واحب ان اضيف نقطة في غاية الاهمية


أحكام العبادات لا تعلل
وكذلك أحكام المطعومات والملبوسات والأخلاق





من المصائب التي أبتلي المسلمين بها الغزو الفكري الصليبي، والذي كان له أخطر الأثر على أمة الإسلام، وبغزو أفكار الغرب المسلمين أصبح مقياس الأفعال عند المسلمين نفعياً، فالقاعدة الفلسفية السائدة في المجتمعات الجاهلية والتي انتقلت للمسلمين بفعل الغزو الثقافي الغربي لهم هي النفعية، فقد أخذت الفلسفة النفعية من المسلمين وعقولهم كل مأخذ، فأصبحت أعمالهم وحتى طريقة أعمالهم تسيرها تلك الفلسفة، والأنكى من كل هذا أن النفعية قد اقتحمت حتى طريقة فهمهم للإسلام وأحكامه، حتى أصبح من الملاحظ أنّ المعلم في مدرسته والكاتب في مقالاته والواعظ في المسجد والشيخ في فتاواه، كلهم قد درج لديهم جرثومة تعليل العبادات والأحكام الشرعية الأخرى تعليلاً نفعياً رخيصاً.

حتى أنّ بعض من حمل الدعوة الإسلامية وتصدر بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ القرن الثالث عشر الهجري إلى يومنا هذا – لا بل معظمهم – قد أخذوا يتصيدون التعاليل النفعية يحبكونها من بنات أفكارهم ونسيج خيالهم، ويتصيدونها من كل جهة ليلصقوها لأحكام الإسلام ظناً منهم أنهم بهذا يخدمون الدين ويقربوه للناس موفقين بينه وبين خصومه، محاولون إظهار محاسن ومفاتن ومنافع الإسلام – ومحاسن الحكام عندهم هي بقدر ما يستطيعون أن يُلصقوا بها من الفوائد – فعلة تشريع الصوم هي الصحة، وعلة أخرى للصوم أن يجوع المترفين حتى يشعروا بجوع الفقراء، وعلة الوضوء النظافة، وعلة الصلاة الرياضة، وعلة صلاة الجماعة التعارف والانضباط، وعلة الحجاب حتى لا يعرفن ، وعلة تحريم لحم الخنزير الدودة في لحمه وقذارة ما يقتات من زاد، وعلة تحريم شرب الخمر الاسكار، وعلة تحريم الربا أن يكون أضعافاً مضاعفة، وعلة فرض الحاج أن يكون مؤتمراً إنسانياً، وعلة الصدق النجاة، حتى بلغ السفه يبعضهم إلى التطاول على النص الشرعي مفسراً صريح النص بغير ما ورد فيه وبغير ما ورد في القرآن ودلالة نصه، كما فسروا الطير الأبابيل في سورة الفيل بالجراثيم والميكروبات، وذلك لكي يقربوا الاسلام من عقول الكفرة الغربيين.

والمتمعن في أحكام الإسلام من أوامر ونواه يجدها على نوعين: فمنها من جاءت النصوص به دون أن تورد له علة، ومنها من جاءت الشريعة به معللاً ، فقسم جاءت الشريعة به مبينة العلة في تشريعه، وقسم امتنعت الشريعة عن بيان علته أو حكمته، فكان من سداد الرأي وحُسن الإسلام واستنارة البصيرة أن نتلقى الأحكام الشرعية كما جاء بها الشرع وحياً، إن كانت معللة عللناها بالعلة التي عللها بها الاسلام، وان كانت غير معللة أمسكنا وامتنعنا عن اختلاق واختراع وتصيد العلل والفوائد، وانه لمن سوء الفهم ومن التطاول على الشرع ومن فساد الذوق والفكر وعمى القلوب الا نتقيد بالوحي والحديث الشريف. وما انتكس المسلمين وتقهقروا وغابت دولتهم وانتكست رايتهم وتفرقت جماعتهم وهانوا على الناس وعلى أنفسهم فأصبحوا مطمعاً لكل الذئاب البشرية الا عندما ابتعدوا عن الفهم الصحيح للاسلام.

نخرج من جميع ما تقدم أن العلة للأحكام لا تعتبر علة شرعية الا اذا أتى بها نص القرآ، أو حديث صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم على أنها علة شرعية، وان أتت العلة من غير المصادر الشرعية فلا يعتد بها ولا يجوز لنا الأخذ بها.

ومن العلل التي وردت صراحة في نصها الشرعي قوله تعالى ( ﴿كيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم ﴾) وقوله تعالى : ( ﴿من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل ﴾) وقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما جعل الاستئذان لأجل البصر ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( الكافر لا يرث ) معللا الكفر علة لعدم الإرث وقوله صلى الله عليه وسلم ( من أحيا أرضاً ميتة فهي له ) فدل الحديث على أن إحياء الموات علة من علل التملك الفردي.

هذه هي العلل وهذا هو طريق ثبوتها ، فهي علل شرعية في مصدرها، ولا يجوز أن تكون الا شرعية، ولا يجوز أن تكون عقلية أبداً، فالعقل لا مجال له في استنباط العلل، لأنّ وظيفة هي ليست وظيفة تشريع وفلسفة الأحكام وتعليلها، بل وظيفة العقل وظيفته محصورة في فهم الأحكام واستنباطها، وعندما يتجاوز العقل وظيفته مطلقين له العنان ليُشرع فقد عبث وتطاول على شرع الله وافسد الفهم والأعمال، ومن فسد فهمه حبط عمله والعياذ بالله تعالى
.منقول من كتاب : معالم الفكر الإسلامي – حاتم ناصر ألشرباتي