مطلب ثالث : الحجج القائلة بتوقف الخلاص على الإيمان والأعمال
اتضح لنا فيما سلف أن ثمن الخلاص هو دم المسيح وحده، وأن الواسطة للحصول عليه هي الإيمان الحقيقي دون سواه. ومع ذلك فهناك آيات يقول بعض المسيحيين إنها تدل على أن الخلاص يكون بواسطة الإيمان والأعمال معاً، ولذلك رأينا من الواجب أن نفحص هذه الآيات بكل تدقيق، لكي يتضح لنا المعنى الحقيقي لها.
مسألة : الايات الواردة في الرسائل
(أولاً) ترون إذاً أنه بالأعمال يتبرر الإنسان، لا بالإيمان وحده" (يعقوب 2: 21 – 23).
1- فآمن (إبراهيم) بالرب فحسب له براً" (تكوين 15: 4، 6)، وبعد حصول إبراهيم على هذا البر بأربعين سنة تقريباً كما ذكرنا، طلب الله منه أن يقدم ابنه إسحاق ذبيحة (تكوين 22: 2)، ومن ثم فإبراهيم عندما قدم ابنه لله على المذبح لم يكن غير مبرر، بل كان مبرراً ومبرراً لديه تعالى.
2- وإذا كان الأمر كذلك، فما الغرض من تبرير إبراهيم بعد ذلك بسبب تقديم ابنه؟ (الجواب) "لأنه إن كان إبراهيم قد تبرر بالأعمال فله فخر، لكن ليس لدى الله" (رومية 4: 2)
3- فتبرير إبراهيم بالأعمال أو تكميل إيمانه بها الوارد ذكره في رسالة يعقوب، لا يقصد به سوى الشهادة العلنية على أنه كان حقاً باراً أو كاملاً في إيمانه
(ثانيا ) ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد إن له إيماناً ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلصه ... هكذا الإيمان أيضاً، إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته .... لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت، هكذا الإيمان أيضاً بدون أعمال، ميت" (يعقوب 2: 14 – 18).
1- يعقوب لا يتحدث هنا عن مؤمن حقيقي، بل عن شخص يقول إنه مؤمن، وطبعاً ما لم يبرهن هذا الشخص على صدق إيمانه بالحياة المقدسة والأعمال الصالحة، فإيمانه يكون شكلياً لا حقيقياً، لأن الإيمان الحقيقي لا يكون ميتاً بل حياً، والإيمان الحي هو المصحوب بالحياة الإلهية، والحياة الإلهية من شأنها أن تثمر أثماراً صالحة.
2- ليس هناك أي اختلاف بين أقوال بولس التي ذكرناها في الفصل السابق عن السبيل إلى التبرير أمام الله، وبين أقوال يعقوب الواردة في الآيات التي نحن بصددها عن هذا السبيل.
3- لأن الأول يعلن أن التبرير هو بالإيمان الحقيقي، ويعلن الثاني أنه ليس بالإيمان الإدعائي، وكلا الإعلانين حق.
4- ويعلن الأول أن الخاطئ يتبرر أمام الله بالإيمان ويعلن الثاني أن المؤمن الذي يحصل على الخلاص بالإيمان، يجب أن يبرهن على وجود هذا الإيمان في نفسه بالأعمال الصالحة، لأن هذه الأعمال هي التي تعلن أنه مؤمن حقيقي، وكلا الإعلانين حق أيضاً.
(ثالثا) كذلك راحاب الزانية أيضاً، أما تبررت بالأعمال إذ قبلت الرسل وأخرجتهم في طريق آخر،" (2: 25).
1- إن قبول راحاب الوثنية للرسل المذكورين ومحافظتها على حياتهم، هو ثمر إيمانها بالله وقدرته الفائقة .... أن الذي أنقذ راحاب ليس هو محافظتها على حياة الرسل المذكورين، بل إيمانها الحقيقي بالله الذي تميزت به عن جميع مواطنيها.
2- أن بولس قال إنه بالإيمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة، إذ قبلت الرسل بسلام (عبرانيين 11: 31).
(رابعا ) الله لا يقبل الوجوه، بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده" (أعمال 10: 35). وقال بولس الرسول "مجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح .... لأنه ليس عند الله محاباة" (رومية 2: 10).
السبب في قول الرسولين بطرس وبولس في الآيتين اللتين نحن بصددهما. إن الأعمال الصالحة تجعل صاحبها مقبولاً أمام الله وأهلاً للحصول على المجد والكرامة والسلام، فيرجع إلى أن هذين الرسولين كانا في مستهل حديثهما مع أشخاص أمميين، لا يعرفون شيئاً عن الخلاص الكامل من الخطية والتوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية
(خامسا) "لأن الذي ليس عنده هذه هو أعمى قصير البصر قد نسي تطهير خطاياه السالفة" (2 بطرس 1: 9).
الرسول لا يقول: إن المؤمن الذي لا يتصف بهذه الصفات يطرح في جهنم أو يهلك إلى الأبد
(سادسا ) تمموا خلاصكم بخوف ورعدة، لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (فيلبي 2: 11 – 13)
الرسول لا يقول للمؤمنين أن يتمموا خلاصهم بخوف ورعدة بواسطة الأعمال الصالحة ولا يقول تمموا خلاصكم بخوف ورعدة لئلا تهلكوا أن السبب في وجوب إتمام خلاصنا بخوف ورعدة، هو وجود الله معنا
(سابعا) لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد منا ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً" (2 كورنثوس 5: 9).
بالرجوع إلى الإصحاح المقتبسة منه هذه الآية، نرى أن الرسول افتتحه بالقول "لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي، فلنا في السماء بناء من الله بيت غير مصنوع بيد، أبدي" (2 كورنثوس 5: 1)
(ثامنا ) "لاحظ نفسك والتعليم، لأنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك" (1 تيموثاوس 4: 16) وقال عن "النساء إنهن سيخلصن بولادة الأولاد، إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل" (1 تيموثاوس 2: 15).
الآية الثانية فقد قيلت بمناسبة الإشارة إلى الحكم الذي أصدره الله على حواء، [وهو تكثير أتعاب حبلها وولادتها الأولاد بالأوجاع (تكوين 3: 16)] بسبب تصديقها للشيطان وتنفيذها لمشورته. ولكن المؤمنات الحقيقيات من بناتها أعطى الله لهن الوعد بالخلاص من هذه الأتعاب والأوجاع، إذا ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل
(تاسعا) إن علمتم أنه بار فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه" (1 يوحنا 2: 9).
إن الإنسان لا يستطيع بطبيعته أن يعمل البر الذي يتوافق مع كمال الله، فقد قال الوحي" ليس بار، ليس ولا واحد" رومية 3: 10)
(عاشرا) اكتب طوبى للأموات الذي يموتون في الرب منذ الآن، نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم" (رؤيا 14: 13).
إن وصف هؤلاء الناس بأنهم "يموتون في الرب" دليل على أنهم كانوا يحيون فيه أثناء وجودهم على الأرض فهؤلاء الأشخاص إذاً ستكون لهم الحياة الأبدية مع المسيح، ليس بسبب أعمالهم، بل بسبب إيمانهم به إيماناً حقيقياً.
مسألة – الآيات الواردة في البشائر الأربع
اولا : فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يوحنا 5: 28 و 29).
إن الإنسان بحسب طبيعته البشرية العتيقة لا يسكن فيه، أي في جسده، شيء صالح (رومية 7: 18)، فقد قال المسيح في موضع آخر "الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب، يخرج الصالحات" (متى 12: 25)، وقلب مثل هذا لا يوجد إلا في المؤمنين الحقيقيين
ثانيا : قد غفرت لها خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً. (لوقا 7: 46).
ليس لأن محبتها في ذاتها هي السبب في ذلك، بل لأن سمعان لم يكن يرى الإيمان الحقيقي الذي كان في قلبها، والذي كان المسيح يراه وعلى أساسه منحها الغفران.
والدليل على ذلك أن المسيح لم يقل لها: محبتك قد خلصتك، بل قال لها "إيمانك قد خلصك. اذهبي بسلام" (لوقا 7: 50).
ثالثا : إن المسيح سيقول للعذارى الجاهلات اللاتي لم يأخذن زيتاً معهن في آنيتهن "الحق الحق أقول لكنّ: إني ما أعرفكن" (متى 25: 1 – 30).
الزيت المذكور في هذه الآيات ليس رمزاً للأعمال الصالحة، كما يعتقد القائلون بالإيمان والأعمال، بل رمز للروح القدس الذي يسكن في المؤمنين الحقيقيين دون غيرهم (1 كورنثوس 6: 19)
رابعا : إن المسيح سيقول لبعض الناس: "تعالوا إلي يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعت فأطعمتموني .... " (متى 25: 23 – 46).
أن الملك الوارد بها لا يراد به أمجاد السماء، بل ملك المسيح على الأرض عند مجيئه إليها في المرة الثانية
خامسا : قال المسيح "لكن الذي يصبر إلى المنتهى، فهذا يخلص" (متى 24: 13)
أن المسيح عندما نطق بها كان يتحدث عن الضيقة العظيمة، وفي هذه الضيقة سيرجع نفر من اليهود الأتقياء إلى النبوات ويعرفون أن المسيح الذي صلبه آباؤهم هو حقاً مسيح الله، ومن ثم سوف يتجهون إليه ويؤمنون بشخصه، ضاربين عرض الحائط بسلطة المسيح الكذاب