَّر (556-539 ق.م)، حيث انتهت دولة بابل في أيامه. تنازل عن المُلك لابنه، وعندما غزا كورش بابل قتل بيلشاصَّر واستبقى والده الذي كان غالبًا خارج مدينة بابل، وبقي معتزلًا العمل السياسي إلى يوم وفاته.



4. الوحش الثاني: مادي وفارس:

"وإذا بحيوان آخر ثانٍ شبيه بالدب،

فارتفع على جنبٍ واحدٍ،

وفي فمه ثلاث أضلعٍ بين أسنانه،

فقالوا له هكذا:

قمْ كُلْ لحمًا كثيرًا" [5].

أهم سمات الدب قوته وشراسته مع جبنه. وقد عرف عن مملكة فارس ومادي أنها لم تغلب أعداءها خلال المهارة العسكرية وسرعة التحرك، وإنما خلال اقتحام البلاد بأعداد ضخمة من المقاتلين، ففي حرب أحشويرش ضد اليونان حارب حوالي 2.5 مليون مقاتلًا، بجانب 2.5 مليونًا من الحلفاء التابعين له، فكان معسكره يضم حوالي 5 مليونًا، فمتى دخلوا مدينة يسببون لها دمارًا بسبب كثرة العدد، يسببون مجاعات لاستيلائهم على المواد الغذائية لاحتياجات الجيش[173].

ارتفع على جنب واحد، لأن المملكة تتكون من أمتين هما مادي الأقدم وبعدها فارس، لكن بعد فترة بسيطة سيطرت فارس على مادي. ويرى القديس جيروم أن ارتفاع الدب على جنب واحد يُشير إلى أن مملكة فارس وإن كانت شرسة مع الشعوب لكنها كانت مُترفقة مع اليهود. تعامل الشعوب الأخرى بطريقة واليهود بطريقة أخرى، أي تقف على جانب واحد[174].

الثلاثة أضلع التي بين أسنانه هي المدن البابلية الرئيسية بابل وإكباتانا Ecbatana وبورسيبا Borsippa. هذه المدن افتتحتها جيوش كورش. وربما تُشير إلى الممالك التي التهمتها: ليديا وبابل ومصر[175]. ويرى القديس هيبوليتس الروماني أنها تُشير إلى ثلاث أمم: "مادي وفارس وبابل"[176] حيث التقت معًا تحت لواء الإمبراطورية الفارسية.



أما ملوك فارس فهم:

أ. كورش الثاني Cyrus II (559-530 ق.م)، دعاه إشعياء النبي "كورش مسيح الرب"، لأنه عفي عن اليهود وأصدر أمرًا بالرجوع الأول من سبي بابل في عهد زربابل وتصريحه له بإعادة بناء الهيكل في أورشليم، وأعاد إليهم كل آنية الهيكل التي كان قد نهبها نبوخذنصَّر. وكورش هذا كان قد بدأ ملكه في الجزء الشمالي عام 559 ق.م. لكنه تمكن من ضم بابل، وهي الجزء الجنوبي في عام 539 ق.م. بعد أن هزم بيلشاصَّر آخر ملوك بابل الذي كان يقوم في ذلك الوقت بفتوحات جديدة في الجزيرة العربية.

ب. قمبيز Cambyses (530-522 ق.م).

ج. المدعو أسميردس Smerdis-Pseudo (522 ق.م).

د. داريوس الأول Darius I (522-486 ق.م).

ه. أحشويرش الأول Xerxes I (486-465 ق.م) سفر إستير.

و. أرتحشتا الأول Artaxerxes I (465-424 ق.م). سفر نحميا.

ز. أحشويرش الثاني Xerxes II (424-423 ق.م).

ح. داريوس الثاني Darius II (423-404 ق.م).

ط. أرتحشتا الثاني Artaxerxes II (404-8/359 ق.م).

ي. أرتحشتا الثالث Artaxerxes III (8/359-7/338 ق.م).

ك. أرسيس Arses (7/338-5/336 ق.م).

ل. داريوس الثالث Darius III (6/337-5/336 ق.م).



5. الوحش الثالث: الإمبراطورية اليونانية:

"وبعد هذا كنت أرى وإذا بآخر مثل النمر،

وله على ظهره أربعة أجنحة طائرة.

وكان للحيوان أربعة رؤوس،

وأُعطيَ سلطان" [6].

مع أنه أصغر من الأسد في حجمه لكن له أربعة أجنحة وأربعة رؤوس.

إن كانت إمبراطورية اليونان أقل من إمبراطورية بابل كما أن النمر أصغر من الأسد لكن إسكندر الأكبر كان أكثر حركة وأسرع من الأباطرة البابليِّين، لذا ظهر في النمر 4 أجنحة؛ كمن يطير في كل جهات العالم الأربع.

الأجنحة الأربعة تُشير إلى سرعة مضاعفة في التحرك والنصرة، ففي حوالي عشرة سنوات هزم الإسكندر الأكبر مؤسس الإمبراطورية اليونانية عام 333 ق.م. قوات فارس، وأخضع كل العالم الممتد في ذلك الحين ومنها مصر وفلسطين[177]، والأربعة رؤوس تُشير إلى تقسيم المملكة إلى أربعة أقسام بعد موت الإسكندر الأكبر في الرابعة والثلاثين من عمره مباشرة على قواده الأربعة: سلوقس الذي صار ملكًا على سوريا وبطليموس الذي ملك على مصر وإسرائيل وفلسطين. والثالث ملك على مقدونية، والرابع على تراثيا Thrace.

وكما يقول القديس جيروم: [لم تحدث أية نصرة أسرع من تلك التي للإسكندر، فقد عبر كل الطريق من الليرقيوم Illyricum والبحر الأدرياتيكي إلى المحيط الهندي ونهر جانجز Ganges، ليس مجرد يدخل في معرك بل ينال نصرات مصيرية قوية، وفي ست سنوات أخضع لحكمه نصيبًا من أوروبا وكل أسيا[178]].

مع ذكائه الحاد وقدراته العسكرية لكن ما حققه إنما لأنه أُعطي سلطان من قبل الله. وكما يقول القديس جيروم:[ بالقول "فأُعطى سلطانًا" يظهر أن الإمبراطورية لم تقم ثمرة شجاعة الإسكندر وإنما بإرادة الله[179]].



6. الوحش الرابع: الإمبراطورية الرومانية:

احتل الحديث عن الإمبراطورية الرومانية النصيب الأكبر من الأصحاح. على خلاف الحيوانات السابقة، رُمز إليها بحيوان لم يَر له دانيال النبي شبيهًا، ولم يسمع عنه، فإنه لا يوجد في عالم الوحوش المفترسة ما يحمل سمة الشراسة والعنف مثل هذه الإمبراطورية.

يقول القديس جيروم: [رأينا في الحيوانات السابقة رموزًا متنوعة للرعب، لكن تركزت هذه كلها في هذا الحيوان الواحد[180]].

ويقول أيضًا: [ربما كان ذلك ليظهر الحيوان بشكلٍ مرعبٍ؛ بالحقيقة لم يعطِه اسمًا، حتى نفهم من ذلك أن الرومان قد شاركوا في أبشع السمات شراسة يمكن أن نفكر فيها بالنسبة للوحوش... إنهم كحيوانٍ يفترس ويسحق ويدوس كل الباقين بقدميه. هذا يعني أن الرومان إما يذبحون الأمم، أو يخضعونهم للجزية والعبودية[181]].

بدأت مملكة الرومان من سنة 63 ق.م وامتدت فتوحاتها حتى احتلت أراضي مملكتيّ بابل وفارس القديمة ومصر سنة 47 ق.م.

"بعد هذا كنت أرى في رؤى الليل،
وإذا بحيوانٍ رابعٍ هائلٍ وقويٍّ وشديدٍ جدًا،

وله أسنان من حديدٍ كبيرة.

أكل وسحق وداس الباقي برجليه.

وكان مخالفًا لكل الحيوانات الذين قبله.

وله عشرة قرون" [7].

هذا الحيوان أكثر قوة من الحيوانات السابقة: "هائل وقوي وشديد جدًا، وله أسنان من حديدٍ ومخالب من نحاسٍ" (الترجمة السبعينية). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). يُقابل قدميّ التمثال الذي رآه نبوخذنصَّر "بعضهما من حديد والبعض من خزف" (دا 2: 33). يقول القديس هيبوليتس الروماني أن أصابع القدمين العشرة التي بعضها من حديد والأخرى من خزف تُقابل العشرة قرون التي لهذا الحيوان، وهي تُشير رمزيًا للملوك العشرة الذين قاموا من هذه المملكة[182].

وُصف هذا الحيوان بأنه هائل وقوي وشديد جدًا، لأنه لا يُقارن بالنسبة للمالك السابقة. حقًا لقد أخضع الإسكندر الأكبر أغلب دول العالم، لكنه كان يطلب الشهرة لا السيطرة، وإذ تحققت أحلامه وهب الدول الخاضعة له الكثير من الحرية. أما الرومان فأخضعوا العالم وصاروا سادته العنفاء. أخضعوا آسيا الصغرى وسوريا وكيليكية واليونان ومقدونية وأسبانيا وبلاد الغال وجزء من ألمانيا. خضعت كل دول البحر الأبيض المتوسط لها. حقًا كان لمصر ملوكها، لكنهم خضعوا للجزية؛ وكل قانون يصدره الرومان يُطبق فورًا في مصر. لقد تركوا ولاة في آسيا الصغرى، لكنهم كانوا جواسيس لحساب الرومان. يوليوس قيصر هو أول من دخل بريطانيا بعد إخضاع الغال الخ. لهذا كله دعاها دانيال بالوحش الهائل والقوي والشديد جدًا.

"وله أسنان من حديد كبيرة" [7]، إشارة إلى افتراسها العنيف مع طمعها الشديد. كانت أفضل محاصيل العالم وموارده تُنقل إلى روما، دون أن تشبع. لم تكن الإمبراطورية تهتم باحتياجات الدول المستعمرة بل تسحقها وتدوسها بأقدامها. كان الأباطرة يبعثون سفراءهم إلى الدول بحجة الحفاظ على أمن الدولة وسلامها، وكان همّهم الأول التجسُّس لحساب الأباطرة، ونقل كل ما هو ثمين إليهم.

يظن بعض النقاد الحديثين أن هذا الحيوان يُشير إلى السلوقيِّين، ورؤوسه العشرة هم الملوك: سلوقس الأول، أنطيوخس سوتير، أنطيوخس الثاني، سلوقس الثاني، سلوقس الثالث، أنطيوخس الثالث، سلوقوس الرابع، هليودورس، بطليموس السادس، ديمتريوس، والقرن القوي هو أنطيوخس أبيفانيوس الذي داس الثلاثة ملوك الأخيرين. لكن الرأي الأرجح هو أن الحيوان الرابع يُشير إلى الإمبراطورية الرومانية. وهو حيوان غريب لا شبيه له، لأن الدولة الرومانية لم تفرض ثقافتها على الدول التي استعمرتها. كان كل ما يشغلها هو السلطة العسكرية وجمع الجزية. امتازت بالإدارة والتنظيم ولم تُبالِ بفكر ثقافي معين، لذا صارت الدولة تحمل ثقافات متنوعة، كل بلد حسب رغبته.

يرى البعض في القرون العشرة إشارة إلى الاضطهادات العشر التي مارسها الرومان ضد الكنيسة، ويرى آخرون أنها تمثل ممالك سوف تبرز إلى الوجود خلال المرحلة الثانية من تاريخ الحيوان. ولا يستتبع ذلك بالضرورة أن هذه الممالك يجب أن تقوم بعد ضعف روما. إذ جل ما يستنتج من ذلك كون هذه الممالك يمكن رد أصلها إلى روما، وهي متعاصرة فقط بمعني وجودها في حقبة معينة، فليس من الضروري أن تكون متعاصرة بالفعل[183].

ظن بعض اليهود أنه يعني هنا قيام عشرة ملوك يحكمون معًا في روما، لكن واضح أن رقم 10 في الكتاب المقدس يعني الكثرة، فقد أقام الأباطرة الرومان ولاة كثيرين على مستعمراتهم، واليًا على سوريا وآخر على مقدونية وثالث على أسبانيا الخ. وكان لهم حقوق أشبه بحقوق الملوك، يفعلون ما يريدون، لكنهم يخضعون للإمبراطور، ويُطيعون قوانينه التي يصدرها، الذي كان يحسب نفسه ملك الملوك أو أشبه بإله.



7. القرن الصغير:

"كُنت مُتأملًا بالقرون، وإذا بقرنٍ آخر صغير طلع بينها،

وقُلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه،

وإذا بعيون كعيون الإنسان في هذا القرن،

وفم مُتكلِّم بعظائم" [8].

في رأي بورفيري أن القرن الصغير الذي ظهر بعد العشرة قرون هو أنطيوخوس أبيفانيس، وأن الثلاثة قرون التي اقتلعت من العشرة هو بطليموس السادس (فيلومايتر Philometer) وبطليموس السابع (أورجيتيس Euergetes) وArtaraxias ملك أرمينيا.

رفض القديس جيروم هذا التفسير قائلًا: [إن بعض المفسرين المسيحيِّين قالوا بأنه إبليس أو شيطان ما، أو ربما إنسان قد ملك عليه الشيطان تمامًا، ابن الخطية، ابن الهلاك الذي يتجاسر ويجلس في هيكل الله جاعلًا نفسه مثل الله (2 تس 2)[184].

يقول أيضًا أنه لو كان القرن الصغير هو أنطيوخس الذي هزمه يهوذا المكابي، فهل يمكن القول عن يهوذا أنه يأتي على السحاب كابن إنسان [13]، وأنه يُقدم أمام "القديم الأيام" [13]، وكيف يُقال عنه أنه يُمنح سلطانًا وقوة ملوكية وأن تتعبد له كل الشعوب والقبائل والألسنة وأن سلطانه أبدي لا ينتهي [14]؟[185]. [لو أنه يُشير إلى المكابيِّين، فليشرح المدافعون عن هذا الوضع كيف تكون مملكة المكابيِّين لها سمة الديمومة [14] [186].


St-Takla.org Image: John Calvin

صورة في موقع الأنبا تكلا: جون كالفين

يذكر جون كالفن في تفسيره سفر دانيال أن في أيامه ظن البعض أن القرن الصغير هو بابا روما أو ظهور الأتراك، وقد رفض هذا الرأي[187]. لقد نادى بأن يوليوس قيصر وما خلفه من قياصرة أي أوغسطس وتيباريوس وكاليجيولا وكلوديوس ونيرون وغيرهم هم القرن الصغير، مدللًا على ذلك بأن هؤلاء القياصرة مع ما لهم من سلطان لكن يشاركهم في السلطة مجلس الأشراف senate الذي يحد من سلطانهم، لذا دُعوا بالقرن الصغير[188].

إن كانت الرؤى والنبوات قد هدفت نحو الكشف عن مجيء السيِّد المسيح ليُقيم ملكوته الروحي في القلوب، مُحطمًا العُنف من القلب، فإن عدو الخير لا يقف مكتوف اليدين بل يُقاوم السيِّد. تتجلى هذه المقاومة في أبشع صورها في آخر الأيام حين يأتي ضد المسيح، أو إنسان الخطية أو النبي الكذاب. هذا ما سبق أن تنبأ عنه دانيال النبي هنا تحت رمز "القرن الصغير"، كما حدثنا عنه السيِّد المسيح بوضوح وصراحة في حديثه عن نهاية الأزمنة (مت 24)، وأيضًا القديس بولس (2 تس 3: 8)، والقديس يوحنا الرائي (رؤ 13).

يُشير القرن الصغير هنا إلى ضد المسيح. وقد تحدث عنه العهد القديم كما العهد الجديد (مت 24؛ 2 تس 2: 2-8؛ رؤ 13؛ دا 7)، ليؤكد أنه وإن كانت تعيش الكنيسة في ضيقٍ شديدٍ خاصة في الأيام الأخيرة، لكن هناك خطة إلهية تنتهي بنصرة ملكوت الله. مهما قاوم إبليس وكل جنوده، حتمًا سيملك القديسون مع الله، لا على أرض زائلة بل في السماويات. وقد جاء وصف ضد المسيح هنا مطابقًا لما ورد في العهد الجديد.

أما سمات هذا القرن الصغير فهي:

أ. صغير وغامض وعنيف [8]، يظهر فجأة، ويُحطم ممالك، ويُقيم لنفسه مملكة تقاوم كنيسة الله [25]، بسببه يحدث فزع شديد [28].

ب. يقوم كملك آخر [8] قابل للموت (رؤ 13: 2؛ 2 تس 2: 9)، يحمل قوة شيطانية، يجعل نفسه إلهًا.

ج. تبدأ قوته بالغلبة على ثلاثة ملوك [8، 24].

د. ذكي ومخادع يعرف كيف يخطط... له عيون كثيرة.

ه. مُجدف، يقاوم الله، له قدرة على الكلام [8].

و. منظره مُثير [20].

ز. مملكته زائلة، تدوم فقط زمانًا وزمانين ونصف زمان. يظن أنه يُحطم مملكة الله ويُغيِّر الأزمنة والأوقات [25]، كأنه لا يعلم عن وجود خطة إلهية خفية تُحطم كل شرُّه.

ح. سرّ الغلبة عليه هو مجيء السيِّد المسيح:

1. المجيء الأول: حيث حطم عمل إبليس بصليبه.

2. المجيء الثاني: ليملك قديسوه معه في السماء بعد تحطيم ضد المسيح.

3. مجيء الرب في القلب ليُحطم مملكة الشرّ في الداخل.


قد يتسائل بعض النصارى لما حذفت باقي التفسير الذي ينسف ما قلته
فالول له ان الباقي سوف يهدم دينك تماما لأن نهاية العالم لا تكون الا بعد نهاية الامبراطورية الرومانية لكنها لم تنتهي ومازال العالم على قيد الحياة

تفسير القس أنطونيوس فكري :

هنا نجد رؤيا خاصة بأربعة ممالك اضطهدت شعب الله، وهم اليهود في العهد القديم، أما في العهد الجدي فشعب الله هو كنيسته. وهكذا قال السيد المسيح " في العالم سيكون لكم ضيق " لذلك كان تشبيه هذه الممالك بأربعة وحوش. وهذه الرؤيا هي إعادة لحلم نبوخذ نصر في الإصحاح الثاني. والفارق أن نبوخذ نصر كإنسان مادي دنيوي يعتبر ممثل للقوى العالمية، هو يهتم بالقوة والمجد العالمي، أو هو ينبهر بقوة الممالك وعظمتها، لذلك رآها في شكل تمثال هائل رأسه ذهب وقدماه حديد. وهناك رأى بأن التمثال الذي أقامه بطول 60 ذراعًا (إصحاح 3) مشابه لتمثال الحلم، وأقامه كله من ذهب مع أن الله أظهر له في الحلم بأن التمثال لن يستمر ذهبًا، بل ستنتقل السلطة إلى مملكة أخرى ثم مملكة ثالثة إلى أن يباد التمثال كله، إلا أنه قد تصور أنه بإقامته لهذا التمثال سيحافظ على مملكته ذهبية إلى الأبد. وكان الله يريد أن يريه أنه لا ثبات لأي مملكة عالمية وكل مملكة عالمية، لها نهاية وأن كل حاكم هو حاكم وقتي وبسماح من الله أما ملكوت المسيح فأبدي.

أما دانيال كإنسان روحاني لا يهتم بأمجاد هذا العالم فقد رأى هذه الممالك في صورتها الحقيقية كوحوش كاسرة تتحكم فيها طبيعتها الحيوانية الدموية. وهذه الممالك طالما اضطهدت شعب الله وسفكت دماء القديسين. والشيطان هو الذي يثير هذه الممالك ضد شعب الله ويهيج ملوكها ضدهم. ولذلك رأى دانيال أربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير. وقارن مع (أف2:2) فالشيطان يسميه الرسول رئيس سلطان الهواء الذي يعمل في أبناء المعصية. ولكننا نرى في (رؤ1:7) أن هناك أربعة ملائكة ممسكين بأربع رياح الأرض لكي لا تهب ريح على الأرض إلا بسماح منهم. والمعنى أن الرياح هي التجارب والآلام والضيقات التي يعانى منها شعب الله والتي يثيرها عدو الخير، ولكن شكرًا لله فكل هذا بسماح منه وتحت سيطرته.والبحر قد يكون هو البحر المتوسط الذي يتوسط ممتلكات هذه الممالك الأربعة، فبابل وفارس امتدت أملاكها حتى الساحل الشرقي والجنوبي للبحر المتوسط أي سوريا وفلسطين ومصر. أما اليونان والرومان فقد امتلكوا كل هذا بالإضافة لأوروبا على الساحل الشمالي. ولكن البحر في الكتاب المقدس يشير للعالم المضطرب الهائج وماؤه المالح من يشرب منه يعطش. وإبليس رئيس العالم سلطان الهواء هجم برياحه على البحر، أي عمل بقوته من خلال هذه الممالك وأضطهد شعب الله، فهياج البحر هو الضيقات التي تواجه شعب الله لكنها تحت سيطرة الله وبسماح منه. وهي أربعة رياح فرقم "4" يشير لكل أنحاء العالم فالضيقات تواجه شعب الله أينما كانوا. وتعنى أربع رياح أن معارك هذه الممالك ستشمل كل مكان وستكون عنيفة. لكن لنعلم أنه وإن كان الشيطان يستعمل هذه الممالك لاضطهاد شعب الله فالله ضابط الكل يستخدم كل الأمور لخير شعبه. فهو القادر أن يخرج من الجافي حلاوة. فهو أستخدم بابل لتأديب شعبه فامتنعوا عن العبادة الوثنية، ثم أستخدم فارس لتحرير شعبه من بابل. واليونان بانتشارهم في كل العالم وانتشار لغتهم وكونها أصبحت لغة عالمية فهذا مهد السبيل لنشر الكتاب المقدس في العالم كله، فقد كتب العهد الجديد باليونانية وتمت ترجمة العهد القديم لليونانية. والرومان بامتلاكهم العالم كله مهدوا السبيل للرسل والتلاميذ لنشر الكرازة في العالم كله. فالرومان مهدوا الطرق عبر كل المملكة ، وكل الطرق متجهة إلى روما. وهناك علامات في كل طريق تشير للمسافة المتبقية إلى روما العاصمة.

وفى (1) رأس الكلام = لب أو أصل الموضوع.

وفى (4) أسد له جناحان. وهذا يماثل الرأس الذهبي في تمثال نبوخذ نصر والحيوانات المجنحة هي طريقة معروفة لتصوير ملوك أشور وبابل. وقد وجد هذا فى النقوشات الأثرية، وفيها تصويرهم على شكل أسود وثيران مجنحة بأجنحة نسور، فالأسد والثور يشيران للملك والسلطة والقوة والضراوة وأجنحة النسور تشير لسرعة الفتوحات. (جريدة الأهرام نشرت هذا الخبر عن العثور على هذه النقوشات الأثرية بتاريخ 5/6/90) وملك بابل مشبه هنا بأسد فله سلطة مطلقة. ونجد بعد ذلك أنه إنتتف جناحاه = هذا يشير:

[1] أنه بعد جنونه قد شفى من وثنيته وتبدل قلبه الوحشي لقلب إنسان = أوقف على رجلين كإنسان وأعطى قلب إنسان (دا 34:4-37) [2]يشير هذا أيضًا لضعف المملكة بعد موت نبوخذ نصر. ثم وصلت بهم الحال للهزيمة أمام جيش كورش. وفي هذا التشبيه والحيوان بلا جناحان فهو غير قادر على الطيران أو الانقضاض أو الغزو والحرب. وكانت أخر حروب بابل المسجلة سنه 568 ق.م. مع مصر.

وفى (5) الدب هنا يشير لمادي وفارس. ومادي هو الجانب الأسفل من المملكة أي الغير عامل. وفارس هي الجانب الأعلى من المملكة = فأرتفع على جنب واحد. ففي بدايات هذه المملكة كانت مادي هي المملكة الكبيرة وفارس هي المملكة الأصغر. ولذلك ففي بدايات هذه المملكة كانت تسمى مادي وفارس. وداريوس كان من مادي غير أنه كان خاضعًا لكورش (دا 6: 8) ومع مرور الزمن أصبحت فارس هي القوة الكبيرة وتغير اسم المملكة إلى فارس ومادي (إس 1: 3) ولا يزال شكل الدب يرى في الحجارة الأثرية لهذه المملكة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والدب ليس في قوة الأسد ولكنه ليس أقل وحشية (عا 5: 19) ثلاث أضلع بين أسنانه = تشير لثلاث ممالك كبيرة ألتهمها هذا الدب الفارسي = وهي غالبًا بابل ومصر وليديا. عمومًا لقد امتدت فتوحات فارس في ثلاث اتجاهات شمالًا وجنوبًا وغربًا (8: 3،4) شمالًا = ليديا وأرمينيا. جنوبًا = مصر غربًا = اليونان وتركيا.

وقم كل لحمًا كثيرًا = هذا يشير كما قلنا سابقًا لنظام الضرائب المحكم الذي جعل فارس أغنى دولة.

وفى (6) يشير النمر لمملكة اليونان. والنمر حيوان ضاري جدًا ويشتهر بسرعة انقضاضه. وقد قام الإسكندر بغزو العالم في سنوات قليلة جدًا. ويشير لسرعة فتوحاته أنه له أربعة أجنحة بالمقارنة بجناحين لبابل. والإسكندر الأكبر في خلال 6 سنوات تسيد على كل إمبراطورية فارس ومصر وسوريا والهند وأمم أخرى. وهذا النمر يشير للجزء النحاسي في التمثال، بينما مادي وفارس يشار لهما هنا بدب على جانب واحد وفي التمثال بذراعين وصدر فضة وكان للحيوان أربعة رؤوس = بعد موت الإسكندر ولم يكن له أولاد، تولى قادة جيشه الكبار حكم المملكة واقتسموها كالتالي:

1. مقدونيا واليونان (اليونان حاليًا) تولاها كاساندر

2. تراقيا وبيثينية (تركيا حاليًا) تولاها ليسيماخوس

3. سوريا حتى حدود الهند (سوريا والعراق وإيران وباكستان) تولاها سلوكس

4. مصر وليبيا تولاها بطلميوس

ويسمى ملك مصر ملك الجنوب وملك سوريا ملك الشمال.

وذكر للأجنحة قبل الرؤوس يعنى انتشار المملكة قبل اقتسامها.


St-Takla.org Image: Daniel Prophecy

صورة في موقع الأنبا تكلا: نبوة رؤية دانيال النبي

وفى (7) نجد وحش جديد ليس له شبيه وهو أعقب الدولة اليونانية ومن المعروف أن الدولة الرومانية هي التي قامت في أعقاب اليونان. وكانت إمبراطورية رهيبة شملت أوروبا وإفريقيا وأجزاء من أسيا. وكان البحر الأبيض يتوسط هذه الإمبراطورية ولذلك سمى بالمتوسط. وكانت في بدايتها قوية كالحديد، لذلك فهذا الحيوان يماثل الرجلين الحديد في تمثال نبوخذ نصر. ولكن هذه الإمبراطورية في نهايتها صارت ضعيفة وتفككت فصارت مثل الأصابع، وأجزاء منها قوية كالحديد وأجزاء منها ضعيفة كالخزف.

والتماثل بين هذه الرؤيا (إصحاح 7) وتمثال نبوخذ نصر (إصحاح 2) تتضح من أن هذا الحيوان له أسنان حديد كبيرة. وفعلًا فقد أكل هذا الحيوان كل الأمم الأخرى وداسها وسحقها. وسيطرت الدولة الرومانية على العالم لأكثر من 500 سنة. ولقد ولد المسيح في زمان هذه الدولة وكان هو الحجر الذي قطع بغير يد = ولد بدون زرع بشر.

وهذا الحيوان كان له عشر قرون. الإمبراطورية الرومانية لها شكلان، الأول هو الذي ظهرت به في القديم، أيام مجدها وكان يتوسطها البحر المتوسط الذي كان كبحيرة رومانية. والشكل الثاني هو الذي تنبعث به الدولة الرومانية في نهاية الأيام كدولة متحدة لكن لكل دولة شكلها وشخصيتها المستقلة، أي شكل الأصابع في رجل واحدة، ولكن بعض الأصابع حديد وبعضها خزف وفي الشكل الأول تكون العشر قرون هم العشر أباطرة (نيرون- دقلديانوس) الذين اضطهدوا الكنيسة. وفي أيام نيرون أستشهد الرسولين بطرس وبولس وبنهاية دقلديانوس أنتهي عصر الاستشهاد، وهذا ما كان يعنيه سفر الرؤيا بقوله يكون لكم ضيق عشرة أيام (رؤ10:2) فالعشرة أيام هنا هي عشرة فترات زمنية يكون فيها ضيق للكنيسة ومع كل هذا الضيق تنمو الكنيسة وتمتد، فكما أن الحجر قطع بلا يد أي بعمل إلهى = فالمسيح ولد بدون زرع بشر، هكذا نمو الكنيسة يكون بعمل إلهى. ومازالت هذه الكنيسة تمتد عبر العالم كله مكونة جبل عال رأسه المسيح الذي يملك ليس على ممالك دنيوية زائلة، بل يملك بصليب محبته على قلوب شعبه.

وفى الشكل الثاني للإمبراطورية الرومانية يكون العشر قرون هم عشر ملوك يساندون الوحش الذي سيظهر في أخر الأيام (رؤ12:17) ومن المعروف أن التمثال سيضرب في هذه الأيام أي ينتهي شكل العالم الحالي.

وفى أية (8) قرن آخر صغير: نجد هنا قرن صغير وفي (دا 8:9) نجد قرن آخر صغير. وفي بعض الأحيان يخلط المفسرون بينهما، ولكن هناك فروق واضحة:

قرن إصحاح (7) هو قوة جديدة لا علاقة لها بالممالك السابقة فهو ليس امتدادًا لأحدها. هو قام وسطها وهو مختلف عنهم، وهذا معني قرن آخر. بينما أن قرن إصحاح (8) هو امتداد لقوة عالمية موجودة إذ يقول في (دا 8: 9) ومن واحد منها خرج قرن صغير. إذًا هو ليس قوة جديدة أو مختلفة ولكن هو امتداد وتطوير لقوة موجودة. هو خرج من أحد القرون الأربعة التي انقسمت إليها مملكة الإسكندر (غالبًا هو سيخرج من مملكة الشمال كما سيأتي فيما بعد أي سوريا وفلسطين).

في اللغة الأصلية كلمة قرن صغير في إصحاح (7) تختلف عن كلمة قرن صغير في (8) ففي إصحاح (7) كلمة قرن صغير تشير لقرن صغير آخر. أما الكلمة قرن صغير في (8) فتعنى "أقل من القلة" أو "قرن من القلة". (غالبًا القلة هنا هم اليهود كما سيأتي فيما بعد) ولاحظ أن المعنى، أنه سيبدأ صغيرًا جدًا من وسط القلة، وهو أقل من القلة ولكنه يتعظم جدًا.

قرن إصحاح (8) ينتهي بتطهير القدس (8: 14) أما قرن إصحاح (7) فهو مستمر لنهاية الأيام، حين يجلس الدين (7:9) فما أعقب هذا القرن هو الدينونة، أي أنه مستمر إلى المجيء الثاني.