وتجرى الاحداث بقدر الله وخطوات تبدأ معها نهاية دولة الفراعنة وحضارتهم بميلاد موسى عليه السلام .. وكان امر الله مفعولا .. يتلقى اليم الامر فيحنو على الصندوق ويحتضنه بهدوء وتسير به مياهه مأمورة فى اتجاه قصر فرعون فى توقيت قدره الله بتواجد امرأة فرعون وبعض من وصيفاتها والاميرات فى نزهة استجمام على الشاطىء .. وتنتبه للصندوق وتأمر الخدم باحضاره
(اذ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) )
( أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39))
.. ويلقى الله بقلب امرأة فرعون حب لهذا الرضيع الذى تجهل اصوله ومن اى جهة أتى . . كان من الممكن ان تعهد الى احدى الوصيفات او الاسر برعايته .. لكن محبته استاثرت بقلبها فاصطفته وارادت ان تتبناه وان تجعله ابنا لها .. انزعج الكهنة من هذا الرضيع الذى اتت به رياح الماء الى قصر فرعون .. ارتعبوا من ملامحه العبرانية التى لا تشابهه المصريين .. وزادهم انزعاجا ان الرضيع حديث الولادة بالعام الذى تذبح فيه ذكور بنى اسرائيل .. كل الاشارات والادلة تجزم انه من مواليد بنى اسرائيل .. صرحوا بكل مخاوفهم لفرعون وحرضوه على قتل الطفل منذرينه بان هلاك بلاده وعرش جدوده وحضارته العظيمة بكل علومها واموالها قد يكون على يد هذا الرضيع .. وكاد فرعون ان يقتله ولكن تشبثت امرأته بالرضيع واصرت على ابقائه حيا
القصص (آية:9):
(وقالت امرات فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا وهم لا يشعرون )
ورغم ان الامر خطيرا ويتعلق بمستقبل عرش فرعون ومصير بلاده .. لكن يبدو ان للمصريات محبة خاصة ودلال فى قلوب رجالهن عرفن بها منذ القدم وشخصية ايضا مميزة .. هاهى هاجر المصرية تضفى على ابراهيم محبه فتنجب له باذن الله ابنه اسماعيل وهو شيخ كبير .. وامرأة العزيز تستحوذ على محبة زوجها فيغفر لها .. وقيل فى الاثر بالعهود القديمة ان يوسف عليه السلام تزوجها بعد خروجه من السجن واسلامها لله وتوبتها وانجب منها اولاد منهم انبياء لبنى اسرائيل توارثوا العلم .. ومارية القبطية التى أحبها الرسول وانجبت له باذن الله ابنه ابراهيم دون غيرها من النساء بعد خديجة وتأقلمت واختها سيرين بمرونة وألفة على حياة البادية التى لم تألفها وهى من مصر بلاد الخصب والخيرات .. وهذا هو فرعون الذى لا يجرأ احد على مراجعته فى اوامره ويرهبه كل الكهنة والقوم وله من السطوة والشدة مايخيف امم وملوك من مخالفة اوامره واذا به يمتثل لارادة امرأته وتغلبه بمحبته لها وحرصه على ارضائها فيترك له الرضيع لتهتم برعايته .. أتوا لموسى بالمرضعات فاذا به يأبى المراضع .. ليتم الله وعده ويرجعه الى امه لتقر عينها وتعلم ان وعد الله حق ..وترضع أم موسى وليدها الايمان والولاء لامه و قومه ..
( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) )
ازداد انزعاج الكهنة وتملكهم الرعب والهلع .. وضحت الرؤية وليس هناك مجالا للشك او الريبة فى ان اصول هذا الرضيع من بنى اسرائيل بعد ان سكن الى امه ورضع منها .. ويعيدوا المحاولات لتحريض فرعون على قتل الرضيع ووأد دعوته من مهدها .. ويطمئن فرعون لغروره وكبره ويتوهم ان نشأة موسى فى قصره تحت عينه وعلى يد كهنته ومعلميه من الفراعنة اسبابا كافية لعدم وجود اى احتمالات لان يصبح هذا الرضيع رسولا لاله بنى اسرائيل .. ويظهر الله القوى قدرته واياته ويخرج ألد اعداء فرعون من قصره وبرعايه امرأته وحاشيته .. فى تلك المرة لن يأتى رسل الله من البدو من خارج مصر كما جاءها ابراهيم خليل الله .. ولا من قصر عزيز مصر ووزير الملك كما حدث عهد الكريم يوسف عليه السلام .. بل من قصر فرعون الاكبر والاعظم والاشد جبروتا وسطوة .. وفى اقوى واشد عصور الفراعنة حضارة ومالا وعلما ونفوذا وفتنة .. سيخرج موسى حفيد ابراهيم وتظهر معه دعوته لله الواحد القهار من قصر فرعون .. وسيشهد الفراعنة بملوكهم وكبرائهم وكهنتهم منشأه منذ ان كان رضيعا الى ان يصبح رسولا ويطيح بهم وبحضارتهم ويجعلهم ايه وعبرة لمن يخاف العذاب الاليم على مر الحضارات والعصور الى ان يرث الله الارض ومن عليها .. سيجهل التاريخ وعلماؤه واحبة الحضارات الملعونة اسم فرعون .. وسيخلد الله اسم موسى فيعرفه احبائه وحتى اعدائه ويرددون اسمه .. سيعاين فرعون ووزيره هامان وجنودهما وقومه آيات الله وعظمته .. ويشهدوا مهلكهم على علم وهم أذلة صاغرين ..
المفضلات