الوقفة السابعة:

أن هذه الحملات لا تعني أن نغير ديننا إلى دين سباب وشتائم بل ديننا دين العدل والإنصاف ولذا يجب على المسلمين أن يبينوا دينهم كما أنزل على محمد، كما ندعو كل منصف وكل طالب للحقيقة أن يقرأ ديننا من مصادره، وأن يطّلع على سيرة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-، فهي مدوّنة محفوظة تدويناً وتوثيقاً، لا يدانيه توثيق، ولا يقاربه تحقيق. وليعلم طالب الحقيقة ومبتغي الإنصاف أنّ المسلمين يكفيهم فخراً وشرفاً أن دينهم يحرّم كل انتقاص أو تكذيب لأيّ نبي من أنبياء الله، ويأمر باتباع ما جاؤوا به، (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: 13).
بل لقد نُهي المسلمون عن التعرض لأديان المشركين حفاظاً على الحق وحماية لجناب الله عزّ شأنه، ففي محكم التنزيل: (ولاَ تسُبُّوا الَّذين يدعون من دون الله فيسُبُّوا الله عدْواً بغير علم كذلك زينَّا لكل أمة عملهم) (الأنعام: 108).

إنَّ المسلمين يحترمون جميع رسل الله، ويوقّرون كلَّ أنبياء الله، عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام: (ءامَنَ الرَّسولُ بما أُنزلَ إليهِ من ربِّهِ والمؤمنون كُلٌّ ءامنَ بالله وملائكته وكُتُبه ورُسُلِهِ لا نُفرّق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غُفرانك ربَّنا وإليكَ المصير) (البقرة: 285).
الوقفة الثامنة:
إننا- معاشر المسلمين- نعتقد اعتقادا جازماً أن الله سبحانه سيحمي سُمعة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، ويصرف عنه أذى الناس وشتمهم بكل طريق، حتى في اللفظ.
ففي البخاري ومسند أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنَهم، يشتمـــون مُذمَّماً، ويلعنون مُذمَّماً، وأنا محمد)(3).
فنزَّه الله اسمه ونعْتَه عن الأذى، وصرف ذلك إلى من هو مُذمَّم، وإن كان المؤذي إنما قصد عينه".
قال تعالى: (إنَّا كفيناك المستهزئين) (الحجر: 95)، وقد سبق ذكر أقوال أهل العلم في ذلك في سياق الخطبة السابقة.
الوقفة التاسعة:
إن هذه السخرية والاستخفاف لهي سبب من أسباب النصر، إذ جعلت أمة الإسلام تستيقظ وتتلاحم وتتآزر، وتعرف حقيقة العدو، وكيف يتربص بها وبدينها وقيمها، وستجعل فاصلاً واضحاً بين المسلم الحق وبين المتلبس بالإسلام، والإسلام منه بريء. فالمسلم الحق سيجد نفسه مضطراً للدفاع عن نبيه ورسوله، سيلتحم مع إخوانه في تغيير هذا المنكسر، وردع فاعله بكل وسائل الردع المتاحة له. المسلم الحق سيجهز نفسه للوقوف ضد من حارب الله ورسوله، سيبذل كل غال ونفيس في نصرة الإسلام والذود عن رسول الهدى والرحمة. والمتلبس بلباس الإسلام سيخنس خنوس الشيطان، سيجد سبيلاً إلى الصمت والرضا بهذا المنكر، وما قصه إسلام حمزة بن عبد المطلب بسبب استخفاف أبي جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا ببعيد.
ولذا على كل فرد أن يعمل ما باستطاعته سواء لهذا الحدث أو غيره.
الوقفة العاشرة:
إن هذه الأحــداث وردودها التي عمت، ستثير فضول الكثيرين من أهل الغرب لمعرفة حقيقة هذا الرسول العالمي- عليه الصلاة والسلام- ولهذا
السبب سوف يُهرع الكثير منهم للقراءة عن شخصيته... والأخذ بزمام المبادرة بنشر سيرته الصافية السالمة من التحريف والتشويه أمر يفرضه الدين ويتطلبه الواقع، فالذب عنه فريضة.. قال تعالى: (فالَّذين آمنوا به وعزَّروه ونصروه واتَّبعوا النُّور الذي أُنزل معه أُولئكَ هم المُفلحون)(الأعراف: 157)، فعلق الفلاح بالنصرة، فمـن لم ينصره فليس من المفلحين.
قال الشيخ محمد ابن عثيمين- رحمه الله-: (ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم الدفاع عن شريعته وهديه بما يستطيع الإنسان من قوة بحسب ما تتطلبه الحال من السلاح، فإذا كان العدو يهاجم بالحجج والشبه فمدافعته بالعلم ودحض حججه وشبهه وبيان فسادها، وإن كان يهاجم بالسلاح والمدافع فمدافعته بمثل ذلك.
ولا يمكن لأي مؤمن أن يسمع من يهاجم شريعة النبي صلى الله عليه وسلم أو شخصه الكريم ويسكت على ذلك مع قدرته على الدفاع).
وإن ما سمعناه من توجه ولاة أمر هذا البلاد- أيدهم الله- لإنشاء مُجمَّع متخصص لخدمة السنة والسيرة النبوية على غرار مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف لسبق يذكر ويحمد...(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(يوسف: 21).
ومن هنا عباد الله علينا دراسة سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وقراءتها والاستفادة منها وتعليمها لأبنائنا وبناتنا وكل فرد منا.
أيها المسلمون:
اعملوا على كلّ ما تكون به العناية بحقوق نبيّكم عليكم، وفي الطليعة من ذلك الاستمساكُ بسنته، والاهتداءُ بهديه، والتخلُّق بأخلاقه، والتحلّي بشمائله، والذود عن كلِّ ذلك بحكمة وعلم وروية وإخلاص.
عباد الله:
إنّ الله تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المتقين
ورحمة الله للعالمين، فقال سبحانه في الكتاب المبين: (إنَّ اللَّه وملائكته يُصلُّون على النَّبي يا أيُّها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلّمُوا تسليما) (الأحزاب: 56).


(1) أخرجه ابن ماجه في سننه برقم (4036) عن أبي هريرة رضي الله عنه، في الفتن، باب شدة الزمان.
(2) أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم (2992) ومسلم في الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين برقم (3352) عن عائشة رضي الله عنها.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (3269) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه أحمد في مسنده برقم (7029) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

شبكة السنة النبوية وعلومها