وعلى الجانب الاخر كان قارون من قوم موسى .. من بنى اسرائيل .. لم ينشأ فى قصور الفراعنة ولا نال من خيراتهم شيئا غير الذل والهوان والعبودية .. ولد لابوين من بنى اسرائيل وذاق كل مرارة الفقر والحاجة والسخرية .. نشأ بين قوم عبيد وخدم لشعب الفراعنة الذى لم يعد منهم حرفيا ولا صانعا ولا فلاحا الا القليل من فرط الغنى والرفاهية .. نظر قارون برؤيته الى قومه الفقراء الاذلاء المتخلفين فى عيونه وقناعاته عن هؤلاء الفراعنة اصحاب الحضارات والعلوم التى دامت عشرات القرون وهى فى تصاعد وازدياد .. تمرد على حاله وحال قومه ولم يتقبل فكرة التنازل عن مباهج الحياة فى سبيل الايمان بالله .. بهرته عظمة الفراعنة ومساكنهم التى دخلها كخادم وشاهد رونقها ورحبها وبهائها وفخامتها .. لم تروق له فكرة قبول اله واحد وانفاق العمر فى التمسك بعبادته وترك الدنيا بزينتها .. لم يكن باستطاعته ان يجمع بين الاسلام لله وامتلاك المال والتمتع بمباهج الدنيا فى ظل هؤلاء الفراعنة المتكبرين المسرفين فى بطشهم بكل المعلنين لعبادة الله الواحد القهار .. المعادلة بالنسبة له اصبحت صعبه وعليه الاختيار اما ان يرضى بقدر الله ويظل على دين ابائه وقومه ممسكا عليه بجمرة حتى يأتى الله بفتح من عنده وحتى لو كان الثمن ان يظل على حاله من الفقر والذل والهوان .. او ان يتمرد على هذا الدين الذى اسلمه لرب لا يرضى طموحاته ونزعااته الدنيوية من رؤيته .. لم يكن لقارون ان يترك الارق والتردد ليتملك منه طويلا .. المسأله برؤيته واضحة لا تحتمل اى تردد . . ليس له فى الغيبيات ولا يحتمل الانتظار لثواب يجنيه بالاخرة .. ليس له الا الاخذ بظاهر الامور ومعايشة الدنيا باحداثها .. وعلى ارض الواقع وبعيدا عن التنبؤات والتوحيد والاسلام برب واحد ووجوب التزامه بعلماء قومه فى امور العبادة وملازمة قومه . . تمرد قارون واغتر بعقله ورؤيته الضحله ووجد فى الفراعنة وطريقتهم المثلى فى الحياه واستمتاعهم بكل مباهج الدنيا وعدم خضوعهم لاله واحد لا يحقق لهم ما يتمنونه هو الاسلوب الامثل والرؤية الصائبة لمعيشته .. لم يتقبل فكرة ان هؤلاء القوم بكل ماهم عليه من حضارة هم على باطل .. شغلته المقارنات بين حال قومه وبين ما عليه الفراعنة .. ليس هناك تكافوء ولا احتمال لاقرار صحة عقيدة ابراهيم برؤيته .. هى نفس رؤية الملحدين والعلمانيين واصحاب المذاهب الفكرية المنحرفة فى كل زمان ومكان .. مقارنات تشغل عقولهم وشكوك وريبة تملأ نفوسهم وحب للدنيا ومباهجها وزينتها يطغى على اى انتماء دينى او عقيدة تعرقل مسيرتهم .. حبهم لمناهج اصحاب الحضارات والتقدم والرفاهية والذين وصلوا للقمر والمريخ يطغى عن اى تصديق بدين او عبودية او أجر مؤجل ليوم الحساب والثواب والعقاب .. لاداعى لان يؤجل طموحانه واطماعه وحبه للحياه الدنيا فى سبيل ايمان بالحياة الآخرة التى لا يعلم مدى مصداقيتها .. ربما لا تصدق وعليه اغتنام فرص الحياه .. هو بمفهوم عصرنا علمانى المنهج والفكر لا يثق بالآخرة ولا يرى فى العبادة والايمان والاسلام لرب واحد غير طقوس لاله قد يصدق وجوده وقد لا يصدق .. وعليه ان ينتمى صوريا له دون اى الزام باتباع منهجه ولا تعاليمه .. وبذلك يكون قد ارضى نفسه ولم ينسلخ عن قومه .. .. تقرب قارون من الفراعنة الكفرة الملحدين والمشركين .. تودد اليهم واغتنم الفرص للتآنس بمجالسهم وزيارة معابدهم والتعلم من كهنتهم .. وسبحان الله بينما مكن الله موسى بقوته وعزته من المعيشة بعزة وكرامة بقصر فرعون منذ ان كان رضيعا .. واذا بقارون يبذل الجهد وينافق ويسعى بكل ما اوتى بالحيل والاساليب للتودد للفراعنة وملازمتهم وخدمتهم والاستمتاع بفتات وبقايا خيراتهم .. وجد كهنة الفراعنة فى طموحات قارون املا فى اجتذابه وابهاره ودسه بين قومه لفتنتهم فى دين ابائهم وبذلك يقضوا على دين التوحيد والاسلام لله بين اتباع ملة ابراهيم .. رحبوا بتودده اليهم وعلموه من علومهم واكتسب من معايشتهم الكثير وتفوق عليهم فى جمع الثروات واتقان العلوم التى تجلب له خيرات الارض .. فرح الفراعنة به وصنعوا منه نجما فتنوا به بنى اسرائيل حتى اصبح قارون من الغنى والمال يمتلك خزائن لكل خيرات الارض من ذهب واحجار كريمة ومجوهرات ومعادن نفيثة واملاك وقصور تعجز عصبة من الرجال على حمل مفاتيح خزائنه .. اصبح بغناه املا وامنيه كل شباب ورجال قومه من بنى اسرائيل ومنال لكل نسائهن وفتياتهن .. استوقفه علماء قومه بالنصيحة وأمروه ان يتقى الله ويحسن من ماله لفقراء قومه بدلا من التعاظم والافتخار عليهم وفتنتهم فى دينهم وولائهم لله .. وافهموه ان احسانه وتصدقه وتزكيته عن ماله لا يمنع استمتاعه بماله ولكن عليه الا يجهل او يتغافل عن حقوق الله الذى اقطتعها من اموال الاغنياء للفقراء من عباده .. وبكل كفر واستعلاء وتكبر وتعالى على الحق انكر عليهم قارون هذا المطلب .. وبكل غرور ادعى اسباب الغنى والمال والتقدم للعلم وحده وليس لله يدا فيه .. نفس منهج المستكبرين بعلومهم بكل زمان ومكان .. تشابهات قلوبهم

القصص (آية:76):
(ان قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم واتيناه من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبه اولي القوه اذ قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين )

القصص (آية:77):
( وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخره ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين )

القصص (آية:78):
( قال انما اوتيته على علم عندي اولم يعلم ان الله قد اهلك من قبله من القرون من هو اشد منه قوه واكثر جمعا ولا يسال عن ذنوبهم المجرمون )