

-
طاف الخبر بالمدينة واجتمع فرعون بهامان وكهنته والملأ من قومه للتشاور فى امر القاء القبض على موسى وقد تملكهم الخوف والشك والريبة من امر عودته .. وقبل ان يتخذ قراره واذا بموسى قد قطع عليه وعلى قومه عناء الفكر وبادر بالذهاب اليه بقصره .. تملك الذهول فرعون وقومه .. كيف يجرأ هذا الطريد الاعزل ان يبادر بالذهاب اليه قبل ان يصدر اوامره لجنوده بالقبض عليه .. واذا بموسى وبصحبته اخيه هارون يطلبون مقابلته .. مهمة ربانية لا بد من تبليغها له .. أمر الهى
(فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ )
بالبدايه ظن فرعون ربما سيبادر موسى بالاعتذار عن فعلته طالبا منه العفو والمغفرة .. وربما توسط الى اخيه للذهاب معه والتوسل الى فرعون .. تخيل كل منهما ذليلا ضعيفا منكسرا ينحنى راكعا وساجدا له طمعا فى كرمه .. فسمح لهما بالدخول وجمع حشد من الحضور لاستعراض مهانتهم وتذللهم له على مشهد من الملأ .. واذا بهما يدخلان فى عزة ويتقدم منه موسى متحدثا الي فرعون بصفة غير التى يعرفها عنه .. بصفتة ومكانتة هو واخيه كرسولين من رب العالمين مهمتهما توصيل رسالة من ربهما وربه الآمر الناهى له .. المهمة جريئة ومباشرة وموجهة الى فرعون وقومه بأمر من الله بالكف عن ايذاء بنى اسرائيل وتركهم ليرحلوا مع موسى منذرين اياه وقومه بعاقبة مخالفة هذا الامر او الاستعلاء على الله وتكذيبة والسلام على من اتبع الهدى
(إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ..
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى )
وبدأ اقوى حوار يستحق ان يدرس فى علم الجدال ومرجع هام للمهتمين المتخصصين فى مجال المناظرة .. حوار بين موسى رسول الله وفرعون اقوى اعمدة الكفر الى يوم الدين .. حوار بين ولى الله العبد الفقير موسى وبين فرعون احد ائمة الطاغوت والشرك والاسراف والالحاد والكبر والاستعلاء على الله .. بين موسى الداعى الى الاسلام لله رب العالمين والخضوع له وحده لا شريك له وبين فرعون معلم الملاحدة والكفار وممثلهم والمناظر عنهم بالباطل على مر التاريخ .. حوار له قواعد وسمات وتدرج فى شدته ..
نظر فرعون اليهما وكعادة اهل الكفر القاسية قلوبهم تظاهر بالهدوء والثقة بالنفس المصطنعة وبدأ بسؤال ظاهره الاستفسار وباطنه الاستخفاف قائلا
(قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى )
اجابه موسى باطمئنان وثبات على نفس مستوى الحوار بهدوء وآخذا بظاهر السؤال ومتجاهلا النوايا التى لا يعلمها الا الله
(قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )
وكعادة اهل الكفر والشرك فى تشتيت الامور .. أمسك فرعون بدفة الحوار واراد تحويل مجرى الحديث فى متاهات بغرض الجدال بالباطل
(قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى )
اضاع عليه موسى الفرصة واعاده الى صلب الرسالة التى اتى من اجلها وطمأنه ان لا داعى ان يشغل باله بأمر القرون الاولى فعلمها عن خالقها الذى لا ينسى من خلق .. موضحا نعم الله وفضله على عباده .. ورد كل اسباب الحياة لله وحده لا شريك له
( قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ..
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى (53)
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (54 مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) )
بدأ فرعون فى تغيير استراتيجية الحوار ويسلك اسلوب المن والترهيب
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات