الفصل الثاني
ملاحظات أولية حول مستقبل إسرائيل
تبدو مهمة الكتابة عن مستقبل إسرائيل صعبة وتستدعي التحلي بالصبر فمنذ سنين احتفلت الدولة العبرية بالذكرى
الخمسين على تأسيسها ، ورغم مظاهر الاحتفال المبالغ فيها والتي تعمدها حكامها كتعبير عن القوة المطلقة
والانتصار المظفر، إلا أن التقارير التي خرجت من إسرائيل رصدت شيوع حالة ثقيلة من الاكتئاب والحزن
سيطرا على المواطنين الإسرائيليين ، لم تنجح فرقعات النصر ودوي الاحتفال في إخفائها . لم تنجح الاحتفالات
بالذكرى الخمسين في تبديد مشاعر الإحباط والخوف التي كانت تتسلل بين مواطني الدولة العبرية وتفقدهم بهجة
الاحتفال ومغزاه الذي خطط له حكامه باعتباره انتصاراً تاريخياً غبر مسبوق لأسطورة دينية وقومية تمتد لأكثر من ألفي عام .
لقد جاءت الذكرى الخمسون لنشأة الدولة العبرية وهي في قمة انتصاراتها السياسية
· ألم تنجح في أن تفرض على أعدائها سلاماً يتفق مع شروطها هي ومصالحها هي قبل أن تنجح في اختراقهم واحداً
بعد الآخر بقوة السلاح أولاً ثم بقوة المفاوضات ثانياً ؟.
· ألم تنجح في إقامة كيان يضم عناصر متنافرة دأب الفكر السياسي على اعتبارها متعارضة ؟.
· أليست الدولة العبرية هي النموذج الوحيد في عالمنا المعاصر لإنشاء دولة قومية (حديثة )
تحقيقاً لوعد ( أسطوري ميتا فيزيقي ) غارق في التاريخ ؟ ـ انظر أسطورة البقرة ميلودي في الجزء الأول من الدراسة ـ
· أليست الدولة العبرية نموذجاً مثاليا لتزاوج ـ غير مسبوق ـ بين ممارسة سياسية ديمقراطية تنتمي
للمفاهيم السياسية الحديثة وبين تقاليد دينية مغرقة في الرجعية ؟.
· ألم تنجح الدولة العبرية في تجسيد ( حلم المستقبل ) لقوم عانوا الاضطهاد قروناً طويلة، تحولوا بفعل
أساطيرهم قوّامين على اضطهاد شعب أو شعوب أخرى ؟.
· ألم تنجح وتنجح وتنجح ؟؟!!!...
نعم إنها نجحت في كل ذلك أو كادت، فلماذا كل هذا الحزن والقلق الذي ساد الذكرى الخمسين ؟.
إن الإجابة التي يعرفها كل يهودي هي الخوف من المستقبل ومن الموت..
إن المجتمع اليهودي لديه ست مجموعات متصادمة : الأشكيناز والسفارديم واليهود الروس والأرثوذكس
المتشددون ويهود الدياسبورا وأخيراً عرب إسرائيل .
هذا هو واقع إسرائيل ( العرقي ) الذي اختارته لنفسها ولقد وضحته الآية الكريمة من سورة الحشر :
" تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاًوَقُلُوبُهُمْ شَتَّى" هذا الواقع هو الذي سيحدد بشكل أو أخر مستقبلها.
وفي دراسة علمية قام بها مركز ( شتاين ميتز) في جامعة تل أبيب، وهو مركز مشهود له بالجدية اتضح
أن 60% من الإسرائيليين يخشون على إسرائيل من الصراعات الداخلية والخارجية ، ومما لاشك فيه أن ( التسوية السياسية )
التي فرضتها الدولة العبرية على العرب قد ساهمت إلى حد كبير في تخفيف الإحساس بالخطر الخارجي وتغلغل الشعور
بالأخطار الداخلية ، ولاشك أيضاً أن كثيرين من المتابعين العرب للظاهرة الصهيونية باتوا يبشرون باحتمال سقوطها .
ولكن كل ذلك يرتبط في رأيي بالسياق التاريخي الذي تمر فيه الصهيونية , فمما لا شك فيه أن إسرائيل ولدت
في ظل سياق تاريخي خاص منذ نهاية القرن التاسع عشر, وتطورت في ظلتطور النظام العالمي خلال القرن العشرين .
هذا السياق التاريخي صار معروفاً للجميع ولكن هناك وقائع أرى أنها جديرة بالتأمل منا جميعا وذلك عندما نضع مستقبل ( إسرائيل ) محل الفحص والتحليل .
ولنبدأ أولاً بدراسة عناوين ثلاثة لثلاثة سور قرآنية كريمة ثم نعيش ثانياً قصة حقيقية مع الدكتور زكي نجيب محمود شيخ الفلاسفة العرب .
فلنبدأ أولاً بدراسة عنوان السور الثلاث وهي سورة العنكبوت وسورة النمل ثم سورة النحل .
والسؤال الآن هو لماذا هذه السور الثلاث بالذات وما علاقتها بموضوع البحث ؟ .
هذا ما سوف نسعى للإجابة عنه بإذن الله تعالى.
الصورة الأولى من سورة العنكبوت
إن مجتمع العنكبوت مجتمع فردي لا يعمل في صورة جماعية اجتماعية ، وإذا وُجِدَت العنكبوت في جماعة فإن أهم
الملامح التي تميز هذا المجتمع هو العزلة والانقسام والأنانية والسمة الأساسية الغالبة عليه هي العنف والقسوة حتى
أن أنثي العنكبوت والمعروفة بالأرملة السوداء تراها بعد الانتهاء من عملية ( السفاد) ـ التلقيح ـ وفور استفراغها
للسائل المنوي تستدير بسرعة كبيرة وتقوم بقضم رأس الذكر الذي يعتليها .
كما أن العنكبوت ليس بحشرة ، فهو جنس وحده ـ يتبع الفصيلة العنكبوتية ولا يتبع الفصيلة الحشرية ـ فالحشرات
لها ثلاثة أزواج من الأرجل المفصلية ( أي ستة أرجل ) في حين أن العنكبوت لها أربعة أزواج من الأرجل المفصلية ( أي ثمانية أرجل ).
وبالإضافة إلى أنانية العنكبوت وغدرها إلا أنها قنَّاصة , كما أنها تتميز بأعمال القرصنة, فهي لا تكتفي بنصب
الشباك للإيقاع بفرائسها فحسب ولكنها تغير على جيرانها بشراسة منقطعة النظير ويوجد منها مائة نوع على الأقل
شديد السميِّة , كما أنها تقوم بصنع بيت لها من خيوط دقيقة جداً يحسب من يراها لأول وهلة أن هذه الخيوط
واهية ـ وهي كذلك ـ إلا أن الذي قد لا يعرفه المتطلع إلى بيت العنكبوت هو أن هذا البيت مجهز بأجهزة إنذار
على مستوى عالٍ جداً من التقنية بحيث تختبئ العنكبوت بداخلة والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يحاول الاقتراب
من الحدود مجرد الحدود فلسوف تراه مفقودا، فما بالك بمن يحاول دخول البيت ؟ .
إن السورة تحاول رسم صورة لمجتمع مرفوض وتلفظه باقي المجتمعات الأخرى ومثاله من دنيا الواقع مجتمع إسرائيل,
إنه مجتمع عنكبوتي متفرد في جنسه ودولة إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تقع كل حدودها مع أعدائها, فليس لها صديق,
حتى الدول الحليفة لها والتي استطاع حكامها أن يقيموا معها عملية التطبيع, فإن هذا التطبيع كان ولا يزال تطبيعاً جغرافياً
وترسيم حدود وليس تطبيعا ديموغرفيا وإرادة الشعوب، لقد نجحت الدولة الإسرائيلية أن تنسج خيوطها وسط الأمة
العربية تلك الخيوط الواهية والسهل القضاء عليها، كما أن إزالتها لا يوجد أيسر منه.

مونيكا لونيسكي بيل كلينتون
ففي عالم العنكبوت نجد الذكور منه جبناء والإناث منه أكثر دهاء، فهاهي ذي أنثى العنكبوت الجميلة
( مونيكا لونيسكي ) والتي نصبت شباكها وشِراكها بدقة متناهية حول ذكر أمريكا
( بيل كلينتون ) والذي استطاع الخروج من الشرك بصعوبة بالغة بعد أن لطخ علم أمريكا بسائله المنوي والذي
استفرغته منه أنثى العنكبوت العشيقة والتي كادت تقتله لولا أنثى العنكبوت الثانية والتي كانت تحيط به وتدخره لمهمة أخرى,
إنها أنثى العنكبوت الشمطاء ( مادلين أولبرايت ) وزيرة خارجيته وفي خضم الأحداث يجب ألا ننسى أنثى
العنكبوت الثالثة ( لوسيان جولدبرج ) مديرة مكتبه والتي كانت تسجل المحادثات المتبادلة بينهما بالإضافة
إلى ترتيب اللقاءات الساخنة في البيت ( الأحمر).
وفي خضم الأحداث يجب ألا ننسى أنثى العنكبوت القبيحة المنظر والتي أَنِفَ منها كل مذاكير العناكب فلم
يقربوها لقبحها ودمامتها وقسوتها ومع ذلك وإن كانت قد استطاعت أن تحتوي كل حكام العالم الغربي إلا أنها في نفس
الوقت قد أدخلت كل الحكام العرب الجحور إنها ( جولدا مائيير ) رئيسة وزراء إسرائيل السابقة وصاحبة النكسة أو نكبة عام 1967 المهم
أنها أنثى عنكبوت وكفى بها من أنثى لتعبر عن حقيقة مجتمع يرفضه الإسلام وترفضه كل المجتمعات .. بل وتكرهه .
جولدا مائيير
يعتقد بنو إسرائيل أنهم أبناء الله على الحقيقة وليس على المجاز وأن باقي أبناء البشر هم نتاج الزنا الحاصل بين آدم
وبين خليلته من الشياطين واسمها ليليت حيث عاشرها آدم لمدة 130 سنة فولدت له أبناء وبنات كثيرين كما أن حواء
اتخذت لها مجموعة من الشياطين عشاقاً وولدت منهم أبناء وبنات ولذا فان أبناء آدم وحواء هم أبناء الله ومنهم اليهود أما أبناء الزنا من الشياطين فهم أبناء الناس , ولمزيد من التفصيل يراجع سفر التكوين الإصحاح السادس العدد الأول حيث جاء فيه ( وحَدَثَ لَّما ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُنَ على الأرض ،
وَوُلِدَ لَهُمْ بناتٌ, أنَّ أبناءَ اللهِ رَأُوا بنَاتِ الناسِ أنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ ) الخ .ولمزيد حول هذا الموضوع يراجع كتاب (التوراة) للقس
الفرنسي ليوتاكسل ترجمة الدكتور حسان ميخائيل إسحاق الفصل الثالث صـ 43 وتعليق الدكتور حسان في آخر الكتاب صـ 529 .
الصورة الثانية من سورة النمل :
إن مجتمع النمل يتميز بأنه مجتمع منظم يحترم قياداته ، ويعمل بصورة جماعية وهو في نفس الوقت دكتاتوري النظام
تتحكم فيه الملكة والتي تتربع على قمة الهرم وباقي المملكة عبيد ويعملون من أجل الملكة , وهو مجتمع أناني يعمل
لنفسه ولا يفيد غيره ، يجمع غذاءه ويحافظ عليه مخزناً مستخدما في ذلك تقنية كبرى يعجز البشر في فهم كنهها,
كما أنه مجتمع قوي في ذاته عنيف على غيره متماسك في نسيجه مترابط في أفراده , أناني النزعة لا يعود خيره إلى غيره ,
كما أنه مجتمع غير مبتكر ولا مبدع ، يهتم بالجندية والقوة العسكرية فترى القائد فيه يحافظ على جنوده فلا يهلكهم
ولا يوردهم موارد الهلاك ، وتأمل هذه الصورة البديعة التي قصها علينا القرآن الكريم
من سورة النمل الآية الكريمة :[حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ
لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (18)]النمل 18
فجمع في هذه اللفظة ـ كما يقول الإمام الزركشي ـ أحد عشر جنساً من كلام العرب :
نادت , وكَنّت ، ونبهت ، وسمّت ، وأمرت , وقصّت , وحذّرت , وخصّت , وعمّت , وأشارت , وعَذَرت .
فالنداء (يا), والكناية (أيّ), والتنبيه (ها), والتسمية (النمل) والأمر (ادخلوا), والقَصَص (مساكنكم),
والتحذير (لاَ يَحْطِمَنَّـكُمْ), والتخصيص (سليمان), والتعميم (جنوده), والإشارة (وهم), والعذر (لا يشعرون) .
فأدت خمس حقوق : حق الله تعالى ، وحق رسوله سليمان عليه السلام ، وحقها ، وحق رعيتها ، وحق جنود سليمان .
· فحق الله تعالى : أنها استرعيت على النمل فقامت بحقهم .
· وحق سليمان عليه السلام : أنها نبهته على النمل .
· وحقها: أنها أسقطت حق الله تعالى عن الجنود في نصحها إياهم.
· وحق رعيتها: بنصحها لهم ليدخلوا مساكنهم.
وحق الجنود : إعلامهم إياهم أن من استرعاه رعيّة فواجب عليه حفظها الذبّ عنها , وهو داخل في الخبر المشهور
كلكم راعٍ وكل مسؤول عن رعيته .( الإمام الحافظ بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي , البرهان في
علوم القرآن حـ3 ص227) ومثل مجتمع النمل كل المجتمعات العربية القائمة وكل النظم الحاكمة الموجودة الآن
فهي مجتمعات مغيرة محاربة فمثلما يوجد في مجتمع النمل من تراه يهاجم غيره ويقوم بقتل أفراده بقسوة ويحتل
مسكنه فإنك تجد هذه الصورة تتكرر في مجتمعات عدة .
كذلك تجد في مجتمع النمل من تراه يكتفي بالإغارة فقط على جيرانه فيسلبهم ما يدخرون ويعود أدراجه دون احتلال ,
فإنك تجد نفس الصورة في كل الحكومات القائمة الآن .
ومثلما أن مجتمع النمل مجتمع محارب مدافع هناك في كل حكومات العالم ما يعرف بوزارة الدفاع
والسؤال الآن هو الدفاع عن من ؟, وطالما أنه يوجد دفاع كان معني ذلك أنه يوجد هناك حرب و إغارة.
ومثلما أن مجتمع النمل في صراع دائم بينه وبين مجتمع العنكبوت فإن الصراع العربي الصهيوني في جوهره صراع
بين مجتمعين متصادمين بحكم الأهداف. مجتمع عربي قوامه الوحدة العربية ـ والتي كانت ثم انهارت ـ والتنمية
المستقلة والديمقراطية / الديكتاتورية من جانب, ومجتمع صهيوني قائم على إعطاب وحدة العالم العربي على الأقل لضمان بقائه.
إن المجتمع العربي القائم على الوحدة العربية والتنمية المستقلة سيتصادم بحكم طبيعة الأشياء مع المجتمع الصهيوني
الذي له إستراتيجيته الخاصة القائمة في حدها الأدنى على الحل الصهيوني للمشكلة اليهودية في سلخ فلسطين
من العالم العربي وتوطين اليهود , ولذلك سوف تعتدل القضية إذا ما تحول المجتمع العربي القائم على الوحدة العربية إلى
مجتمع إسلامي قائم على الوحدة الإسلامية , وهذه هي الصورة الثالثة للمجتمعات والتي يرتضيها الله سبحانه وتعالى لنا .
سورة النحل:
فمجتمع النحل هو النموذج المثالي الذي يرتضيه الله سبحانه وتعالى لكل شعوب الأرض .
فهو مجتمع اجتماعي منظم وبنَّاء ، يستخدم التقنية العلمية في أسلوب حياته فعن طريق خطوط الكنتور والمجالات
المغناطيسية وزاوية انحراف الشمس وهو المعروف بعلم حساب المثلثات تستطيع النحلة أن تحدد مسارها في الجو خارج الخلية ,
أما داخل الخلية فالأسلوب الهندسي البديع المتخذ في تصميم الخلايا مازال أمراً محيراً لدا العلماء .
كما أنه مجتمع عامل منتج يسعى لإحضار المواد الخام اللازمة للصناعة , ويقوم بتصنيعها بعد تصنيفها
فيحولها ـ على العكس من النمل ـ إلى مواد أخرى أكثر نفعاً , يستفيد منها ويفيد غيرة , فخيره يعود أثره إلى غيره,
كما أن البطولة والاستشهاد من أهم مقومات النحل فهو وإن كان مسالماً إلا أنك تراه مجتمعاً محارباً يقف صفاً
واحداً تجاه عدوه أيَّـاً كان ذلك العدو ومهما كانت قوته وشراسته , فالنحلة تهاجم بقوة وجسارة
وكلما حاول الفرد الزَّبُ عنها انقضت عليه وهاجمته بقوة مضحية بنفسها , إذ أن النحلة حينما تغرس
ذنبها في عدوها فإنها تفقد حياتها مع ذلك الذنب , فهو يجاهد ويدافع عن وطنه بل ويستميت في الدفاع عنه .
فيا ليت لنا حكمة النمل وعظمة النحل, فلو حدث هذا لكنا بالفعل ـ كما كنا من قبل ـ خير أمة أُخرجت للناس.
المفضلات